كخطواتنا المسرعة في لحظة نهم نحو سوق “القات” مرَّ رمضان، أو هكذا يخيل لنا كلما تبادلنا التهاني مع الأصدقاء وزملاء العمل والأقارب بحلول العيد وأنهينا الحديث “خواتم مباركة”، وبإمكان أحدهم أن يستبدلها بخاتمة مشلولة ”مسرع جزع رمضااان” وكأن رمضان طبيب مناوب في مستشفى حكومي فرّ قبل انتهاء الدوام. مرَّ رمضان كما يمرّ أشقاؤه في “التقويم الهجري” الذي بإمكانك أن تشاهده على مكتب مدير عام أو محافظ محافظة أو رجل أعمال في حافظة أنيقة يسيل بها لعاب المعدمين الذين يترددون على تلك المكاتب لاستجداء “الفتات” ويعودون أدراجهم بخفي حنين أو وعود أغلبها كاذبة. مرَّ رمضان كالعادة مسبغاً نعمه على الميسورين والتجار الذين لم يراعوا في مؤمن إلاً ولا ذمة، ومنظمو الأمسيات الرمضانية الذين تقمصوا أدوار الزهاد وإن كنا ندرك أنهم يتسابقون على ريع الأمسيات فقط، التي يصرف في سبيلها مئات الآلاف ولا أدري ما الذي أنجزوه في مسار التنمية والحفاظ على الوطن.. ولا ننسى المسئولين التنفيذيين في الجمعيات الخيرية إلا من رحم، الذين انشغلوا طوال الشهر الكريم في توزيع التمور والوجبات الجاهزة، وأيضاً لم أدرك أن الفقراء كانوا بحاجة ماسة إلى ذلك الكم الهائل من التمور ولا شيء آخر، ولا تستغرب إذاً لو سمعت أحد هؤلاء يقول “مسرع جزع رمضااان” بكاءً على الريع لا على “ صلاة التهجد”. مرَّ رمضان إذاً غير أن الذي لم يمر هو البؤس في وجوه الجوعى والمرضى والمقعدين الذين اكتظت بهم صفحة ليلة القدر على مدى أيام الشهر الفضيل، ضحايا السرطان وفقر الدم المنجلي والإعاقة والفشل الكلوي وغيرها من الأمراض القاتلة، من حبسهم الفقر في زوايا منازلهم وعجزوا عن توفير “عكازات” أو حقن مهدئة.. وكانت مبادرة “الجمهورية” في النشر تستهدف لفت أنظار المنشغلين في متابعة آخر تقليعات سوق الصرف وتوزيع التمور إلى هؤلاء الذين استبدّ بهم الفقر والمرض ولم يجدوا طريقاً للخلاص. ومرَّ رمضان وهم في انتظار من ينقذهم ولا أظن أن شيئاً حدث غير الفاجعة التي زارتني بداية الأسبوع الجاري مفادها وفاة الشاب معاذ سعيد قائد الذي باغته ورم دماغي ورافقه لعامين كاملين رحمة الله عليه.