نت/"بقلم : سالم علي بامثقال جاء الحبيب .. والنفس تواقة للقائه ، أقبل بحُلله وأريج عطره فرأيته قمراً منيراً ، ومن حوله إحدى عشر كوكباً ، فكلما أفل كوكب .. إقترب ودتدنا ، حتى كان أخر كوكب طرق الأبواب .. فتفتح ، فيقع على القلوب فيغمرها فرحاً وسروراً ، ثم تقع عليها الأعين فتراه رياضاً غناء التي تزهو بنفحات روحانيتها ونسمات عليله بين باحاتها وزهورها وأنهارها . فيملأ الكون نوراً وينشره على القلوب ويكسوها حباً وصفاء وتودد وتراحم .. فيرسم على الشفاه إبتسامة وعلى المحيا بهجة ونظارة . ويعجبني قول الشاعر / أحمد مخيمر حين قال : يتلقاك عند لقياك أهل البر والمؤمنون والأصفياء فلهم في النهار نجوى وتسبيح وفي الليل أدمع ونداء ليلة القدر عندهم فرحة العمر تدانت على سناها السماء في انتظار لنورها كل ليل يتمنى الهدى ويدعو الرجاء وتعيش الأرواح في فلق الأشوا ق حتى يباح فيها اللقاء فإذا الكون فرحة تغمر الخل ق إليه تبتل الأتقياء وإذا الأرض في سلام وأمن وإذا الفجر نشوة وصفاء وكأني أرى الملائكة الأبرار فيها وحولها الأنبياء نزلوا فوقها من الملأ الأعلى فأين الشقاء والأشقياء ؟ إنه حبيب القلوب التي تعلقت به ، ليجمع ين البشرية روابط تتجدد بينهم كلما طرق الأبواب . إنه حبيب القلوب الذي يغذي الأرواح بنفحات صافية كزلال الماء العذب الراوي … ويحول الأرض اليابسة إلى بساتين خضراء . إنه رمضان .. شهر الغفران .. شهر يجعل الدمع يسيل حين يقبل فرحاً وسروراً ، فيغسل القلوب من أدرانها ويكسوها رداء الحب والتسامح بين البشرية وبه يستأنس بوجوده كل الفقراء والأغنياء .. فيه تتنزل الرحمات وتسكب العبرات وتتجلا النفوس والأبدان إلى باريها . وشهر يجعل الدموع تنهمر حينما تقرب عقارب الرحيل .. ألماً لفراقه . فما أجملك يا رمضان .. وماأجمل أيامك ولحظاتك ، حين تتلذذ القلوب بالصيام ، وتروى القلوب بتلاوة القرآن . فنجد الأدباء والشعراء قديماً وحديثاً يحسنوا أستقباله من خلال مظاهر آثار الصوم على سلوكهم بإعتباره شهر الهداية والنصرة والكرم والجود وحسن الخلق . فقد قال أمير الشعراء (أحمد شوقي ) في كتابه القيم (أسواق الذهب ) : الصوم حرمان مشروع .. وتأديب بالجوع .. ، وخشوع لله وخضوع ، فلكل فريضة حكمة وهذه الحكمة للصيام ظاهرها العذاب وباطنها الرحمة ، يستثير الشفقة ، ويحض على الصدقة ويكسر الكبر ويعلم الصبر ، وحرم على المترف أسباب المنع ، عرف الحرمان وألمه إذا لذع . وكثيراً ما يغفل بعض المسلمون عن الحقيقة التي تتجلى في شهر رمضان . مما يظهر في أهتمام أكثر من جلهم بأصناف الأطعمة والمشروبات ، فيقضون فترة المساء في تناول مختلف الأطعمة ويملأون المعدة بالوان عدة منها وقد ياكلون في شهر الصيام ،أضعاف ما ياكلون في غيرة . ويرسم عميد الادب العربي ( طه حسين ) صورة أدبية لوقت الإفطار فيقول : ( فإذا دنا الغروب وخفقت القلوب .. وأصغت الأذان لسماع الآذان ، وطاشت نكهة الطعام بالعقول والاحلام ..فترى أشداق تنقلب واحداقاً تتقلب .. بين أطباق مصفوفة وأكواب مرصوفة ، تملك على الرجل قلبه ، وتسحر لبه ، لآن يشق السمع ذوي المدفع ، فتنظر إلى الطمأء وقد ورد الماء ، تجد أفواه تلتقم ، وحلوقاً تلتهم ، وألوان تبيد وبطون تستزيد ، ولا تزال الصحائف ترفع وتوضع ، وأيادي تذهب وترجع ) . ففي شهر الصيام تقوم الجوارح كلها عن معصية الله سبحانه وتعالى ، فتصوم العين بغضها ، ويصوم اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة وتصوم الأذان عن ما نهى الله عنه . كم يعجبني ( أحمد شوقي ) حينما تجده يؤكد نفس المعنى فيقول: يا مديم الصوم في الشهر الكريم *** صم عن الغيبة يوماً والنميم وقيل أيضاً: وصل صلاة من يرجو ويخشا *** قبل الصوم صوم عن كل فحشا فكان لشهر رمضا نصيباً واسعاً وحيزاً كبيراً للأدب والشعر منذ صدر الإسلام وحتى يومنا هذا ما بين مرحب بقدومه ومودعاً له ، ورصد الاحداث ومظاهر الأحتفاء به . روى الأديب المصري(علي بن ظافر) إنه أقترح بعض الحاضرين في مجلس الأديب (أبي الحجاج يوسف بن علي) أن ينشدهم شيئاً من الفانوس – بقصد تعجيزة – فقال : ونجم من الفانوس يشرق ضوءه ، ولم أرى نجم قط قبل طلوعه ولكنه دون الكواكب لا يسري إذا غاب انتهى الصائمين عن الفطر . ويصور حسن أسماعيل مشهد الصائمين المترقبين صونت المؤذن منتظرين في غشوع ورهبة نداءه فيقول : جعلت الناس في وقت المغيب .. عبيد ندائك العاني الرهيب ، كم أرتقبوا الأذان كان جرح يعذبهم ، تلفت للطيب وأدعنت الرقاب بهم فلاحوا بركبان على بلد غريب . وأجمل ما قاله محمام : حدِّثونا عن راحة القيد فيه حدثونا عن نعمة الحرمان هو للناس قاهر دون قهر وهو سلطانهم بلا سلطان قال جوعوا نهاركم فأطاعوا خشعا ، يلهجون بالشكران إن أيامك الثلاثين تمضي كلذيذ الأحلام للوسنان كلما سرني قدومك أشجا ني نذير الفراق والهجران وستأتي بعد النوى ثم تأتي يا ترى هل لنا لقاء ثان وما قيل أيضاً : وإن هل بالنور شهر الصيام يجود به الله في كل عام وصمنا له طاعة في النهار وقمنا له خشّعا في الظلام ويقول الشاعر : محمد الأخضر :
املأ الدنيا شعاعا أيها النور الحبيب قد طغا الناس عليها وهو كالليل رهيب فترامت في الدياجي ومضت لا تستجيب ذكّر الناس عهودا هي من خير العهود يوم كان الصوم معنى للتسامي والصعود ينشر الرحمة في الأرض على هذا الوجود ما أروع هذا الشهر الكريم الذي يغمرنا بما لا يتصف من أفضاله الجمة ، فهو مدرسة لتربية النفوس وتزكيتها ومدى الطاعة والإدعان . فاللهم بلغنا رمضان لأعوام عديدة ، و\ازمنة مديدة من صيامه وقيامه وتلاوة كتابك الكريم وكل الأعمال المقربة إلى الله واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين