ليس بغريب على داء القولون العصبي وصف البعض لآلامه بأنها لا تطاق وأن الحال قد يسوء ويزداد في الشهر الكريم لدى تعرضهم لضغوط عصبية أو تردي أوضاعهم النفسية أو إذا انصاعوا لرغبات النفس واشتياهها للأغذية غير الملائمة بإفراط دون أدنى انضباط..ولكن يبقى الغموض يكتنف هذه المشكلة المرضية، وتحديداً أسبابها ودواعيها, بهذا القدر من التوضيح ننتقل إلى التفاصيل من خلال اللقاء الذي جمعنا بالدكتور أحمد يحيى الصعفاني استشاري أمراض الباطنية والجهاز الهضمي(رئيس القسم الخاص بالمستشفى العسكري بصنعاء) لكشف حقيقة مرض القولون العصبي الذي تبدو ملامحه جلية في رمضان،موضحين أوضاع مرضاه مع الصيام والتدخلات المناسبة الكفيلة بالتخفيف من معاناتهم.فإلى ما جاء وورد في هذا اللقاء...الأسباب والعوامل - القولون العصبي وأسبابه ودواعيه لا يجد له الكثيرون ممن يعانون هذه المشكلة إجابة كافية..فما الذي يمكن للقارىء معرفته عن هذا المرض؟ وما العوامل المؤدية إلى هذه المشكلة؟ تحت وطأة الضغوط العصبية والتوترات النفسية التي تُعد سمة من سمات حياتنا المعاصرة برزت على الساحة أمراض لم تكن معروفة قبلاً،سمُيت أمراض العصر حتى غدا الكثير منها يشكل خطراً يهدد الإنسان ويعتبر القولون العصبي إحدى هذه الأمراض، ولنفهم حقيقية لابد لنا من عرض بسيط لآلية الهضم... ففي كل مرة للجهاز الهضمي يستقبل فيها الطعام فإنه يقوم بهضمه وتجزئته إلى موادٍ أولية، وعملية الهضم هذه تتبعها عملية امتصاص، تمر خلالها هذه المواد عبر جدار الأمعاء إلى الدم لتنتقل إلى أجزاء الجسم المختلفة،من أجل الاستفادة منها. ولأن مرحلة الهضم النهائي وعملية الامتصاص تتمان بصورة أساسية في الأمعاء الدقيقة، فإن ما تبقى في صورة أغذية غير مهضومة جيداً تدخل إلى القولون(الأمعاء الغليظة)،وفيه يتم امتصاص السوائل عن طريق حركات القولون التقلصية وطرح الفضلات إلى الخارج عبر فتحة الشرج. وبهذا القدر أستطيع وصف القولون العصبي بأنه حالة مرضية ناتجة عن اضطرابات وظيفية وزيادة نشاط في الشبكة العصبية التلقائية المغذية للأمعاء الغليظة،مما يؤدي إلى اختلالٍ في وظيفتها وعدم الاتزان في حركاتها التقلصية دون وجود أي خللٍ عضوي يؤثر فيها وهو يصيب- بحسب آخر الإحصائيات- نحو (20 %) من الناس. وبالتالي يكتنف مرض القولون العصبي غموض،حيث لم يكتشف له سبب محدد حتى الآن بيد أن عوامل متعددة تساعد على ظهوره، منها: - عوامل نفسية يمكن اعتبارها من بين أهم العوامل على الإطلاق فالقلق النفسي والإجهاد العصبي يلعبان دوراً أساسياً في نشوء المرض وزيادة حدوث أعراضه. وتؤكد الدراسات الإحصائية أن (50 %) ممن لديهم القولون العصبي يعانون من مشاكل نفسية. - مشاكل صحية أخرى ، كالأمراض المزمنة بصورة عامة، مثل داء السكر والقصور القلبي، وسوء الهضم والتقرحات المعدية والمعوية والتسممات الغذائية والنزلات المعوية المتكررة. - العادات السيئة في الأكل والشرب ، والسلوكيات الخاطئة غير الصحية،مثل عدم الانتظام في مواعيد الأكل والاستعجال فيه،كحال كثير من الصائمين في وقت الإفطار والعشاء الرمضاني وما يبدونه من عدم تصبر أو تحكم، متجاهلين خطورة ما يقدمون عليه من إفراط وتهافت ونهم شديد وكأنهم على عجلة من أمرهم، ثم يقضون الليل في تناول ما ليس متجانساً من مأكولات ومشروبات وحلويات بين الفينة والأخرى. - تناول الأطعمة الغنية بالبهارات والتوابل الحارة والبسباس والأطعمة السريعة والمعلبات بكثرة. - استخدام الأدوية بعشوائية من جهة، والآثار الجانبية لنوعيات معينة منها من جهة ثانية، تعد من العوامل المهمة المساعدة على حدوث القولون العصبي بطريقةٍ مباشرة. المعرضون للمرض - ما الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالمرض؟