يصادف اليوم التاسع عشر من يونيو الذكرى ال49 لاستقلال دولة الكويت عن بريطانيا ودخولها مرحلة جديدة من تاريخها لتطل من خلاله على أفق العالم المستقل ولتساهم فى صنع السلام وحضارة الإنسان. ويعتبر يوم 19 يونيو من عام 1961 هو التاريخ الحقيقي لاستقلالها. واستقلال الكويت ليس وليد الاتفاق الذى جرى بتبادل مذكرات مع الحكومة البريطانية بل هو حقيقة تكونت على مر السنين وتوالي الأحداث وصنعتها التصرفات الحكيمة التي رسمها حكام الكويت.. ومع استقرار الظروف الدولية والاقليمية المحيطة بالكويت رأى الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح الحاكم ال11 للكويت ضرورة إلغاء هذه المعاهدة لأنها لا تحقق للكويت سيادتها التامة وحريتها واستقلالها فكان له ما أراد حيث أعلن استقلال الكويت في 19 يونيو 1961 واستبدلت تلك المعاهدة باتفاقية صداقة بين الحكومتين الكويتية والبريطانية.. لقد أدرك المسؤولون في حكومة بريطانيا العظمى آنذاك جدية الرغبة الكويتية في انهاء معاهدة الحماية وقدرتها في الوقت ذاته على إدارة شؤونها بالكامل دون أي تدخل خارجي وهو الأمر الذي ترجم في سرعة استجابة الطرف البريطاني للمطالب الكويتية من خلال الرسالة التي بعثها المندوب السياسي البريطاني في الخليج السير جورج ميدلتون إلى الشيخ عبدالله السالم قائلاً فيها: لي الشرف أن أشير إلى المباحثات التي جرت مؤخراً بين سموكم وبين سلفي نيابة عن حكومة صاحبة الجلالة في المملكة المتحدة .. فقد تم التوصل خلال هذه المحادثات الى النتائج التالية: تلغى اتفاقية 23 يناير 1899 لكونها تتنافى مع سيادة واستقلال الكويت.. وتستمر العلاقات بين البلدين مسيرة بروح الصداقة الوثيقة.. ولم يكن سعي الشيخ عبدالله السالم الصباح للحصول على الاستقلال وليد اللحظة بل هو ثمرة جهد دائم وتخطيط مستمر للوصول الى الهدف المنشود.. فقد قام الشيخ عبدالله السالم الصباح بالعديد من الإجراءات التي من شأنها أن تعجل وتحفز على اعطاء الكويت استقلالها حيث تسلمت الكويت في الأول من فبراير عام 1958م مسؤولية الخدمات البريدية في الداخل وفي اليوم نفسه من عام 1959م تسلمت الكويت المسؤوليات الخارجية للبريد وهو العام نفسه الذي أمر فيه سموه بوضع قانون الجنسية. ولا تستكمل أركان الدولة دون أن يكون لها عملتها المستقلة، وهو الأمر الذي أدرك أهميته الشيخ عبدالله السالم الصباح فحث دائرة المالية على اجراء دراسة عاجلة لإصدار عملة الكويت الوطنية وبالفعل وضع قانون النقد الكويتي في 19 أكتوبر 1960 الذي قرر أن يكون الدينار هو وحدة النقد الكويتية وفي 1 ابريل 1961 تم طرح الدينار الكويتي للتداول. وتأتي احتفالات دولة الكويت بهذا الذكرى في ظل كثير من الإنجازات التي تحققت على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وترسيخ التجربة الديمقراطية والتي تُوجت العام الماضي بوصول 4 نساء إلى مجلس الأمة للمرة الأولى في تاريخ الكويت، وتتزامن كل تلك المنجزات واحتفالات الأعياد الوطنية مع مرور الذكرى الرابعة لتولي أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. واستكملت دولة الكويت بعد عقود من النضال والعمل الدؤوب المتواصل لبناء قدرات الدولة والانسان، إنجاز استقلالها في عهد الشيخ عبدالله السالم الصباح، وتشكلت ملامح الدولة العصرية الحديثة بمؤسساتها وإنسانها وبنيتها، ولا زالت دولة الكويت تجسد قيم الاستقلال التي تحدث عنها الشيخ عبدالله السالم