من المفارقات العجيبة أننا ونحن نعيش القرن ال21وفي خضم الثورة العلمية والتكنولوجية المهولة وغير المسبوقة إلا أن الملاحظ أن هناك فئات من مختلف مكونات المجتمع اليمني لايزالون يترددون على المنجمين والمشعوذين والسحرة لمعالجة أمراضهم أو أمراض ذويهم المختلفة، ولا يجدون حرجاً من تعليق التمائم الظاهرة منها والباطنة، وابتلاع الوصفات الخرافية التي تجود بها قريحة هؤلاء المعالجين بالرغم من تقاطعها مع المنطق، ومعطيات العقل البشري فيما يلجأ آخرون بصورة منتظمة إلى متعهدي الطب العربي، أو ما يطلق عليه “الطب البديل” والعطارين وتناول تلك الخلطات من الأعشاب الطبيعية للاستشفاء من أوجاعهم. وحينما تستعصي حالة أحدهم عن العلاج ويقتنع الأهل أن هناك عارضاً أو مسحاً من”الجان “ قد لحق بهذا الشخص أو ذاك فلا يتأخر هؤلاء في عرضه على المعالجين بالقرآن الكريم، وهي ظاهرة أثير حولها الكثير من الشد والجذب بين مناصر ومشكك، فيما التزم آخرون الصمت حتى لا يدخلون في محظور ..وفي هذا الملف نحاول تسليط الضوء على زوايا ودهاليز القضية بأبعادها المختلفة علنا نزيح الستار عن بعض خفايا هذه الظاهرة التي تعطل أدوات العقل البشري عن التفكير المنطقي ولو للحظة لأسباب متعددة مع إيماننا من حيث المبدأ برقي الخيار القرآني، وتأثيراته العجيبة حتى لا نقع في التهمة والتي تحتاج مع هذا إلى مزيد من البحث والدراسة. لم ينفعها إلا العلاج بالقرآن وعن هذا الموضوع تقول “أم فؤاد”وهي المرأة الخمسينية: كانت ابنتي “البكر” بعد زواجها بفترة قصيرة ينتابها موجات مختلفة من الهستيريا والخوف والتوتر العصبي والعزوف عن المأكل والمشرب، وقد بذلنا جهوداً كبيرة سواءً أنا وأخوتها وزوجها في معالجتها في ذمار وصنعاء وتعز، ولكن بعد مرور أكثر من سنة لم تتحسن حالتها وكان الفشل هو الحصيلة النهائية حتى قاربنا على اليأس وتركها تواجه مصيرها والاستمرار في تناول المهدئات التي كانت تحملها وصفات الأطباء المتنوعة، وفي يوم من الأيام دلنا بعض المعاريف الذين سمعوا عن حالة البنت على رجل في الخمسين من عمره يقطن في إحدى القرى المحيطة بمدينة ذمار، وذهبنا إليه في محاولة أخيرة لعل الله يمن عليها على يد هذا الرجل بالشفاء وقد استطاع هذا الشخص كشف خبايا مرضها التي لم نكن نعرف عنها شيئاً وبالاستعانة بالقرآن الكريم، وتمائم لايكون لبسها إلا على طهارة تم شفاؤها تماماً والحمدلله. وزيادة في الحرص على عدم عودة المرض إلى البنت كان يزورها نهاية كل شهر للاطمئنان على صحتها ثم يعود أدراجه فجزاه الله عنا ألف خير، وكثر من أمثاله وقد زاد من اطمئنانا أن هذا الرجل لا يحب المشعوذين الذين يكذبون على الناس، وربما يستخدمون السحر في تخريب بيوت الناس. نوبة الصرع وعن المعاناة التي لقيها جراء مرض ولده يقول الحاج. ثابت قاسم أحمد العرافي من محافظة إب: لقد أصيب ابني الثالث بحالة الصرع التي كانت تدخله في غيبوبة لا يصحو منها إلا بعد عشر أو خمس عشرة دقيقة، وكان يشكل خطراً على حياته؛ لأنه يدهمه فجأة، فقد يكون على حافة شاهق، أو مرتفع، أو فوق سيارة، أو