سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هديل: الإعاقة لا تعني تلاشي الحياة فقدت بصرها ولم تفقد بصيرتها.. تتعامل مع حالتها بكل حيوية ونشاط ولم تتخل عن الأمل أبداً؛ لأنها ببساطة ساعدت نفسها على ذلك..
من ثنايا صوتها الرخيم ينبثق إحساس الأمان والأمل معاً.. قد يكون هذان الشيئان بعيدين عن كثيرين منا.. إلا أن سماعي صوتها يؤكد أنهما متأصلان في نفسيتها.. وتسعى ليس عبر صوتها فقط، بل عبر حيويتها ونشاطها المفقود عند غيرها. إن سمعتها قبل أن تراها، يخيل إليك أنك تقف أمام شخص بالغ، رباني الفكر، يضع همه وحلمه الدنيوي على ربه، ولا يشكو من شيء، فترتيلات الحمد والشكر، وتسبيحات التنزيه لا تفارق ترديدها.. ومرة أخرى نؤكد أن كل ذلك مفقود عند غيرها. إنها الطفلة الكفيفة «هديل» ابنة الأحد عشر ربيعاً، لاترى بعينيها.. لكنها ترى بقلبها، وبصيرتها حديثها فاق سنها الطبيعي كثيراً، ويستمع أحدنا لها وهو مذهول بما يسمعه من حكم وكلمات تفيض أملاً ونوراً.. وأكرر.. يغيب عن كثيرين منا. إعاقة لم تمنع الحياة بالمقارنة مع سنها.. ثم مع حالتها تمتلك هديل عبدالله الشرماني صوتاً إنشادياً، يمكنني أن أشبهه بصوت المقرئين الأفذاذ، أو بصاحب رائعة «الورد جميل» تصدح به في رحاب مدرستها أو في ساحات جمعيتها.. جمعية أمان للكفيفات ، تحاول من خلاله أن تجعل نفسها الرقيقة ترى الجمال في كل شيء، وتجبر غيرها على أن يراه في كل شيء، إنها قادرة على ذلك حين تزرع الورود في محيطها بصوتها الباعث على الأمل الخالي من أية شائبة. موهبة «هديل» لاتقف عند الإنشاد، بل تتعداه لتقفز صوب الكلام السحري، فتنظم الأشعار وتسجع الكلمات المقفاة لتصنع منها درراً تحاكي بها حكمة الرحمن، وتخبرنا أن الإبداع والإمتاع لاتقف أمامه أية عقبة أو تحدٍ حتى وإن كانت ذهاب البصر ، فالإعاقة لا تعني تلاشي الحياة. لا اعتراض تؤكد «هديل» أنها لاتعترض على مشيئة الله، فهي وإن فقدت نعمة البصر فإنها لم تفقد بعد نعمة البصيرة، والأمل الباقي في نفسها الصغيرة، مؤكدة أن والديها دائماً ما يشجعانها على التفوق في دراستها هديل في الصف السابع وفي تقديم الجميل من الأناشيد، وكتابة الأروع من القصائد، وقالت إنها تحفظ أربعة أجزاء من القرآن عن طريق الاستماع وأن ذلك قربان لله على ما أعطاها من نعم. دراستها «هديل» تتعلم في جمعية الأمان للكفيفات وتفخر بالخدمة التعليمية المقدمة في رحابها ، مشيرة إلى أن الأساليب التعليمية النوعية المتوافقة مع احتياجات الكفيفات ساهمت في تحقيقها للمركز الأول في كل عام من دراستها.. وتقول: هناك العديد من الأساليب والوسائل التعليمية الجيدة التي تختصر عنا نحن الكفيفات الكثير من المصاعب كأسلوب دراسة الرياضيات «تيلر».. وأسلوب القراءة «برايل» حتى المصحف الذي يدرس في الجمعية يختلف عن بقية المصاحف. صحافية المستقبل تتمنى «هديل» أن تصبح صحافية في المستقبل، معللة ذلك بحبها للإعلام وحبها للانتشار في كل العالم عن طريقه.. وأكدت أنها تسعى لخدمة الكفيفات من خلال الإعلام الذي تعتبره مقصراً في تسليط الضوء على الكفيفات وخدمتهن وإبراز معاناتهن. كما تتمنى أن تسجل شريطاً إنشادياً، وأن تصبح قدوة للبنات الكفيفات، وحثهن على ألا ييأسن، ويقبلن على الحياة. رد الجميل تعترف «هديل» بالجميل والمعروف للأستاذة فاطمة العاقل، مديرة جمعية الأمان للكفيفات في اليمن، وتقول إنها دعمتها وشجعتها كثيراً، ودائماً ما توعدها أن تكون رئيسة ومديرة للجمعية التي بدأت باحتواء أربع كفيفات في صنعاء، وهاهي اليوم تضم أكثر من ألف وستمائة كفيفة في فروع المحافظات. هديل.. الأمل روحها المتقدة، ونشاطها المتدفق لايعكسان حالتها، ولايمتان إلى اعاقتها البصرية بأية صلة، إنها أمل يمشي على الأرض، فقدان البصر لايعني نهاية الدنيا، كلمة نوجهها للكثيرين ممن فقدوا البصيرة ولم يفقدوا البصر من فقدوا الأمل وخضعوا بسهولة للألم.. نقول لهم تعلموا من «هديل».. من تعطيكم القدوة والأسوة في أن مواجهة المشاكل هو ما يجب أن نعيشه وليس الاستسلام لها.