لرقة ُتنساب من عينيها في أفق هواجسهُ تتلظى بأريج الانجذاب لكنها تأبى أن تبوحَ له بما راودها من خيالٍ دافقٍ أشعلها اهتماماً عندما زار مقهاها للمرة الثانية ليتصفح صفحات الفضاء المليئة بغرابة المعلومات. ترمقهُ بخفاءٍ وتصدُّ بنظراتها، سارقة ً انتباهه بلهفة معرفتها. هكذا غادر مقهى التصفح وفي جعبةِ اهتياجاتهِ تساؤلاتٍ حيرى من ظمأ الشوق الذي كان يتلاعب بأنفاسهِ كلما دعتهُ خيالاته الأدبية إلى مأدبة حكايةٍ ندية ٍ في عشق ٍطاهر يستنشق الأمل برائحة ما تسكبهُ عدسة الذاكرة في ذهنهِ الرقيق فتجول ُفي خاطرة ابتساماتهِ علاماتٌ توحي للناظر إليه بانَّ شاغلاً أردفه ُ يحادثُ نفسهُ: إنها كانت تهمس بعينيها السوداوتين بهاجسٍ أقحمها فضولاً للتعرف بي. هل جذبتها وسامتي أم أناقتي ؟! لا أظنها تعرف عني شيئاً. آه ٍ من صمتها الذي وشم اهتمامي. كم أرهقني حين اثملَ أنفاسي في عزلة الزمن، وأنا ارتشف صوتي في عالمِ التيه، تمنيت أن تتسعَ حنجرتي في تأمل وصف عينيها؛ يصحو على نداء ٍ يهتف: امجد..امجد يلتفت ُمندهشاً إلى مصدر الصوت لا يرى احداً يعرفهُ، كان شخصاً يشاطره في الاسم. ترتجز به خطواتهُ إلى متنزهٍ يستشف ُّ منه راحة خياله الذي مازال مشدوداً بذاك الوله المجهول القابع بين زوايا مقهى التصفح. يجذبهُ هاجسه المتخفي عند عقارب الزمن لتنال منه أبيات ٌ من الشعر، أبت ألا تمهلهُ حتى تخرُجَ من عالمِ صمته ِ: الشوق محمومٌ بها وعليلُ والصمت منها قاتلٌ وقتيل ُ أضنتْ فؤادي ثمَّ دقت بابهُ فارْتاح بالشكوى وصار يميلُ ما هذا الذي قلتهُ ؟! هل أنا في توحم ٍ عاطفي ؟ إذن ما عليَّ سوى الذهاب إلى بيتي كي استحوذ على بوحي بأوراق عتيقة ركنتها عند رفوفِ مكتبتي. رتق همته ُفي الوصول والطرقات تتعثر بين قدميه لتشق مرأى زقاقه ِ المخبوء في لهفة ٍموشومة ٍعلى نبضاتهِ المتأملة ولادة َحبيب ٍ يآنس ُ وحشتَهُ في ردهاتِ الليل. تخيلاتُه ُ تستبقُ وصولَه ُإلى بيته ِ مستجمعة ً أنفاسَه ُفي اناغيم ٍ تعتقُ شِعرَهُ على اسطر ٍ تستمتع بها أحداقه حتى يأتي الصباح الماكث بين عقارب الزمن عندما تفك ُّ عناقها في ليلٍ راسف ٍ أرخى سدولَهُ للقاءٍ يقرِّره الغد. النجوم تنقش بريقها على صفحات وريقاته في إكمال ما جال بهِ إلهامهُ من أبياتٍ خالجتْ وجدانهُ الشفيف: سَبقتْ قصيدي قبل أن راودتهُ فتعثَّرَ الإيحاءُ والتفعيلُ فا سْتسلمتْ كلُّ القوافي منطقاً وغدتْ تغازلُها بها وتجولُ فسقت بقاعَ الروح من نظراتها واخضرَّ فكري واسْتفاقهُ ليلُ جمعتْ حروفاً أطربت عودَ الهوى نغماً بلا وترٍ وصارَ ثميلُ فالحبُ إعجابُ وحَسّ شاعرٌ يتلوهْ قول ٌ بالشعورِ جميل ُ والعشقُ جذبٌ في النفوسِ بريقهُ يتلوهْ.. ليلٌ ساهرٌ ونحولُ سائلتُ نفسي أيهم بيَ ساكنٌ ردّت عليّ سؤالِيَ المسؤول ُ المرآة تشهد أبهى إطلالة ٍ عليها تفقدت تسريحة شَعرهِ وأناقة ِ طاقم ِ ملبسه ِ ببريقها المتلألأ في عينيه السوداويتين ووجهه الغسَّانيِّ. مرافئ الصباح تستضيفه ُ على نفحات ٍ متيمة ٍ لرؤيتها فتركب ُ خطواته ُ آثارَ الطريق السالك ِ للمقهى. تترنم شفتيه لصياغة ِ تحية ِالصباح ِ في ابتسامة ٍخجولة ٍ يسكبها قلبه ُ على أطراف لسانهِ الذي لعثمَهُ الانبهار في نبضات مشاعرهِ. أهلا بكَ. صباح النور ذاك كرسيُّك وتلك مطفأة السكائر التي كنت تملؤها دائماً. حسناً أشكركِ، منذ متى وأنت تعملين في هذا المقهى ؟ ابتسمت قائلة: حينما كتبت أول قصيدة ونسيت حذفها من الجهاز ومنذ تلك الفترة كنت أتابع ما ترسله إلى المواقع الأدبية. يسعدني ذلك بالتأكيد ولكن لولا عرَّفتيني باسمك ِ؟ أسيل. أخذتْ متابعتُه إلى ما ينشر على صفحات الأثير تتجول ُ في زقاق الأدب وتستطلع آراء الشارع الفضائي فيما يكتب من أشعارٍ وقصصٍ قصيرة هكذا واستأنفت أنامله ُ قصيدتَهُ الجديدة مردفا إياها أبياتاً حتى النهاية. ألفٌ تآلفُ قلبها سينٌ سنا ياءٌ يرى لام لظاهُ أسيل ُ فاحْتارَ ليلٌ في النجوم ِعلامة ً هو حاضرٌ أم غائبٌ وأفول ُ فتراشقت أفكارُ حلمي غيرة ً أن َ في هواها أم هناكَ خليل ُ ردتْ عليّ بقلبها المترقرقِ لن اهوَ غيركَ في الهوى وأحيلُ فتغازلت معيَ الحياةُ وأصبحت ترنيمة ً مطروبة ً ودليلُ فبكت عيوني في الهيام بحبّها فابيضّ من إحداقها التبجيلُ فغدوت اعشق دمعي المتدفقِ وأغارُ منه أذا أتى التنزيلُ فتشبّع الإحساسُ تذكيراً بها ففقدت حَسّ الحبّ وهو سليلُ وغدوتُ لا ادري بنفسي هل أنا هيَ أم أنا نفسي وتاهَ سبيل ُ يُغمى عليَ وغفوتي صحوٌ بها أشكو غرامي والغرام عجولُ يا ايّها العشاق يكفي لومكم صارَ الجنونُ بها نهىً محمول ُ قالت أذا كنت الذي أحببتني لو ننكوي شغفاً فصرت أقول ُ ما قلت إني أنكوي نارا ولا ادري. بناري انكوى القنديل ُ سمع الورى بحكايتي فتعجّلوا ولها ً بسيرتها وجنّ القول ُ هو لوعةُ شفافةٌ مجنونةٌ مطروبةٌ لا يعرفُ التعليل ُ أوصافها تسري بليلٍ داجن تغدو يحاكي قلبها التهليلُ وتنهّدٌ متألمٌ في باطنٍ وتعلّقٌ وتشابكٌ مجبولُ وبعد ساعات فارقت عيونه المقهى تاركة آثارها في زقاق الفضاء لكي تقتفيها استطلاعات أسيل. ابتسامة ٌ مرهفة ٌ تمشِّط جغرافية َ القصائد التي تركها على أيقونة الكتابة تمتهن إعجاب أسيل. تأخذ نسخة منها مطلعة ً أمها على ما كُتب فيها من غزلٍ عذري. تسكت الأم وفي قلبها أسئلة ٌ معبأة ٌ تجرفها إلى شواطئهِ ذات يوم كي تخبره ُ أن يبتعدَ عن ابنتها. يستفهمها مُلحِّاً. يا بني: افهم أن ابنتي مصابة بغرور جاذبيتها.