أثناء صعوده في سلم مرتفع. هذا إلى جانب الآثار النفسية التي كانت تتركها الحالة عليه إذا انتابه المرض وهو بين زملائه أو أمام جمع كبير من الناس في مثل ما وقع له أثناء زفة عرس في وضح النهار فكنا نتيجة لعدم معرفة كنه هذا المرض الغريب علينا نحس بعجز في إمكانية معالجته فأقنعنا عدد لا بأس به من أصحابنا في القرية بأن ولدنا مصاب بمس “الجان” ويجب توسل المنجمين لمعالجته؛ لأن المستشفيات لن تنفع فربما أصابه عين امرأة محبة أو رجل بسحر من أي نوع فطرقنا أكثر من باب.. أحدهم أخرج لنا من إناء به ماء طلاسم بها أسحار وقال بأنها وضعت تحت أخشاب سقف الطابق الأول من قبل شخص يريد الانتقام من أهل البيت، وأوصانا إذا أردنا شفاءه ذبح”تيس” أسود ورقبته بيضاء ثم رمي الذبيحة للضواري إلى الجهة الغربية من المنزل، وبعد بحث مضن عن هذه الأوصاف، وجدنا تيساً يشبه ما قاله صاحبنا المعالج، ولكن دون جدوى فقد ظلت حالته على ما هي عليه، بل وتزداد سوءاً فانتقلنا إلى شخص آخر قالوا إن على رأسه شريفا صالحا من الجان وبعد شرح لحالته المرضية..كتب له تميمة بخط لا يفهم، لا يخلعها إلا عند الاستحمام فقط، لكن الوضع لم يتغير فعزمنا المسير إلى أحد الأطباء المعروفين المختصين في محافظة تعز حيث عرفنا أن هذا المرض يسمى صرعا ولا علاقة للجن به وكتب لنا حبوبا وكبسولات؛ ليستخدمها ثلاث مرات وهو الآن بخير وأصبح له ابن، ويعمل في وزارة الداخلية. قدرات خارقة الصدفة وحدها هي التي جمعتني بالحاج. مصلح أحمد الحاج “70عاماً”الذي تحدث عن قدرات شبه خارقة لأحد السادة الصالحين الساكن في مديرية الرضائي بمحافظة إب والذي قال عنه إنه يستطيع تحقيق الأمنيات ومعالجة الأمراض المستعصية ففي موقف كان الحاج مصلح حاضراً فيه؛ كونه يعمل بناءً في تلك المنطقة طلبت إحدى النساء المتزوجات إلى هذه القرية من محافظة أخرى كمية من “العدس” البلسن الذي اعتادت عليه كل موسم من مزرعتهم قبل زواجها؛ لأنها (متوحمة)أي رغبت في أكله لأنها حامل بجنينها الأول، وكاد الزوج أن يسافر ويقطع هذه المسافة الكبيرة، لكن هذا الشيخ الصالح اعترض طريقه وقال سأحقق رغبة زوجتك لوجه الله وبعد لحظات كانت صرة قطعة من قماش ملفوفة خلف أحد الأبواب وبداخلها”العدس”المطلوب، وعندما سمعت إلى تلك المرأة أكدت أن هذا النوع من العدس “البلسن” من مزرعتهم الخاصة في قريتهم لمعرفتها الأكيدة بما تنتجه هذه“الجربة”. وقد زكى كلامه هذا زميله الشيخ. علي عبده العميسي، ثم استطرد الحاج مصلح كلامه بالقول: لقد أصيب شقيقه الأكبر قبل سنوات بوعكة مفاجئة في قدميه أفقدته الحركة فقام بحمله إلى هذا السيد. وما إن أوصله إليه أخذ يقرأ عليه التي دلت عليها حركة شفتيه وبعد مسح على قدمي شقيقه زال عنه ذلك الألم، وعاد إلى قريتهم راجلاً كأن لم يصبه شيء..!! اكتشاف السرقات غير أن هؤلاء المنجمين أو بعضهم لا يقتصر نشاطهم على ادعاء معالجة الأمراض، بل يتعداه إلى أشياء أخرى قد يدخل بعضها في علم الغيب، أو ما يقاربه فهذا المهندس المعماري. ناصر المسعدي يقول قبل ما يربو على عشر سنوات تقريباً