قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن بقوة السلاح.. ومواطنون يتصدون لحملة سطو مماثلة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    مأساة في ذمار .. انهيار منزل على رؤوس ساكنيه بسبب الأمطار ووفاة أم وطفليها    أول جهة تتبنى إسقاط طائرة أمريكية في سماء مارب    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالرحمن العشماوي.. قراءة في فضائه الشعري الرمضاني
رائعته «يا تاج الشهور» من ألمع عيون القصائد
نشر في الجمهورية يوم 25 - 07 - 2013

على كثرة ما كُتب عن رمضان من آثار شعرية، فقد اتفق معظم من تناولوا أثره في النفس والوجدان، وجلوا سمته الروحي والإيماني، على أهميته موسماً للعبادة والتأمل، والخشوع ومحاسبة النفس، كما اتفقوا على كونه ضيفاً كريماً، يحلّ بدنياهم مرة في كل عام، وحقّ الضيف أن يُكرم ويُحيّا في استقباله وإقامته وتوديعه.. ومن الطبيعي أن يهيّج شهر رمضان بنفحاته وقبساته قرائح الشعراء لما يحظى به هذا الشهر من قداسة وعظمة لم يحض بها شهر سواه، ولقد أبدع كثير من الشعراء في تناولهم لهذا الشهر الجميل، والبعض منهم لا يستطيع لعبراته إمساكاً عندما يقرب مجيئه, ويدنو طلوع فجره, ويلوح في الأفق رسمه, وتشرع الأفواه تلهج باسمه.
شهر عظيم وأجمل ما فيه أنه يخطّ لنا رسالة تزيد من اشتياقنا إليه, وتضفي إلى حبه حباً, ومودته وداً, ومكانته مكانةً, يخطّ لنا رسالة حبيب إلى قلوب يحبها, ورسالة تحوي كل معاني الصدق, نطق بها الفؤاد المليء بنغمات الطهر, وتباريح السكينة, وهمسات النجوى, جاءت رسالته قبل مجيئه لأدب اعتدناه منه لكي يبين أن قدومه قدوم للخير, وحضوره حضور للبركة, وإقباله إقبال لليمن والمسرات، معانٍ كثيرة عبقت عندما رأت نور الشعراء يسلطونه نحو هذا الشهر الجميل، و المتأمل بعمق في هذه التجليات الشعرية، يكشف عن مدى تنوّعها واختلافها، فمن بينها من تطفح حالته الشعورية باستقباله، ومنهم من يجيء شعره مفعماً بروح الخير والبشر لمقدمه، ومنهم من يرى فيه شهراً فيه العلاج الناجع لأدواء الأمة عندما تتوجه فيه إلى خالقها ويعطف بعضها على بعض، ومنهم من يرى فيه شهراً يذكّر فيه للنهوض من جديد بأمجاد الأمة التي ضاعت، وريادتها التي اندثرت، ومنهم من يرى فيه نفحة لقلب يبعثها الله في العام مرة ليقف كل واحد منا وقفة حساب وعتاب مع نفسه يراجعها، ويقيّم ما اعوج فيها،ونجد في هذا السياق أيضاً من الشعراء من عرف بهزلياته ومفاكهاته ومعابثاته في شعره، فلما خطر له أن يكون رمضان “موضوعاً” لشعره، إذا به يظهر وجهاً جاداً غير مألوف، ويجاري أهل البيان ورجاله فيما يقولونه، وكلامهم في هذا المقام.
وصنف آخر لم يجد من الشهر إلا أنه عبء على الشهور، وزيادة للمحاذير والممنوعات كقول من قال وقد أصبح يقبّل زوجته وما درى أن رمضان قد دخل.
