سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ما التفسير لظاهرة هزال الروح؟ وماذا عن تجديد البعد الروحي في رمضان، وهل يمكن للمعدة أن تصوم والقلب مفطر؟ طريقة تفكير الخطاب الديني هي السبب الأبرز وراء الهزال الروحي
في رمضان، وهل يمكن للمعدة أن تصوم والقلب مفطر؟هزال الروح.. تجديد البعد الروحي.. صيام المعدة، والقلب مفطر.. هذه نقاط متكاملة من جهة ومفترقة من جهة أخرى، بصيغة أخرى قد تختلف الأسباب ويتحد العلاج.. فنقول: تفسيرنا لظاهرة هزال الروح يعود في نظرنا للازدواجية التربوية للمجتمع، هذه الازدواجية ترتكز في رؤيتها التربوية على جزئية قاتلة في خطابنا التربوي الديني وليس على رؤية كلية، وأعني هنا: أن الخارطة العقلية للخطاب الديني تعاني ثقوباً بل فجوات في الرؤية الثقافية التربوية، ذلك أن المسلم يسمع الكثير عن أشياء محرمة - الربا نموذجاً - في البنوك التقليدية الرسمية والتجارية فالمواطن المسلم يسمع الحملات الشعواء ضد الرباء المصحوبة بحماس شديد ومفردات فقهية وأحاديث قد لاتكون صحيحة مثل درهم من ربا أشد من “36” زنية فيخرج من المسجد بقلب مملوء حباً للإسلام وبعد ساعة هو متجه للتعامل مع البنك وهنا يبدأ الصراع الذاتي والذي سيصل في النهاية إلى تغليب الدنيا أي التعامل مع البنك ولكن هذا التغليب لم يكن قائماً عن ثقافة ووعي فقهي للواقع المعيشي، وإنما يأتي تغليب التعامل مع البنك الربوي مصحوباً بحالة من التذمر الديني الوجداني التسليمي بأن هذا التعامل هو عين الربا ولكن لا مفر منه.. وهنا تظهر الازدواجية القاتلة، حب للدين ومخالفته في آن فتأتي فكرة أخرى وهي: لم لا نطبق العلمانية في الدنيا والدين في المسجد غير أن هذه الفكرة لا تلبث أن تسقط أمام مخزون في اللاوعي يجرم العلمانية وبالتالي يتولد الإحباط لدى المتسائل كونه قد فكر بعمل إجرامي.. ومثال آخر هو التلفاز بما فيه من اسفاف حيث تسمع الأسرة عن خطورته لكنها تجد نفسها بعد سويعات قابعة مستسلمة أمام “مهند ونور” نظراً لنقص الوجدان الذي تعانيه الأم والبنات والأبناء والمتعدد الأسباب. ومثال آخر “حلق اللحى” فهناك نشرات ملونة وكتاتيب مزركشة وأشرطة كاسيت عالية الجودة في الإخراج لايخلو غالبها من الحديث عن تحريم حلق اللحى والتصوير ولكن الأسرة في الخطوبة والعقد والعرس تضطر لممارسة التصوير.. والحلاق يتلقى عشرات المطويات الآمرة بتقوى الله ولا يحلق لحى المسلمين؟ وقل مثل هذا عن الاختلاط فالخطاب في غالبه يكاد يقتل هذه النقطة وعظاً ومع ذلك فالمدارس والجامعات والمؤسسات في غالبها فيها اختلاط، ونموذج استطراق المقابر في الريف وتملكها في المدينة رغم سماع الوعظ حول هذه النقطة، تعال إلى الدخان والحملة الدينية ضده بغض النظر عن أضراره دعنا نتكلم عن طريقة التربية الفقهية والثقافة التربوية سنجد أنه قد استأثر بنصيب الأسد في أشرطة الكاسيت الوافدة من دول الجوار.. أضف إلى هذا الفساد الإداري والذي لايحصل الكثير على بعض حقوقهم إلا عن طريق الرشوة. وهكذا قل عن الأغاني.. هذه الأمور كلها يتم تناولها في الخطاب من زاوية جزئية وهذا التناول كما قلنا يثمر ازدواجية التحريم والتشنيع القوي ثم الممارسة.. ذلك أن الكثير لايستطيع التخلص نعم قد يحصل خلاص فردي نادر لكن خلاص جماعي فلا.. بالتالي نجد المجتمع بلسان الحال والمقال بين الفينة والأخرى يردد: نحن عصاة هكذا بوعي وبدون وعي.. وهذا الترديد في النهاية يؤدي إلى أمر أشد خطورة وهو الاستهانة بالذنب طالما ونحن عصاة فما الداعي للتردد عن فعل شيء مما سبق أو غيره وهذه الاستهانة تؤدي إلى أسوأ منها وهو سهولة الوقوع في الذنب.. وهذا ما نعنيه “بهزال الروح” أي من هنا يأتي هزال الروح فترى الوقوع في كبائر الذنوب بكل بساطة.. على أننا هنا لسنا ضد الوعظ ولانقول بإباحة ماسبق ذكره وإنما نريد خطاباً يعطي كل نقطة بدون تهويل وتهوين مع