تعرض قريب له ميسور الحال لسرقة كبيرة داخل منزله أثناء زيارة العائلة لفترة قصيرة مريضاً لهم لم تستغرق ثلاث ساعات، وحينما عادوا كانت الجنابي الثمينة قد اختفت مع كمية من المجوهرات التابعة لزوجته وبناته، والتي تتجاوز قيمتها ال3 ملايين ريال فضلاً عن الجنابي فجن جنون الأسرة وقاموا على الفور بإبلاغ الجهات الأمنية المختصة التي عاينت المكان، وأكدت دخول السارق المجهول عبر نافذة الحمام بعد كسر حديدها، وشباكها الضعيفين ورفعت اللجنة الأمنية المعنية بالتحقيق في الحادثة التقرير والبصمات.. الخ لكن بعد عشرة أيام لم تطرأ أي نتيجة ايجابية ففضلوا تحت ضغط القلق البالغ الذي أثقل كاهل الأسرة وفي مقدمتهم الأب اللجوء إلى أبرز المشعوذين المعروفين في هذا المجال الذي يستخدم خدامه من الجان في كشف الغريم أو الغرماء. وبعد تردد ذهب هذا الرجل إلى المكان الذي يتواجد هذا المنجم أو “المفول” كما يسمى في اللهجة الشعبية الدارجة وبعد زيارة أو زيارتين استطاع هذا “المنجم” كشف السارق الذي اتضح انه ابن أخت صاحب البيت وقال المهندس. ناصر: حقيقة لقد دهشت عندما بادرنا هذا المنجم بشرح قضيتنا التي جئنا من أجلها بالرغم أننا قدمنا من مكان بعيد، ولم نخبر أحداً بما جئنا من أجله. وبعد أن وصف لنا المنزل ومداخله ومخارجه وغرفه بدأ في سرد أوصاف السارق، وطريقة تنفيذه عملية السرقة ووصفه بأنه أسمر وقصير ويرتدي دائماً معوزا، لكن غير مسموح له بذكر الأسماء، وكانت هذه الأوصاف تطبق على ابن أخته “أي صاحب المنزل” فقمنا بعد العودة من الرجوع مباشرة إلى منزل المتهم، وتم مواجهته بالسرقة فارتبك واعترف بجنايته.. الحقيقة أن هذا الأمر مثل لي مفاجأة فأنا لا أؤمن بمثل هذه الأشياء.. !! إنهم كذابون فيما يختلف الرائد أحمد ناصر العميسي - نائب مدير أمن المنطقة الجنوبية بذمار مع ما ذكر آنفاً حيث يؤكد تعرضه أثناء إحدى المناسبات في منزله لسرقة مسدسه “المكروف” ومسدس خاله من غرفة الاستقبال وبعد بحث وتحر، ضغط علينا بعض الأهالي بزيارة أحد المنجمين لكشف السارق وعلى مضض قبلت بالفكرة بالرغم من عدم اقتناعي بهذه الوسائل ذهبنا إليه، وأعطيناه مبلغاً من المال وقال نعود له بعد يومين، أو بعد يوم، ثم ذكر لنا أوصاف وحزاوي تدل على كذبهم ليذكر لنا في آخر المطاف أن السارق يؤنب نفسه، وسوف يعيد ما سرقه بعد نصف شهر، لكن مرت أشهر، ولم يظهر هذا السارق، لكنني أستحق لأنني ضحكت على نفسي، وطاوعت من يصدق هؤلاء لذلك أحذر الناس من هؤلاء النصابين. الاقتراب منهم كفر الحاج. محمد الخرابي - معالج بالقرآن يوضح بالقول: أنا أعالج فقط بالقرآن الذي هو كلام الله الذي فيه شفاء للناس، وفي حدود معرفتي، لكن الذين يدعون العلاج من الأمراض بأساليب خاصة بهم هي شعوذة، وافتراء على الله، ورسوله، والناس أجمعين. وويل ثم ويل لأولئك الذين لا يخافون الله، وعقابه على الآثام التي يرتكبونها حيث يعمدون إلى كتابة الأسحار لإفساد العلاقات الأسرية والزوجية على وجه الخصوص حيث يعملون المحبات أو البغضاء بحسب الطلب، وبمبالغ كبيرة.. إن الاقتراب من هؤلاء