وإن كنا قد أتينا إلى عالم جديد, وأدخلتنا التقنية الحديثة إلى مواقع متقدمة حاملة شتى علوم الأرض والسموات ,حتى غدا كل ما في الأرض وعوالمها قرى مصغرة وهذا وإن كنا كذلك إلا أن عدداً من العادات والأعراف الإسلامية كانت لها شذاها واريجها اختفت وبلا رجعة.. فالتلفزة وزنابير الفضائيات المتعددة الأغراض والهويات غلبت وأصبح كل المشاهدين مندهشين مسمرين نحو الشاشة بلا كلام ,وبلاذكر حسن ,وإن كانت الفضائيات نقل كل مايجول ويستجد تجعل كل مشاهد مستمتعاً بما يرى من غرائب الخلائق وعادات البشر وعجائب مايدور في هذه الأرض رغم كل ذلك إلا أن الحنين لعادات رمضانية حسنة اختفت لازالت تشدنا إلى أيام زمان. حتى العودة إلى ماكتب عن فضائل رمضان من آثار نثرية وشعرية ,فقد اتفق معظم من تناولوا أثره في النفس والوجدان وحلو سمته الروحى والإيماني على أهميته موسماً للعبادة والتأمل والخشوع ومحاسبة النفس ,كما اتفقوا على كونه ضيفاً كريماً يحل بدنياهم مرة في كل عام وحق الضيف التكريم والتبجيل في حقه الشرعي.. لكن التأمل الأعمق في هذه التجليات الشعرية يكشف عن مدى تنوعها واختلافها ,فمن بينها الزهد الخاشع والمرح الفكه ,ومنها أيضاً المتحرر المنطلق الماجن ,كما يقول أحد الباحثين الذين شغلوا بهذه الآثار عن رمضان وهو يستشهد على هذا الرأي ببيت للخبز أرزي يقول فيه: (أرى لي في شهر الصيام إذا اتى ليالي عيار وأيام عابد) والعيار هو الكثير المجيء والذهاب والكثير التطواف لايستقر على حال فهو يصرح بأنه قسم يومه قسمين نهار يعيش فيه كما يعيش العباد بين صلاة وذكر وتسبيح وليل يذهب فيه ويجيء.. بين مسارح اللهو وصنوف المتعة, وتعالوا إلى رمضان في شعر الزهاد وأهل الطرافة والفكاهة , فهذا الشاعر محمد مصطفى حمام وكان معروفاً بهزلياته ومفاكهاته ,فلما خطر له أن يكون رمضان موضوعاً لشعره إذا به يظهر وجهاً جاداً غير مألوف ويجاري أهل البيان وفي هذا المقام هو يستلهم حكمة رمضان وفلسفته وشعائره فنراه يقول: انفثوا السحر يارجال البيان وأطيلوا الحديث عن رمضان العزيز الحبيب اسمح من هل علينا وأكرم الضيفان جامع الشمل مطفئ الغل مذكي قيس الحب موقظ الإيمان ثم نصل إلى شاعر شديد المحافظة والتوقر هو محمد الأسمر الذي يقول عن رمضان شهر الصوم والتوبة: رعى الله شهر الصوم أما نهاره فغاف وأما ليله فهو ساهر وحيا رجالاً حين لاح هلاله مشى بينهم مشي النسيم البشائر خضوعاً لمن فوق السموات عرشه وتعلم منهم ماتكن السرائر هو الله فاعبده العبادة كلها إذا راح يلهو بالعبادة فاجر أما صورة رمضان الزائر الجديد بالحفاوة والذي يحيا بالسلام والسلامة فتجدها لدى المصطفى صادق الرافعي الذي عرف بكتاباته الإسلامية والوجدانية النثرية وهو صاحب كتابي (أوراق الورد ,وحي القلم).. يقول في هذا الشهر: فديتك زائراً في كل عام تحيا بالسلامة والسلام وتقبل كالغمام يفيض حيناً ويبقى بعده إثر الغمام حتى يقول: ولم أر قبل حبك من حبيب كفى العشاق كرعان الغرام فلو تدري العوالم مادرينا لحنت للصلاة وللصيام هذا وكنا نود أن نطوف بكم في مجالس سمر الشعراء والزهاد ولكن نكتفي إلى هنا ونواصل في جلسة سمرة قادمة.