مراعاة قاعدة البلوى العامة وأن “البلوى إذا عمت خفت” كما تقول القاعدة الفقهية وبالتالي نعمل على تقديم فقه مقاصدي يراعي الأولويات أولاً، وكذا لانجزم بتحريم أو تهويل شيء محل خلاف فقهي، ولانحرم إلا عن دليل صحيح صريح خال من المعارضة. حتى لا يحبط المجتمع جراء إطلاق الأحكام جزافاً، فالتأمين لا زال حراماً لدى غالبية الوعاظ والأقل جازوه بشرط أن يكون إسلامياً ولا ندري إلى الآن وجه الفرق “جوهري” أم شكلي فالفروق كثيرة بين التأمين الإسلامي وغيره.. فقد رأينا بعض الموظفين حصلت أسرهم بعد وفاتهم على التأمين ومع ذلك ترى علامات الحسرة على وجوه أبناء أسرة المتوفى كونهم أكلة ربا حسب الوعظ الذي أصخ الأسماع، فالأسرة بحاجة ماسة لما يسد فاقتهم لكنه حرام وهكذا يعيش مجتمعنا فصاماً يسهم الوعظ بنسبة 80 % وأعني بالوعظ هنا الوعظ التقليدي التسليمي الذي لا يمت إلى البحث العلمي بأي صلة فقط حرام. وعليه: نأتي إلى السؤال الثاني: هل الصيام يمكنه تقديم معالجة لهذا البعد الروحي؟ والجواب إذا استقرأنا الواقع سنجد أنه في الآونة الأخيرة بدأت ظاهرة قوية وهي القتل بين الأخوة والأقارب والجيران في رمضان بسبب نزاع أطفال أو خلاف على قطعة أرض تافهة وتثمر أكثر من قتيل وجريح.. الأمر الذي يجعلنا نتساءل: هل الصيام قادر ؟ والجواب لا.. فهاهم يتقاتلون وهم صائمون؟ إذن فالأمر له أبعاد أخرى.. نعم قد يكون للصيام أثر ولكنه نسبي ووفق شروط أهمها رسوخ ملكة التقوى التي تعني تفاهة الشيء المختلف عليه وإن كان لا بد فبالطريقة الشرعية أو الصلح القبلي بعد أن يتم تأجيل الخلاف إلى ما يعد الصيام أو حسمه في أيام الصيام ولكن بطريقة سلمية نعم نحن بحاجة إلى إعادة دراسة ظاهرة الهزال الروحي من المنطلق الآنف، إعادة بناء خطاب ديني مقاصدي واقعي منهجي “أولوي” ينطلق من منطق منضبط بضابط مقاصد الشرع وكلياته ومبادئه، وليس من إطلاق التحريم مجازفة. قد يكون من شروط نجاح الصيام في تجديد البعد الروحي هو صيام القلب وليس صيام المعدة وهو ما ذكرناه آنفاً “رسوخ ملكة التقوى” ولا نريد أن نعطي تعريفاً لصيام القلب أكثر من ذلك، لأنه في نظري إضاعة للواضح فالقرآن نص صراحة بأن علة الصيام هي “التقوى” لعلكم تتقون.. يبقى الشق الآخر من هذا السؤال وهو هل تصوم المعدة والقلب مفطر؟ نقول: نعم فالصيام ثلاث مراتب: الأول صيام العامة وهو صيام لا فرق بين فاعله وصيام الدواب المحبوسة عن العلف طوال اليوم فإن أطلقتها ذهبت إلى المعلف.. فهل أدركت معنى الحبس عن العلف؟ المرتبة الثانية: هي صيام شريحة الخاصة وهو الامتناع عن الطعام والشراب والزواج مع أداء بعض النوافل وصلاة الجماعة والتصدق والذكر لكن لا يخلو من الانشغال بقضايا الدينا ساعات طويلة وهذه المرتبة هي حال الكثير وهي مرتبة ذات فضل، المرتبة الثالثة: وهي صيام القلب تجديد البعد الروحي وليس معنى هذا العزلة المطلقة وإنما يعني استحضار عظمة الله في كل لحظة وحين، وقد يكون صاحبه في السوق أو في المزرعة أو المتجر أو الوزارة.. الخ إن التاجر الصائم القلب هو من يقدم كل ما بوسعه لإدخال السرور على الفقراء حتى يستعينوا على صيامهم وعبادتهم لله.. والقاضي والإداري مطالبان بقضاء حوائج الناس أفضل من صلاة الجماعة في رمضان وغيره، وكذا رجل الأمن والمرور والخياط والخباز عليهم عدم الغش وخلف الوعود فهذا هو صيام قلوبهم وهكذا في شتى ميادين الاجتماع والسياسة والثقافة.. الخ، هذا هو عندي وفي نظري “صيام القلب” وإذا تساءل كبار التجار مع أنفسهم هل زكاتنا حررت الفقراء وذوي الحاجات والغارمين، هل صامت قلوبهم عن مجاملات ذوي النفوذ وأوصلوا الزكاة إلى مستحقيها وفق دراسة علمية قائمة على أولويات أهمها التنمية المستدامة؟ لعل تجديد البعد الروحي يمكننا أن نختصره في مصطلح “واجب الوقف” وهذا يشمل كل إنسان بحسب مكانته وموقعه اللهم وفقنا وتقبل منا.... آمين.