قبّلتها عند الصباح فجاوبت
أفطرت يا هذا ونحن صيامُ
قلت أنت الهلال وعندنا الصوم
في مرأى الهلال حرامُ
وقريب من ذلك قول شوقي متحدثاً عن نفر من الناس رأوا في الشهر تعباً ومشقة لايستطيعون حتى إذا انقضى الشهر كان لسان حالهم
رمضان ولّى هاتها يا ساقي
مشتاقة تسعى إلى مشتاق
أما صورة “ رمضان” الزائر الجدير بالحفاوة، والذي يُحيّا بالسلام والسلامة، فنجدها لدى شاعرنا الذي نتحدث عنه في هذه الوقفة ألا وهو الدكتور عبدالرحمن العشماوي الشاعر الإسلامي المعروف الذي عرف بكتاباته الإسلامية والوجدانية، ودواينه – وهذا الذي دفعنا للكتابة عنه في هذا الموضوع - يتسع لهذه القصيدة الرمضانية ، التي جاءت في لغة مغايرة للغة الكثير والموصوفة بشدة المحافظة، والملتزمة للنهج البياني الذي كتب به رواد آخرون، فإذا بها لغة شديدة اليسر والبساطة والتدفق، كما في قصيدته تحية إلى رمضان
قالوا: أتى في وجهه اطمئنان
وعلى يدية الفل والريحان
مغرورق العينين لا بدموعها
لكن بحب فاض منه حنان
يمشي فتبتسم الدروب لخطوه
وعليه ينشر ظله الإحسان
ماذا أقول لزائر في وجهه
نور وفوق لسانه القرآن
يأتي إلينا والسعادة فوقه
ظلل وفي أهدابه الريان
ومن خلال هذه الأبيات نجد مدى استيطان الشهر وتغلغله في ذات الشاعر، حاله في ذلك حال كثير من الشعراء ممن سكنتهم أفراح ومسرات الشهر، واستوطنت شعرهم كثير من النفحات والقبسات، إنهم بشعرهم يعيدون لنا كثيراً مما ذهب من بريقه، وتوارى من ظله، وخبا من توهجه، وقد كان في السابق شهر من شدة توجه الناس نحوه حباً وشوقاً لم يتبادر إلى أذهان الشعراء أن الناس بحاجة إلى من يذكرهم بفضائله ورحماته .حتى أتى هذا الزمن الذي تنكر فيه كثير من الناس للهالة العظيمة التي يتمتع بها هذا الشهر، وكان لشاعرنا العشماوي جهده الكبير الذي حاوله بشعره لإعادة الناس إلى الفهم الصافي لمعاني وبركات هذا الشهر.
فيقول في بقية أبيات هذه القصيدة التي نختصر منها:
يأتي هديته إلينا ليلة
للقدر فيها العفو والغفران
ياشهرنا الميمون عين قصائدي
ترنو إليك وقلبها ولهان
يا شهرنا الميمون ألف قصيدة
كتبت وألف مالها عنوان
يا شهرنا الميمون مقلة أمتي
سملت فدمع قصائدي هتان
في الأبيات دعوة من الشاعر يجد أن موعدها مثل هذا الشهر، فهي مناسبة وفرصة ذهبية للدعوة إلى إنهاء الفرقة والخلافات التي عصفت بمجتمعنا الإسلامي والتي أدت إلى تكالب الأمم علينا، ودعوته هذه من أجل إعادة بناء وحدة المجتمع والأمة الإسلامية بأكملها‏, من خلال تعظيم هذا الشهر المبارك الذي أنزل فيه القرآن باعتباره أعظم الشهور حرمة عند الله فحري بأن يرجعوا فيه عن خلافاتهم‏,
وعند الحديث عن العشماوي الشاعر الذي طوى بأجنحته الشعرية سماوات العشق الرمضانية، لابد من التعريج بالذكر على قصيدته «يا تاج الشهور » التي تعد من أروع ما كتب عن الصيام، ففيها تماهى الشاعر مع الشهر في محراب الصيام، حتى بدت قصيدته لكأنها الشمس في ضحاها أو القمر إذا تلاها لما فيها من المعاني الجليلة التي وفق إليها الشاعر أيما توفيق ، تنقل فيها ومن خلالها على كثير من المواضيع التي طرقها بدقة وعناية، فلم تتبعثر لديه القصيدة بل جاءت متماسكة تماسك الجبال، بدءاً من مطلعها ومروراً بوسطها وانتهاءً بختامها وبعنوانها أيضاً والتي عنونها ب «تاج الشهور»
ففي مطلها يقول بحرفية الشاعر المخضرم:
الأرض تسأل والسَّماء تُجيبُ
وبعيدُ آمال الفؤادِ قريبُ
هذي مواسمُنا سحائبُ رحمةٍ
في كلِّ وجدانٍ، لها شُؤبوبُ
هذي مواسمنا تُضيء نفوسَنا
وبها يزول عن الوجوه شُحوبُ
هذا هو الشهر الكريمُ، أما ترى
كيف ازدهى ثَمَرٌ، ودَرَّ حليبُ
رمضانُ يا تاجَ الشهور، قصائدي
شوقٌ إليك، ولَحنُها ترحيبُ
هربت إليكَ من انكسار حروفها
ولربما كشف البلاءَ هروبُ
شذَّبتُها حتى أَتَتكَ مليحةً
إنَّ الغصونَ يَزِيُنُها تشذيبُ
استهلال جميل من الشاعر عندما أراد أن يمسك بالمتلقي من زاوية القيمة الحقيقة لهذا الشهر ألا وهي الموسمية الرائعة بين بقية الشهور، فهو يذكّر بها لمن نسيها، ويطرق بابها لمن تغافل عنها، ويشد الأنظار لمن لا يعرف حقائقها أو تعامى عن خيريتها، وهو مستوى رفيع من مستويات اللغة الشعرية عند من يتمتعون بها من الشعراء، والعشماوي أحدهم ويثبت لنا ذلك من خلال هذه القصيدة الرائعة التي يسير في جميع مستوياتها على هذا النحو.