كفر لأنهم يحرمون ما أحل الله ويحلون ماحرم الله. الضرب والتهديد - فيما يفيدنا “محمد” أن أخاه غير الشقيق أصيب بحالة نفسية أدت بالأسرة إلى تقييده خوفاً على حياة الآخرين، وبالذات الليل وتم عرضه على معالج بالقرآن بعد الطواف ببعض المشعوذين والمفولين والمنجمين فكان المعالج بالقرآن يقرأ بعض الآيات في أذن المصاب مباشرة حتى يصاب بتوتر عصبي شديد، ولا يقوى على السيطرة عليه إلا أربعة أشخاص، وكان المعالج يهدد الساكن في جسده بالحرق أو بالضرب إذا لم يخرج .. صحيح أن أخي لم يضرب، لكن هناك آخرين تعرضوا للضرب بحجة أنهم لا يضربون المريض، بل الساكن بداخله وقد أكد لنا المقرىء بأنه سيخرجه بعد أن يأخذ منه عهدا بعدم العودة لهذا الجسد الذي عشقه على حد قوله، لكن أخي لم يتحسن كثيراً، وظلت بعض الوساوس تنتابه والتهيئات فقررنا تسفيره إلى جمهورية مصر العربية، وقد تحسنت حالته كثيراً، وهي مستقرة الآن غير أنهم نصحونا ألا يعود مرة أخرى إلى إعادة مضغ القات، وألا ينزوي عن الناس، بل يتعايش معهم وصدقوني إذا وجد الطبيب الذي يستطيع التشخيص بصورة دقيقة عندها لن تكون مشكلة، لكن مشكلتنا ضعف قدرات أطبائنا، وإدعاء الكثير منهم أنهم متخصصون لكل الأمراض؛ لذا يجب أن يكون هناك رقابة صارمة على المستشفيات والعيادات وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب إذا أردنا بالفعل إصلاح أمورنا؛ لأن انعدام الثقة بين المريض والطبيب يولد الإحساس بالإحباط واليأس فيتجه الناس إلى المشعوذين والإيمان بالأساطير والخزعبلات. الطب البديل.. ينفع ولا يضر زرنا الأخ. عدنان زيد اليمني في محله الذي يقع في سوق ذمار القديمة ويكتظ بمختلف الأصناف والعلاجات التي امتلأت بها الرفوف، على واجهتها أسماؤها وبعد تبادل عبارات المجاملة والتحايا المعروفة قال عدنان: الطب البديل أو الطب الشعبي مواده وعناصره كما هو معروف من الأعشاب الطبيعية التي يستخلص منها العلاجات والعقاقير التي نراها في الصيدليات وقال: إن أحسن ما في الوصفات التي نعطيها للمرضى بأنها مأمونة النتائج أي فإذا لم تنفع فإنها لا تضر أبداً اسأل أي زبون للتأكد من ذلك. وهناك العديد من الأشخاص بعضهم نعرفهم والبعض لا نعرفهم يأتون إلينا والخوف يرتسم على وجوههم نتيجة التشخيص الخاطئ لبعض الأطباء، والذين لا يتورعون في أنهم مصابون بمرض خطير، وعندما يشرح لنا حالته تصف له الوصفة والخلطة من منطلق معرفة وليس عشوائية فإذا بالشفاء يكون حليفهم وأنا لا أقول إن الأطباء على خطأ، لكن يجب توخي الأطباء الذين لا يتاجرون بأرواح الناس ويتخذون من المرض مطية للربح حتى ولو كان صاحب هذا المرض يستدعي طبيبا صاحب مؤهلات علمية أخرى. والطب البديل كذلك إذا لم يشرف عليه شخص عارف بدقائق أمور هذا المجال الذي لا يمكن تجاهله فإنه سيلحق بركب من يضحك على الناس ويحتال عليهم؛ لذا يجب التأكد من مدى علم ومعرفة المشرف على هذا العلم؛ لأنه علم في حد ذاته وليس خرافة فقد استخدم الأطباء العرب والمسلمون هذا النموذج منذ مئات السنين، واستفاد من تجاربهم حتى الأطباء الأجانب.