لايطول عمر الإنسان، مع حسن عمله، إلا ويعظم أجره، ويعتلي قدره عند ربه، ولكن!! واقتضت حكمة الله تعالى أن تكون أعمار أمة محمد صلوا عليه وسلموا تسليماً مابين الستين إلى السبعين سنة، وهي قليلة جداً بالنسبة لمقارنتها بأعمار الأمم التي سبقتها. ولكن الله العدل الرحيم أراد بأمتنا خيراً فأرسل إليها خير خلقه محمداً صلى الله عليه وسلم خاتماً، وزاد من فضله تعالى أن جعل لهذه الأمة محطات ومواسم تتزود فيها من الخيرات. وهذه المواسم تتردد مابين فترة وأخرى من أيام السنة.. هذه المواسم، تضاعف فيها الأجور، وتتكاثر فيها الحسنات، ويتعرض فيها للنفحات. إلا أن أعظم تلك المواسم هو شهر الله المبارك، شهر القرآن، شهر رمضان، شهر البر والإحسان، شهر العتق من النيران، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتسلسل الشياطين، وجعل سبحانه خير ما في هذا الشهر العشر الأواخر منه. هذه العشر كان صلى الله عليه وسلم إذا صادفها شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله حتى يقوم بعبادة الله تعالى كما ينبغي، ومع أنه صلى الله عليه وسلم حبيب الله وقد غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر، وهو مؤيد بالوحي، ومعصوم من الخطأ إلا أنه كان يضيف في العشر الأواخر أن يعتكف في المسجد، ويتفرغ لعبادة الله، ويستغفر لذنبه، ويهرب من الدنيا التي صار كثير منا اليوم يعبدها نسأل الله السلامة. لكني ألفت انتباهك أخي القارئ الكريم إلى أنه يمكنك تعويض مافات من عمرك يتلمسك لخير ليلة، أعني ليلة القدر. ليلة القدر من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه ليلة القدر، خير من ألف شهر كما تقرأ في كتاب الله أي أن العمل فيها يساوي العمل في ثلاث وثمانين سنة. والعجب العجاب!! أن كثيراً من الناس يعرف تماماً اهتمام رسولنا الكريم بهذه العشر وكيفية استغلالها، وكيف كان يتعامل معها. وأنه صلى الله عليه وسلم كان يعمد إلى خير بقاع الأرض وأحبها إلى الله وهي المساجد فيعتكف فيها. فكثير من الناس يعملون ذلك إلا أنهم يخرجون من منازلهم أفواجاً رجالاً ونساءً إلى أبغض البقاع إلى الله وهي الأسواق. بل لربما يخرج بعضهم لغير سبب!! غير التجوال في الشوارع ساعات والعودة وهكذا ليلة بعد ليلة، فيا لخيبة من هذا حاله. فحري بكل مسلم حصيف عاقل أن يستغل مابقي من هذا الشهر في طاعة لله تعالى، من قراءة للقرآن، وذكر وصلاة، واستغفار، وتذلل بين يدي الله، ودعاء بأن الله يتولاه أو يكون معه. ونحن نسأل الله تعالى في ختام هذه العشر أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يغفر لوالدينا وأن يعتق رقابنا، ورقابهم من النار، وأن يحفظ بلادنا من شر كل حاسدٍ وحاقد، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم