15 حفيداً وخمسة أبناء وعمر تجاوز الثمانين سنة لم تثن محمد عبدالله محمد بن سلم عن مواصلة مشوار العلم والبحث والمثابرة حتى حصل على شهادة الدكتوراه بتقدير امتياز، ليسجل اسمه بأحرف من نور كأول من يحصل على هذا اللقب باستحقاق في هذا العمر على مستوى جامعة عدن واليمن والجزيرة العربية. فالجدية والتحدي والاحترام هي علامات جلية تكشفها سمات الرجل الثمانيني التي يمكن أن يلاحظها المرء منذ الوهلة الأولى في سحنة الدكتور محمد عبدالله محمد بن سلم، فالعين لايمكن أن تخطىء تلك التعابير الغائرة في ملامح رجل لم يدع للعمر وعقوده الثمانية مجالاً لوأد الطموح وتحقيق الأحلام، بل حقق مايعده البعض مستحيلاً!! نعم مستحيلاً.. فالرجل أنجز نصراً إنسانياً يتحقق لأول مرة في جامعة عدن واليمن بل والجزيرة العربية، وقليلاً ماتحقق في بلدان العالم قاطبة. ففي يوم السادس من يوليو 2010م، صمت الجميع عن الكلام المباح، ونطق الشيخ الذي بلغ من العمر عتياً (1930/2010م) وصال وجال بالحديث المتاح وأفاض بأثمن الكلام وأندر الأفكار ورد بالحجة والبراهين على كل من راودته نفسه أن يسأل أو يفند ماجادت به الدراسة العلمية للرجل الثمانيني الذي يتوكأ على عصا ليس له منها مآرب أخرى. انبرى محمد عبدالله محمد بن سلم، في ذلكم اليوم شامخاً يطاول السماء، متمنطقاً أوراق دراسته العلمية صائلاً في قاعة كلية التربية بجامعة عدن يستعرض بحثه ويجادل ويناقش رسالته العلمية لنيل درجة الدكتوراه بكل ثقة واقتدار ولم يستطع البروفيسور العراقي خيل إبراهيم القيسي الأستاذ بكلية التربية بالمهرة جامعة حضرموت وهو رئيس لجنة المناقشة والهيبة العلمية تحيط به من كل جانب، وبجواره المشرف والمناقش للرسالة الأستاذ السوري الدكتور المشارك علي أحمد حسن الربيع الأستاذ بكلية التربية بالمكلا جامعة حضرموت، ويحاذيهما الدكتور العراقي طالب محمود اخفاجي الأستاذ بكلية التربية بجامعة عدن، أن ينفذوا إلى مواضع اعتقدوا أن الباحث قد تخطاها عنها، فبحثه محكم، ودراسته موثقة واستنتاجاته منطقية. فالقلق والخوف والارتباك لم يجدوا طريقاً كي يتسللوا لنفس الرجل أو العقود الثمانية، أسوة بمن سبقه في هذا المقام المهيب، فخبرة الرجل العلمية والحياتية الطويلة زودته بمناعة العلم المتمكن الذي لايرهبه الموقف ولا الحدث ولا الشخوص، وماهي إلا بضع ساعات نضحت بدرر الأفكار وأطياف الإبداع، حتى أعلنت لجنة المناقشة، إجازة الرسالة المثبتة أركانها ومعاييرها الأكاديمية بعد أن بذل الباحث سنوات من البحث والجهد والدراسة وتتبع أمهات الكتب والمراجع ونزل إلى الميدان يلاحظ ويدون ويحصي لينجزها على النحو المكتمل التي قدمت عليه للجنة. صفقت اللجنة والحشد الشاهد الحاضر على مناقشة رسالة الدكتوراه لمحمد عبدالله محمد بن سلم بحرارة صفق وهلل الجميع دون استثناء لم نر يوماً تصفيقاً بهذه الحرارة والحماسة وتهليلاً بهذا الفرح والزهو في أروقة كلية التربية بعدن، وانهالت التهاني تتوارد وتنساب على الدكتور من كل حدب وصوب، لعل أصدقها وأعظمها تلك التي جاءت من الدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور رئيس جامعة عدن، كيف لا و”محمد بن سلم” حقق مايشبه المستحيل في زمن انتهت فيه المعجزات ووهنت الهمم وخارت العزائم إلا من رحم ربي. تدافع أصدقاء وزملاء وأقارب ومحبو وتلاميذ الدكتور بن سلم مهنئين ومباركين، فنجاحه يزودهم بمثال حي يحتذى به، وفخر يعتز به، وحكاية ستقص على الأبناء وستسطر في سفر تاريخ الرجال الذين قهروا الصعاب وحققوا النجاح في قرن مثخن بالإحباطات وفي بلد يتلمس طريقه للغد. محمد عبدالله بن سلم قال كلمته ولكنه لم يتركنا، وبعد أن اصطحبناه معنا “نصر مبارك باغريب، منير محمد الصلوي، يسرى عبدالرحمن الشرعي” عقب حصوله على اللقب العلمي “الدكتوراه” لنحتفل بنصره الإنساني المتميز ولنتناول المرطبات وشرب الشاي في مكتب الإدارة العامة للإعلام بجامعة عدن قال: “أشعر بالثقة في النفس التي كانت زادي طوال حياتي، لايوجد شيء مستحيل إذا أراد المرء أن يحقق هدفه شرط توفر العزيمة والإرادة مع بذل الجهد” وشدد بالقول: “بقدر ماتبذل من جهد ستحصل على نتيجة”. ونصح أبناءه من جيل اليوم بالقول: “تحدوا الزمن ولاتجعلوه عائقاً أمام العلم والدراسة. والكبر في السن لن يشكل عائقاً أمام الشخص الذي يمتلك إرادة التعلم، فكلما حدد المرء طريقه بوضوح، وصل إلى هدفه، وركزوا على الهدف مباشرة وتعمقوا فيه ولا تتشعبوا بقضايا عديدة أو جانبية؛ لأن ذلك يبعدكم عن الهدف الأساس ولايوصلكم لمرامكم المقصود”. ويعيد محمد عبدالله بن سلم ذاكرته إلى سنوات شبابه الأولى وبعد أن تم تعيينه كمعيد عام 1981م في كلية التربية عدن، عندما نصحه الأستاذ المصري كامل سعيفان الذي كان يعمل محاضراً في كلية التربية عدن جامعة عدن، بضرورة الاستمرار بطريق العلم ومواصلة الدراسة،غير أن الظروف لم تواته آنذاك للدراسة جراء رفض طلباته العديدة للابتعاث للدراسة العليا في الخارج. وأضاف قائلاً: عندما فتحت الطريق بين صنعاءوعدن في العام 1989م قبيل تحقيق الوحدة اليمنية بعام ذهبت إلى جامعة صنعاء لدراسة الدبلوم العالي مساءً والعمل مدرساً بكلية التربية بجامعة صنعاء صباحاً، وحصلت على شهادة الدبلوم العالي عام 1990م، ثم واصلت مشوار الدراسة في أجواء الوحدة اليمنية في جامعة عدن حتى حصلت عام 2004م على شهادة الماجستير من كلية التربية عدن تخصص مناهج وطرق تدريس من كلية التربية عدن. وما برح محمد عبدالله محمد بن سلم يطمح لتحقيق المزيد من الطموحات في مشوار حياته بعد أن حصل على شهادة الدكتوراه فثمة قاعات دراسية لازال يحن لها لمواصلة تقديم المحاضرات العلمية فيها لطلابه، وثمة كتب يتطلع لإنجاز تأليفها في علوم العروض والتفعيلة ومهارات اللغة العربية. وكشف لنا الدكتور محمد عبدالله بن سلم في سياق حديثه لنا أن الرغبة والإرادة هما مفتاح السر لمواجهة الصعاب التي قد يواجهها المرء فيهما تحقق الآمال وحث بن سلم الجيل الحالي على الاستمرار في تحصيل مايريد تحقيقه من درجات العلم وألا يكل مهما تعب أو تعرض لمعوقات وعراقيل، وألا يقف في المكان الذي يصل إليه، بل يواصل لتحقيق مزيد من النجاحات والانجازات في حياته، لأن من جد وجد.. مشيراً أن العلم يحتاج للبحث المستمر وللصبر والمواصلة من المحبرة إلى المقبرة. الجدير بالذكر أن الدكتور محمد عبدالله بن سلم من مواليد العام “ 1930م”،بمحافظة حضرموت، تلقى العلوم الدينية والشرعية برباط غيل باوزير “نظام أربع سنوات على نمط الأزهر الشريف” وعين في العام 1948م ،كمدرس في مدرسة ابتدائية في مدينة المكلا، ثم عين مدرساً في رباط باوزير”معهد متوسط” بحضرموت، ثم عمل مشرفاً للتعليم بمديرية بيحان بمحافظة شبوة، ثم مراقباً للتعليم بمحافظة شبوة، ثم مساعد ضابط تعليم بالإدارة العامة للمحميات “قبل الاستقلال” ثم عين عام 1957م مسجلاً بكلية الاقتصاد والإدارة بجامعة عدن، وفي العام 1981م انضم لعضوية هيئة التدريس بكلية التربية جامعة عدن. حصل الدكتور محمد عبدالله محمد بن سلم على شهادة البكالوريوس عام 1981م، من كلية التربية عدن تخصص لغة عربية، وحصل على شهادة الدبلوم العالي من جامعة صنعاء عام1990م وحصل على شهادة الماجستير من كلية التربية عدن تخصص مناهج وطرق تدريس عام 2004م،وحصل على شهادة الدكتواره من كلية التربية عدن جامعة عدن عام 2010م بتقدير امتياز على بحثه الموسوم “بناء معايير تأليف كتاب التربية الإسلامية للصف الثالث من التعليم الأساسي”. ويتكون بحث رسالة الدكتوراه ل محمد عبدالله بن سلم من تسعة فصول شملت العنوان والتعريف بمشكلة البحث “ الإطار العام”، ومما جاء تحت هذا العنوان أن المجتمع اليمني بطبيعته مجتمع متدين ويحتكم في كل شئونه إلى الدين الإسلامي، وينطلق في كل تصوراته ومبادئه من العقيدة الإسلامية السمحة،لذلك فإن لمادة التربية الإسلامية مكانة كبيرة في نفوس اليمنيين كافة ؛ لأنها تمتد محتوياتها من المنهج الرباني الإلهي المتكامل الموافق لفطرة الإنسان. وتطرق الباحث إلى ذكر الهجوم العدواني الكبير الذي تعرضت له الأمة الإسلامية في مناهجها وكتبها الدراسية. ووجد الباحث رغبة ملحة للتأكد من سلامة المناهج الإسلامية من تهم تغذيتها لفكر التطرف بعرض هذه المناهج على المعايير الأساسية لبنائها مستعيناً بآراء الخبراء وبراءتها من ذلك الاتهام الذي يخفي في طياته هجوماً عدوانياً على الأمة المسلمة. وهدف البحث وحدوده ومنهجه وأسئلته التي حددها الباحث بالسؤالين الرئيسيين ما المعايير التي يتم تأليف كتب التربية الإسلامية في ضوئها؟ وما مدى مطابقة كتاب التربية الإسلامية للصف الثالث الثانوي للمعايير التي تم في ضوئها التأليف؟