فيقول في مقطع آخر:
بك أيُّها الشهر الكريم حياتُنا
تصفو برغم جراحنا تطيبُ
أقبلتَ كالغيث الذي هشَّ الثرى
فرحاً به، فالروض منه خَصيبُ
أقبلتَ كالنَّبع الذي يهفو له
شَجَرٌ، وتَلثُم راحتيه سُهوبُ
ما أنت إلا واحةٌ من ديننا
فيها مجالٌ للعطاء رحيبُ
هو ديننا ترقى شعائرُه بنا
وبه يُسَرُّ الخائفُ المكروبُ
يسري الأَذانُ إلى القلوب كما سرى
حُلُمٌ إلى نفس المحبِّ عَجيبُ
وصلاتُنا تسمو بها أرواحنا
وبها إلى رُشدِ الحياةِ نَثُوب
بهذه المعاني استطاع الشاعر أن يوصل للقارئ بكل يسر وسهولة جملة من المفاهيم الرمضانية فهو وإن بطريقة غير مباشرة يؤكد أن شهر رمضان شهر تصفد فيه الشياطين وتغلق فيه أبواب الجحيم وتفتح فيه أبواب الجنات وينادي المنادي من قبل الرحمن الرحيم يا باغي الخير أقبل, و يا باغي الشر أقصر, من أجل المناسبات لاغتنام السلم والسلام والأمن والأمان وترك التدابر والتهاجر والتناحر والتقاطع والتباغض ولمثل هذا فليعمل العاملون وليتنافس المتنافسون، طبعاً ساعده على ذلك مخزونه اللغوي الذي استطاع من خلاله أن يصل إلى القارئ بطريقة رائعة، جعلت من المقام الرمضاني لدى الشاعر مقاماً يستحضر من خلاله ما لذّ له وطاب من روائع المعاني لشهر رمضان
وليس ذلك فقط بل إنه ينحو منحى آخر يريد من خلاله توثيق حقيقة مفادها أن رمضان شهر لايعدله شهر من الشهور، ولأنه كذلك فمن المحزن كما يرى الشاعر أن يدخل علينا وحال أمتنا يُرثى له، في الوقت الذي كان يجب أن تكون أمتنا في الصدارة فيقول:
رمضانُ، يا تاجَ الشهور، عيونُنا
ترنو إليكَ ودمعُهنَّ صَبيبُ
وخنادقُ المأساةِ تُحفَر حولنا
والحافرانِ الظلمُ والتَّخريبُ
أقبلتَ يا رمضانُ والأقصى بلا
أمنٍ، وقُدسُ الفاتحينَ سَليبُ
ومعاولُ التَّهويد لم يهدأ لها
بالٌ، وراويةُ اليهود كَذُوبُ
ما زالَ يروي كلَّ يومٍ قصةً
وجهُ الحقيقةِ عندها مقلوبُ
رمضانُ جئتَ ولليهود حكايةٌ
تاريخُها بدمائنا مكتوبُ
هذي مدافعهم تَلوكُ بيوتَنا
والموتُ في طَلَقاتها مسكوبُ
وتمرُّ فوق الطفل دبَّاباتهم
تمشي على أشلائه وتَجوبُ
ما هبَّ إعصار الضَّلالِ بساحةٍ
إلا وكان لهم إليه هُبوبُ
فالغدرُ مكتوبٌ على أوراقهم
والصِّدق من أوراقهم مشطوبُ
هم والسلام مُناقضٌ نقيضُه
فسلامُ شذَّاذ اليهود حُروبُ
ومثل هذه النفسية التي لا أراها من وجهة نظري المتواضعة إلا أنها نفسية تشاؤمية بقدر ما هي تشخيصية لا بد منها لمعرفة مكامن الخلل، ومواطن الزلل التي نكبت بها أمتنا وكاد لها أعداؤها وجهل عنها أبناؤها، ولمعرفتنا المسبقة عن الروح التفاؤلية لدى العشماوي، لذلك نجده يعلل لهذا النفس الذي قد يظن خطأً عن الشاعر أنه نفس تشاؤمي وهو ليس كذلك، بدليل أن الشاعر لم يغفل أن يمر بالتعريج على كثير من الحالات التي جاء على ذكرها لا لشيء إنما لأنها تستحق ذكرها في مثل هذا الموضع فيقول:
