في جو متوهج بالفرح الرمضاني تتألق شبوة بعاداتها وتقاليدها،وسمراتها ومواويلها ونداءات مسحراتها، وتنوع مأكولاتها الشهية في القرى المتناثرة على الصحارى والجبال والسواحل.. صحيفة “الجمهورية” تماهت في جدائل هذه السعادة الرمضانية المباركة. أغلب سكان محافظة شبوة - إن لم يكن أجمعهم- يقلعون عن تعاطي القات، معطين لشهر رمضان قدسيته في العبادة والتقرب الأكبر إلى المولى عز وجل، كما أنهم ينشدون خلال سمراتهم التي تمتد طوال الليل الأناشيد الدينية والمواويل القديمة وبالذات أولئك المتصوفة الذين يسردون بعذوبة قصائد “ البرعي والبوصيري” وغيرها من القصائد الصوفية،يقول محمد أبوبكر: إن شهر رمضان يعد خير شهور السنة الهجرية وله خصوصية لدى سكان شبوة، حيث يقلع الناس فيه عن القات،ويخلدون إلى الذكر والاستغفار. حبان بالذات تعد من أكثر المدن إحياءً لهذا الشهر بمشائخها و شبابها وأطفالها، مما يضفي على القلوب أجواء حميمية مملوءة بالسكينة والسرور،وأينما تمر في شارع أو زقاق يتردد ذلك الصدى العذب الذي يُسعد الجوارح، ولايخلو أي مجلس من سحائب البخور، وسرد السيرة النبوية ورياض الصالحين والقصائد الدينية التي تصدح بها الألسنة إلى أن ينادي المسحراتي: يا صايم .. وحد الدائم ، إيذاناً بموعد السحور. سمرات وسوالف في صحارى شبوة العميقة المتشحة بالنورانية الرمضانية البهيجة تتناثر القرى المتقدة بالفوانيس في عوالم هادئة على ضوء المصابيح البدائية والقماقم. ترتفع ضحكات الأطفال وهم يمارسون الرياضة والألعاب القديمة على الرمل وبطونهم تنتظر العشاء الذي دائماً ما يتناولونه بعد التاسعة والنصف،ويحتوي المعصوبة والعسل وزيت الجلجل والأرز واللحم والمرق.. يقول أحمد عوض أحد البدو الذين يستهويهم العيش في الصحارى نتبادل السوالف والنكات والقصائد الشعبية متناسين الهموم والمشاكل، كما أننا نمارس الألعاب بمرح، ونصطاد ونوقد النار، وتمر ساعات الليل وكلنا أمل في أن يتأخر مجيء الصباح،وعندما يكتمل البدر في هذا الشهر الفضيل تكتمل في أعماقنا الفرحة الجامحة، ويسرد لنا كبار السن قصص رمضان أيام زمان،كما أن الكثير منا له موهبة في صياغة الألغاز على هيئة الشعر الشعبي، فيتبارى الجميع في حلها، وهذه عادة قديمة مستمرة لا نستطيع الاستغناء عنها؛ كونها تطيب الأوقات، وتلهب حمى التنافس في ارتجال الألغاز الشعرية وارتجال الحل نظماً ،وكما قلت لك سابقاً فإن لرمضان في الصحارى طعماً آخر لذيذا لا يحسه سوى البدو وكل من لهم حاسية ذوق رفيع، ولا يخفى عليك أن القهوة اليمنية الأصلية تعد كالنغم الفريد لكل السمرات والسوالف. أجر مضاعف تتهادى أشعة الشمس عند الغروب في البحر العربي وعلى شواطئ شبوة، فيما رائحة شواء السمك تسيل لعاب الصائمين القاطنين في السواحل،وهناك درجة الحرارة أكبر من مدينة عتق والمدن الأخرى الصحراوية والجبلية، ولابد أن يكون أجر الصائم مضاعفاًُ،فالعطش أقوى من أن يُحتمل،والنهار شديد القيظ، يقول الحاج سعد بخيت: إن مائدة مديريات رضوم وميفعة ومدينة بئر علي بالذات هي خيرات البحر، وإن الجميع قد تعودوا هذا الحر فأضحى جزءاً من حياتهم، ويواصل الحاج سعد حديثه وملامحه تشع بالسمرة البحرية مؤكداً أن للسمر طعما آخر على الشاطئ برفقة النجوم وسحر أضوائها المنعكسة على صفحة الماء والأمواج الراقصة، وهناك الكثير من الرجال الشرهين بمختلف أعمارهم يأتون بالطبل البدائي ويمارسون رقصاتهم على الشاطئ بلا كلل ولا تعب، ومابين فينة وأخرى يأتون بكلمات شعرية ويلحنونها،وينضم إليهم جمهور الصيادين ليشاركوهم أفراحهم، فإذا ما استبد بهم الجوع يوقدون النار ويطبخون السمك ليحلو السمر الذي يقام في مكان جميل يتم تحديده،وللعلم فإنه كان للمسحراتي شأن في ماضي السنين لولا تدخل المنبهات الحديثة التي قضت على ترانيمه. تآخ ومحبة في محافظة مترامية الأطراف تتعدد العادات والتقاليد التي لم تلتهمها يد التمدن،فيتبرع الكثير من ميسوري الحال بتوفير الإفطار والعشاء لكل الصائمين الفقراء، وتتسع السفر لتشمل عاصمة المحافظة والمديريات وفي هذه الأخيرة أكثر ماتجمع موائد الطعام الأقارب والأصدقاء في اعتقاد إيماني أن العيش والملح يوطد المحبة بين القلوب خصوصاً في هذا الشهر الفضيل،يقول عبدالله صالح عوض: إن الزيارات تتكثف بين الأهل والأقارب خلال المساءات الرمضانية الجميلة، وتزول الضغائن من القلوب،كما أن صفحة جديدة بيضاء تُفتح وتملأ بالود والإخاء والمحبة لشهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وتكبر صورة شبوة في ذاكرتي كمحافظة مترامية الأطراف تتباين فيها التعابير لهذا الشهر الفضيل،ويبقى التقرب من الرب هو الهم الأول والأخير.