كتب عن رمضان الكثير من الآثار النثرية والشعرية، وقد اتفق معظم من تحدث عن رمضان على أثره في النفس والوجدان، وجلوُّا سَمْتَهُ الروحي والإيماني، وأبرزوا أهمية شهر الوحي كموسم للعبادة والخشوع ومحاسبة النفس، واتفقوا أيضاً على كونه ضيفاً عزيزاً يزورنا مرة واحدة كل عام، وللضيف حق تكريمه وتحيته في الاستقبال والإقامة والوداع وهاكم ما قاله بعض الشعراء في شهر الصفاء. تصوير رمضان بالزائر الجدير بالحفاوة، والذي يحيا بالسلام والسلامة نجدها عند الشاعر المصري مصطفى صادق الرافعي المعروف بكتاباته الإسلامية، فإذا به يتحدث عن رمضان بقصيدة ابتعد فيها نوعاً ما عن المنهج البياني الذي التزم به الرافعي في أدبه وهو فيما يلي من الأبيات يختار لغة شديدة السهولة والبساطة والتدفق فيقول مرحباً برمضان الزائر الكريم: فديتك زائراً في كل عام تحيا بالسلامة والسلام ثم يشير إلى أهمية رمضان ومكانته العظيمة فيقول: فلو تدري العوالم ما درينا لحنت للصلاة وللصيام بني الإسلام هذا خير ضيف إذا غشي الكريم ذرا الكرام يلمكم على خير السجايا ويجمعكم على الهمم العظام وينصح الرافعي بني الإسلام بأن يشمروا السواعد للعيادة وقيام الليل وأن شهر رمضان هو شهر الفطام عن ارتوى من مرضعه المعاصي والذنوب: فشدوُّا فيه أيديكم بعزم كما شدَّ الكمي على الحسام وقوموا في لياليه الغوالي فما عاجت عليكم للمقام ثم يقول: ومن روته مرضعة المعاصي فقد جاءته أيام الفطام! لعل قصيدة الرافعي عن رمضان تركت أثراً جلياً لدى الشاعر محمود حسن إسماعيل إذ يبدع هو الآخر قصيدة عن رمضان سماها “الله والزمن” يفتتحها بمضارعة الرافعي بتصوير رمضان بالضيف أو الزائر الذي يلزم تحيته ولا يكتفي بهذه المضارعة بل يختار البحر الشعري نفسه وزناً لقصيدته والقافية الميمية التي: يقول محمود حسن إسماعيل: أضيف أنت حلَّ على الأنام وأقسم أن يحيا بالصيام؟ قطعت الدهر جوابا وفياً يعود مزاره في كل عام في قصيدة محمود حسن إسماعيل نلحظ تنوعاً في القوافي يعبر عما تكنه نفس الشاعر من أفكار وصور وأحاسيس عن هذا الشهر الكريم وهو في رسم ذلك يستخدم التعبيرات والصور البيانية المليئة بصدقه الوجداني وسمو المعاني فيقول مخاطباً رمضان: أنت منارة الغفران يأوي إليك اليائسون من المتاب وعند الله سؤلك مستجاب ولو حملت أوزار التراب ويستمر الشاعر في حديثه عن الأثر الإيماني والروحاني لرمضان سارداً صوراً حية تجسيدية وتشخيصية تصور الذنوب والمعاصي بإنسان يفر ويهلع من شهر رمضان ومنذ تهل ترهبك الذنوب وتخشع السرائر والقلوب وتفزع أن تقابلك المعاصي فتهرع أو تقنع أو تذوب ويجفل أن يراك أخو هواها ولو قتلت مشاعره العيوب كأنك فارس الأيام تبدو فَيصْعُقها مهندك الغضوبُ تجابه كل غيان عنيد فيكتتم الغواية أو يتوب ولعل مشهد الصائمين قبيل أذان المغرب ملتفين حول موائد الإفطار مترقبين الأذان بلغ من الشاعر مبلغاً عظيماً في نفسه فيقول في هذا الصدد مخاطباً رمضان: جعلت الناس في وقت المغيب عبيد ندائك العاتي الرهيب كم ارتقبوا الأذان كأن جُرْحاً يُعذَِبهم تلفت للطبيب ونصل إلى ما قاله الشاعر الشيخ عبدالله بن علي في وداع رمضان إذ يقول: خليلي شهر الصوم زُفَّتْ مطاياه وسارت وفود العاشقين بمسراه فقوما بنا نبكي على حسن عهده وما فاتنا منه ونذكر حسناه فيا شهر لا تَبْعُد لك الخير كله فأنت ربيع الوصل يا طيب مرعاه فعليك السلام يا رمضان في حِلك وترحالك ووفقنا الله لاغتنام أوقاتك إنه سميع مجيب.