وهل ثمة أسباب تقف وراء ذلك؟ ليس مجتمعنا بمنأى عن هذا المرض، ففيه فئات أكثر عرضة له، وهي على سبيل المثال لا الحصر: - متعاطي القات: فالقات يشكل محوراً رئيساً لزيادة معدل الإصابة بالمرض في المجتمع اليمني، ويؤدي إلى مشاكل متعددة بجهاز الهضم بسبب خصائصه وطبيعته المؤثرة سلباً ، وعادات الأكل السيئة التي يفرضها علاوة على تسببه بمشاكل عائلية ومالية كثيرة وما فيها من توترات وضغوط نفسية عنيفة. كما إن ماضغ القات يعاني عوارض التعاطي(التخزين) التي تزداد مع الساعات الأخيرة(للتخزينة) وعقبها، كالقلق والإجهاد العصبي وينشغل لساعات طويلة في التفكير بهمومه ومشاكله. - الجنس اللطيف وخاصة في المناطق الريفية وما تعانيه المرأة من ضغوطات وتوترات حياتية زوجية واجتماعية ومشاكل نفسية متعددة تبرز معها صعوبة في التأقلم مع هذه المشاكل. - الذين يعانون أمراضاً مزمنة ومشاكل مرضية أخرى أو مشاكل بالجهاز الهضمي،وما أكثرها في مجتمعنا، نظراً لتدني الوعي الصحي أو انعدامه- أساساً- لدى الأكثرية من الناس. - المدمنون على شراء الأدوية بصورة عشوائية، والمعتادون على التعامل مع الصيادلة مباشرة،وأولئك المرضى الذين يحلو لهم التنقل بين الأطباء بلا ضرورة أو اقتناع- لانعدام الثقة- فيجربوا أصنافاً متعددة من أدوية ليسوا مضطرين لتناولها. أضف إلى ذلك عدم المتابعة للطبيب المعالج المختص. الملامح والأعراض - حتى يسهل على المريض اكتشاف المشكلة..كيف تبدو ملامح المعاناة والأعراض المرضية لدى الإصابة بالقولون العصبي؟ طبياً يُصنف القولون العصبي من ناحية الأعراض ضمن مجموعة الأمراض المتعددة أعراضها والتي تختلف من شخص إلى آخر، إلا أن سمات خاصة وأعراض مميزة لابد أن تتواجد لدى المصابين بالقولون العصبي على عامتهم، وأهمها الشعور بآلام في البطن على شكل تقلصات ومغص معوي يتمركز في الجزء الأسفل من منطقة البطن وقد ينتقل من موضع إلى آخر،لكنه يزيد مع الانفعالات العصبية وتناول الطعام، بينما تخف حدته مع الاسترخاء وبعد التبرز،ويصاحبه-غالباً- انتفاخ في البطن يستمر معظم اليوم،وشعور بالضيق والامتلاء وعدم الراحة.وبشكل عام تتغير طبيعة التبرز اليومية للمريض، فيعاني من إمساك مزمن يكون فيه البراز على هيئة قطع صغيرة متيبسة مصحوبة بآلام في البطن ومنطقة الشرج،أو يعاني من إسهال متكرر بكميات قليلة، فيه مخاط مع البراز دون أن يكون معه نزيف دموي أو نقص للوزن. ويجب أن أنوه إلى أن القولون العصبي تصاحبه-عادة- أعراض عامة،منها الصداع والشعور بآلام في الظهر والإجهاد والخمول. العلامات السريرية ما العلامات التي يستدل بها الطبيب سريرياً للكشف عن الإصابة بالقولون العصبي؟وعلى ماذا تعتمدون لتشخيص المرض والكشف عنه؟ إن سرد القصة المرضية من قبل المريض مع الفحص السريري يعينان الطبيب المختص المعالج على التشخيص السليم للحالة، ولا بد من أن تتضمن القصة وصف أعراض القولون العامة والعلامات التحذيرية بشكل خاص التي تدل-غالباً- على وجود مرض عضوي يصيب الأمعاء،ومن هذه العلامات: - إسهال ليلي ومفاجئ. - نزيف دموي. - إمساك كلي وقي متواصل. - آلام أثناء النوم. - نقص واضح في الوزن. ومن الضروري جداً تنبيه الطبيب للأعراض التحذيرية بسؤال المريض مستفسراً عن وجودها، وعقب ذلك يأتي دور التحاليل الطبية لتوضيح الحالة الصحية العامة للمريض، ومن ثم مناظير الجهاز الهضمي التي يجب إجراؤها لكل من تجاوز الأربعين عاماً من عمره أو من يعاني من إحدى العلامات التحذيرية- التي ذكرتها- للتأكد من وجود أو نفي وجود أي خلل عضوي للجهاز الهضمي. نصائح إرشادية ورمضانية ماذا لديك من نصائح رمضانية في هذا الصدد توجهها لمرضى القولون العصبي، بما في ذلك ما يلزمهم من تعليمات وإرشادات للتخفيف من حدة المرض؟ للصيام منافع صحية وعلاجية لمرضى القولون، فقد لوحظ عند الكثيرين ممن يعانون من القولون العصبي اختفاء أعراض المرض عند البعض مع بداية الشهر الكريم، فهم يشعرون مع الصيام بتحسن كبير يدوم ويستمر في أغلب الأحيان. وبالمقابل هناك من تسوء أعراض المرض لديه أكثر مع بداية رمضان، لإنشغاله بالغذاء والإفراط فيه واجتيازه الخطوط الحمراء التي حُذر منها. - أما عن النصائح والإرشادات، فثمة الكثير منها التي تحقق النفع لصائمي هذا الشهر الكريم ممن يعانون هذا المرض مفادها: - النصيحة الأولى:بناء الثقة بين الطبيب المختص والمريض،فهي أولى خطوات العلاج وأهمها كما يجب على المريض متابعة طبيبه المعالج والتزام تعليماته وتجنب التنقل بين العيادات والتسوق من الصيدليات أو تجربة مختلف الوصفات،لما لمثل هذا التخبط والعشوائية من تأثير مباشر أو غير مباشر على القولون العصبي. - النصيحة الثانية: على مريض القولون العصبي الالتزام بالسلوكيات الصحية وآداب الطعام والمائدة عند تناول الأطعمة، وإتباع قواعد النظافة الشخصية،وتجنب أطعمة الشوارع والأماكن العامة وتخصيص وقت كافٍ لتناول الطعام وتنظيم مواعيد الأكل في جو هادئ ومريح، وعدم تناول الطعام على عجالة أو أثناء تأدية الأعمال، وأن تكون الوجبة الغذائية متنوعة متوازنة تحتوى على الكثير من الألياف النباتية، من خلال تناول الخضروات الطازجة والفواكه، وأن يكون الخبز المتناول كاملاً (غير منخول)، إلى جانب استبعاد الأغذية العسرة المربكة للهضم من قائمة الطعام. - النصيحة الثالثة: تجنب الانفعالات العصبية والإجهاد النفسي حتى لا تزيد حدة الأعراض أو تحدث انتكاسة جديدة. وقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن الاسترخاء والطمأنينة لهما مفعول قوي في التخلص من هذا المرض بصورة خاصة أو على الأقل للتخفيف من أعراضه. خلاصة القول..يعتمد نيل المنافع الصحية للصيام على المريض بالقولون العصبي- بشكل أساسي- وسلوكه وممارساته، وبدرجة كبيرة على طريقة تأديته هذه الفريضة بشكل إيجابي، يتقرب بها إلى المولى سبحانه وتعالى، معرضاً عن الدنيا بهمومها ومشاكل الحياة المثقلة على النفس، مقبلاً على الله،لا يشغله عن طاعته وطلب مرضاته ملذات المطاعم والمشارب،تاركاً لجهازه الهضمي الفرصة لتصحيح ما اختل والعودة إلى وضعه الطبيعي فيجمع بذلك المريض بين هدوء النفس وهدوء البدن، وكلاهما يعمل على زوال أعراض القولون العصبي ويتيح إمكانية الشفاء لمعظم الحالات. أما من ليس له في صيام رمضان إلا الجوع والعطش، يُمضي نهاره في المشاحنات، منفلت الأعصاب..غضوب.. حاد الطباع، ثم يقضي ليلة في نهم وشراهة، فإنه يجهد أعصابة ويتعب وينهك كثيراً جهازه الهضمي،وكلاهما يزيد من القولون وتشنجاته بما لا يطيق تحمله. * المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني