جمعتني في ليلة من ليالي رمضان رفقة بإحدى معارفي مع ابنتها ، وكنت منذ أن تعرفت عليها ، كلما التقيتها مع ابنتها ذات العشر سنوات أجد ابنتها دائماً متذمرة ، تريد هذا ، وتريد ذاك ، وأمها تعطيها ، ومع ذلك تكرر الطفلة تذمرها ، وغنجها الذي يستفزني إلى درجة كبيرة ، كوني لم أره في أي طفل في حياتي . وإذا قالت الأم لابنتها لم نعد نمتلك النقود تظل الابنة مكفهرة الوجه وعلى حد قول إخواننا المصريين “ عاملة بوزها شبرين” وكأن الدنيا انقلبت رأساً على عقب لأن أمها لم تلب لها طلبها مباشرة . وفي كل الأحوال مهما أعطتها أمها لا تجد تلك الطفلة راضية . الطفلة عكست لي صورة أطفال آخرين تعودوا أن يُعطى لهم كل ما يريدون ، دون أن يكلفهم آباؤهم حتى عناء الانتظار ، لذلك لا يشعرون بالقناعة بل يطلبون المزيد . في الوقت الذي نحن نأمل فيه بتربية نشء يغير مستقبل الحياة إلى الأفضل ، فأي فائدة ترتجى في مثل هذه التربية ، مالم نغرس في أطفالنا الحمد وشكر النعمة والقناعة والإيثار . شهر رمضان خير توقيت لنعلّم فيه أطفالنا أن ما يُصرف عليهم هو ما يناسبهم ، وما يناسب قدرة آبائهم المادية ، وأن تلبية طلباتهم لا تعني عدم إحساسهم بالمسئولية تجاه آبائهم . علينا أن ننتهز الفرصة في رمضان من خلال كل المشاهد التي تحركها عدسة الواقع ، لابد أن نستغل الواقع الذي نتضايق من رؤيته ، ونتمنى أن لا يكون أولادنا على رصيف الاستجداء ، ولكن علينا أن نوظف هذا الواقع المؤلم الذي نشاهده في الأسواق ،وعلى أرصفة الشوارع ، وعلى أبواب المساجد لإعطاء دروس مهمة لأولادنا في الرضا والقناعة وشكر النعمة . علينا ٍأن نجعلهم يشاهدون الأطفال الذين ينامون في الطرقات ، والذين يستجدون اللقمة لسد جوعهم ، والذين يفتشون بين القمائم للبحث عما يسد رمقهم ، لابد أن نأخذهم إلى أقرب مستشفى لزيارة المرضى ، وذوي العاهات ، لابد أن يزوروا الفقراء في أكواخهم . وأضعف الإيمان أن نطلع أطفالنا على صفحتي ليلة القدر التي تصدرها الجمهورية طوال شهر رمضان. علينا أن نعلمهم أن الحياة فيها الحلو والمر ، والأخذ والعطاء ، والفقر والغنى ، والصحة والمرض،... ، ودوام الحال من المحال . كل هذا وإن كانت مرارته أقوى من العلقم إلا أنه قد يفيدنا في تربية أولادنا على شكر النعمة ، والقناعة بما قسم الله ، وعدم التذمر من كل شيء.