وضعت أكليل الزهور على قبرها الصغير وجلست أتأمل الصمت المخيف وأسمع حفيف الأشجار وأنظر إلى القبور حيث يتحدث كل شيء بجلال الموت وتفاهة الحياة. دفنتها والشمس تحتضر وتفارق النهار، عدت إلى البيت ودخلت حجرتها فشممت رائحة الموت يعبق بها المكان، ما زالت الوردة في الكأس حيث وضعتها ودميتها على المكتب، كراساتها، لا، لا استطيع أن أنساها فروحها مازالت ترفرف كعصفور ورائحتها التي خلفتها الممتزجة بالبخور ورائحة الموت مازالت هنا. قبل عام فقط عندما هبّت أول نسمات الشتاء كانت هنا ترتدي معطفها تلعب وتلهو ترسم أحلامها على الطين المبتل بالمطر، لن تعود فالموتى لايرجعون، لابد أنها في قبرها نائمة وروحها في السماء ترنو إلي ليتني كنت أملك المال لما حصل لها مكروه لكنه القدر. تلاشت الذكريات أمامي تحملها نسمات الهواء البارد، تذكرت ذلك اليوم الذي بدأ المرض يزحف إلى جسدها الصغير فبدت صفراء شاحبة هرعت بها إلى ملائكة الرحمة أضع روحها بين أيديهم لكنهم كانوا ذئاباً، أيام قليلة كانت كافية ليسرقوني ولأعود بها بين كتفي إلى البيت وأرى المرض يسري بها كالنار في الهشيم، مرت أشهر من ذلك الشتاء وهي تذبل وعندما عاد الشتاء مرة أخرى كانت تحتضر مع أول نسمات الهواء البارد، وعندما حل الصباح كانت روحها قد فارقت جسدها الصغير. أحسست ببرودة جسدها الصغير وأغمضت عينيها الخضراوين وطبعت قبلة الوداع على جبينها.