أقبلتَ يا تاجَ الشهور وأمتي
في وجهها مما رأته نُدوب
سُرقَت عباءتُها ومُزِّق ثوبُها
وجدارُ منزلها الحزينِ ثُقوبُ
نامت وما نامت على وَهَج الأسى
والنوم في وَهَج الأسى تعذيبُ
كم أسرةٍ في القدس لوَّعها لأسى
والجمرُ بين ضلوعها مشبوبُ
كم طفلةٍ لعبَ الرصاصُ بوجهها
فجبينها بدمائها مَخضوبُ
كم في رُبَى الشيشان من طفلٍ بلا
أُمّ، وأُمٍّ رأسُها معصوبُ
كم منزلٍ يبكي على نقاضه
للرَّيح فوق ركامه تَطنيبُ
يبكي وآلاف القذائف حولَه
وقد احتوى نَبعَ الحياةِ نُضوبُ
كم مسجدٍ أضحى ركاماً وانتهى
صوتُ المؤذِّنِ فيه والتَّثويبُ
والعالم الغربيُّ مقلوبُ الرُّؤَى
يَسري لنا بوعوده عُرقُوبُ
أبواقُه كذبت فما نصرت لنا
حقاً، وهل يرعى الحقوقَ كذوبُ
أوَّاه يا رمضانُ من قومٍ، لهم
خُلُقٌ، يليق بمثله التأديبُ
شربوا كؤوس الوهم حتى ملَّهم
كأسٌ، وضاقَ بكأسه المشروبُ
والشاعر بهذه الأبيات - وبألم يصرخ - كأني به يدعو الأمة ويشدها نحو مفهوم الخيرية لهذا الشهر التي يجب أن يستغل نظراً لأن رمضان فرصة للأمة الإسلامية لإنهاء هذا الخلل الموجود حالياً, فلا يشك الشاعر طرفة عين أن جميع من في الساحة السياسية يودون في هذا الشهر الكريم بجانب التقرب إلى الله في هذه الأيام التي تصفو فيها النفوس وتتغلغل غذاء الروح في أعماق كل صائم أن يحققوا شيئاً نافعاً لأوطانهم وأمتهم, وأقصر الطرق تحقيقاً لمصلحة المجتمع والوطن والأمة هو إزالة حالة الفرقة والانقسام التي أسفرت عن حالة من التصارع والاحتقان هي بالقطع غريبة عن طبيعة الشعوب الإسلامية الطيبة ولا يرضى عن هذه الفرقة أحد خاصة وأن الجميع يحكمهم هدف واحد هو مصلحة الأمة و تلك المصلحة التي يسفرعنها مصلحة الأمة الإسلامية بأسرها باعتبار أن الشعوب العربية ينظر لها الآخرون على أنها هي قطب الرحى وعماد العالم وقلبه النابض. والشاعر يريد من هذه المعادلة أن يشد الأنظار لتذكر الأمجاد الإسلامية التي تكسرت على صخورها غزوات المحتلين من الشرق والغرب إنما تحققت بفضل اتحاد الأمة بكل فرقائها وبصلابة نسيجها الوطني إيماناً بقوله تعالى: «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» وأن هذه الوحدة كانت هي العامل الرئيسي في انتصار الأمة على كل أعدائها بدءاً بانتصارها على التتار في موقعة وا إسلاماه, ومروراً بانتصارها على الصليبيين وانتهاءً بالعدوان الثلاثي وغير ذلك, على أساس أن الجميع كان يعلم أن العدو عدو الدين والوطن إنما يبني خططه في إضعاف هذه الأوطان جميعاً وليس وطناً لوحده من خلال تعميق الانقسامات والطائفية في المجتمعات وهو ما يجب أن يدركه كل مسلم ،
ثم بحسرة تفطر لها قلب الشاعر يقف منادياصس في الشهر الكريم ومستلطفاً له يبثه شجونه، ويبعث له آهاته من الواقع الذي وصل إليه حال أمتنا.