الصباح في اول احتفال له بهذه الذكرى. وكان أبرز تجليات ملامح الدولة العصرية الذي تجلى بعد الاستقلال هو السعي المبكر لدولة الكويت ومع بدايات عام 1962 اتخذت اولى الخطوات العملية لأجل ذلك التقدم نحو اعداد دستور يبين نظام الحكم على أساس المبادىء الديمقراطية المستوحاة من واقع الكويت وأهدافها، وقد صادق الشيخ عبدالله السالم الصباح في نوفمبر 1962 على مشروع الدستور لتدخل البلاد مرحلة الشرعية الدستورية، وتنص المادة السادسة من الدستور على أن نظام الحكم فى الكويت ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين في الدستور. يقوم نظام الحكم في الكويت على اساس فصل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها ولا يجوز لأية سلطة منها النزول عن كل او بعض اختصاصها المنصوص عليه في الدستور، وكانت أولى تجليات العهد الديمقراطي الجديد اجراء اول انتخابات تشريعية في ال 23 من يناير 1963 مؤسسة اعرق التجارب الديمقراطية في العالم العربي، كما اسست الكويت نظاماً قضائياً مدنياً متميزاً كان - ولايزال- أهلاً لحل كافة النزاعات بكل اشكالها وتفرعاتها ما اكسبها احتراماً دولياً، وأتاح لها فتح علاقات سياسية واقتصادية راسخة ومتينة مع مختلف دول العالم. وتحتل دولة الكويت المرتبة الثانية على مستوى الدول العربية والرابعة على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الصادر في جنيف عن التنافسية العالمية لعام 2008، اذ أكد بقاء البيئة الاقتصادية في الكويت المفضلة عالمياً في جذب الاستثمارات الأجنبية للعام الثاني على التوالي. وفي مجال السياسة الخارجية: تنتهج دولة الكويت منذ الاستقلال سياسة خارجية معتدلة ومتوازنة، آخذة بالانفتاح والتواصل طريقاً وبالإيمان بالصداقة والسلام مبدأً وبالتنمية البشرية والرخاء الاقتصادي لشعبها هدفاً في اطار من التعاون مع المنظمات الاقليمية والدولية ودعم جهودها وتطلعاتها نحو أمن واستقرار العالم ورفاه ورقي الشعوب كافة، وظلت الدبلوماسية الكويتية أمينة على رسالتها باذلة جل جهودها من اجل القضايا العربية والقومية والقضايا الاسلامية وقضايا التحرير والاستقلال لشعوب العالم، في ظل قياداتها المتعاقبة. ولعبت الكويت دوراً بارزاً الى جانب جيرانها من دول الخليج العربي في اقامة علاقات تعاون متميزة فيما بينها، وأثمرت تلك الجهود عن قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية فى 25 مايو 1981م وكان لأمير الكويت الراحل الشيخ جابر الصباح دور بارز في تفعيل إنشاء هذا المجلس، كما دعمت وعززت اعمال المجلس من خلال المشاركة الفعالة والايجابية فى مختلف أعماله، والى جانب ذلك فهي عضو فاعل وبارز فى جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامى وهيئة الاممالمتحدة بالاضافة الى أنها عضو في العديد من المنظمات العربية والاسلامية والدولية الاخرى( اكثر من 50 منظمة)، وسياسة الكويت تتجه نحو دعم جهود المجتمع الدولي نحو اقرار السلم والأمن الدوليين والالتزام بالشرعية الدولية والتعاون الاقليمي والدولي من خلال الهيئات والمؤسسات والتكتلات الاقليمية والدولية التي تنتمي اليها.. إن للشعوب محطات في تاريخها وإن للدول رجالاً يخلدونها بأعمالهم، وما كان المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح إلا أحد هؤلاء الرجال ، إذ خلد الكويت بالحرية والديموقراطية فخلد ذكراه أبناؤها في قلوبهم أباً للدستور والاستقلال.