أوَّاه يا رمضانُ يا شَهرَ الهُدَى
كم نشتكي مما جنى التَّغريبُ
كم نشتكي ممَّن يبيع قينَه
وبه تشذُّ عن النَّجاةِ دُروب
أبناءُ جلدتنا وأهلُ ساننا
كتبوا حروفاً ما لها تَصويبُ
حملوا وبئس الحملُ فكر عدوِّهم
فأتى كطفلٍ ضَمَّه أُنبوبُ
باعوا عيونهم البصيرةَ، مثلما
باع البصيرةَ بالعَمَى الحُلبوبُ
إني أقول لمن يحدِّثُ نفسَه
وحديثُ بعض الواهمينَ مُريبُ:
يا سائلَ المجد التَّليد عن الذي
يجري، وكيف أصابكَ التَّذويبُ
سل نفسكَ العَطشَى إلى أَوهامها
ما بالُها حول الضَّلالِ تَلُوبُ
أنا لا ألوم المعتدينَ، إنما
لومي عليكَ لأنَّك المطلوبُ
ألقيتَ كنزكَ خَلفَ ظهركَ فالتقى
لِصٌّ عليه ونجمةٌ وصليبُ
أتلوم مَن يحظى بكنزكَ، بعدما
فرَّطتَ فيه وتشتكي وتَعيب
كلٌّ يريد لنفسه ما تشتهي
والخاسرُ المتذبذبُ المغلوبُ
يتحسّر الشاعر في المقطع السابق عن الحالة التي يعيشها نفر من المسلمين في الوقت الذي هم مطالبون فيه لنبذه وترك ثقافته والعودة إلى النبع الصافي الداعي إلى تعظيم شعائر الله من خلال التعايش الوجداني فيما يُعرف بالتوجه القلبي الذي يرتقي به الإنسان في سلوكياته وتصرفاته لنفسه أومع غيره وعلى أن الصيام لوحده دون غيره من يحقق منافع للمجتمع وهل نسينا أن الصيام يبدأ من توقيت موحد هو أذان الفجر وينتهي عند أذان المغرب وهذا يشعر بأن الصيام عبادة جماعية يضاف إلى ذلك أن المجتمع تتجدد فيه الحياة كلها فالعقول بالعلم والمعرفة, والقلوب بالتنقية والتصفية والمجتمع بين أفراده بالتآلف والتعاطف والتكاتف من مواساة وإغاثة وإعانة وهناك المنافع الأخلاقية من هجران إيذاء الآخرين.
ويختم الشاعر قصيدته بمقطع رائع جداً فيه نداء تحبّبي لرمضان، كأن الشاعر ينادي فيه محبوباً توارى خلف وجهه حياء منه ومما يرتكب تحت ظله فيقول:
رمضانُ يا تاجَ الشهور، يَدي علي
قلمي، وحولي من نَداهُ هَضِيبُ
أنظر إلى الطفل الذي رسم المدى
حَجَراً، بجَذوَتِه الصقيعُ يَذوبُ
صَبراً أخا الإسلام سوف ترى غداً
رَفعَ البلاءِ، كما رأى أيُّوبُ
ولسوف تمحو الحزنَ عنكَ، كما مَحَا
بلقاء يوسُفَ حزنَه يَعقوبُ
لا تَبتئس فالشمس تُشرق بعدما
يُلقي الزِّمامَ إلى الظَّلام غُروبُ.
وبعد فإن ما سبق هو قراءة نقدية في الفضاء الشعري الرمضاني للدكتور عبدالرحمن العشماوي لا أجد بداً من القول: إن الشاعر بما يمتلكه من مخزون شعري استطاع أن يضع النقاط على الحروف من خلا قصائد رأيناها متماسكة البناء، وغير مبعثرة، تجعل القارئ أمام مسؤوليته كفرد في هذه الأمة العظيمة الجبارة التي متى ما اعتزّت بدينها ذل لها الآخرون، ومتى ما ذلت استأسد عليها الآخرون فهل نعي ذلك؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.