إن تركيا الأمس “الدولة العثمانية - دولة الخلافة الإسلامية في اسطنبول” اجترحت مآثر بطولية خالدة في الذود عن بلاد الإسلام "ومنها اليمن" وتصديها للأطماع الاستعمارية الأجنبية كما كان لها أبلغ الأثر في “عصرنة” اليمن والارتقاء بحياة اليمنيين التي لاتزال العديد من شواهدها باقية إلى يومنا هذا في مختلف المجالات الصناعية والتنظيمية والإعلامية التي اضطلع من خلالها الوجود العثماني في اليمن بإرساء بواكير النهضة في ربوعه. إن دعاوى من يدعون وزعم من يزعمون بأن الوجود العثماني في اليمن كان “احتلالاً أو استعماراً” محض افتراءات؛ إذ ليس من محتل، أو مستعمر يرتقي بمستوى معيشة، وحياة الناس المادية والروحية في البلد المحتل، بل ويعرفون من خلاله الحياة البرلمانية على النحو الذي أصبح لولاية اليمن في العهد العثماني من يمثلونها أسوة ببقية ولايات الدولة العثمانية في المجلس العمومي “يتكون من هيئتين: الأعيان والمبعوثان” بالعاصمة إسطنبول فضلاً عن مجالس الإدارة المنتخبة في لواءات “محافظات” الولاية والمجالس المحلية في الأقضية ومجالس المدن “المجالس البلدية” المنتخبة هي الأخرى. إن من قاوم الوجود العثماني في اليمن ليس الشعب اليمني كما يزعم ويروج أصحاب الأقلام المغرضة وإنما كانت المقاومة من الأئمة "ليس إلا" أو بتحريض منهم لبعض القبائل مستغلين جهلها وتخلفها. إن الشواهد الحضارية الدالة على مبلغ ما شهدته اليمن من تطورات في العهد العثماني كان من أولويات الإقامة هدمها كلياً أو جزئياً أو إعمالها أو تحويلها لأغراض غير أغراض إنشائها للتقهقر باليمن وجرجرته من تنويره وازدهاره أواخر القرن ال19 وأوائل القرن ال20م إلى جهل وظلامية وتخلف القرون الوسطى. إن الروابط الاجتماعية القوية بين المجتمعين اليمني والتركي قوامها الأعداد التي لا يستهان بها من العائلات اليمنية التي استطابت المقام في تركيا واتخذت منها وطناً ثانيا لها ومثلها الأعداد الكبيرة من العائلات التركية، التي آثرت البقاء في اليمن، ولم تغادره عقب نهاية الوجود العثماني “1918م”، وقد تزاوجت مع الأسر اليمنية، ونشأت عائلات يمنية من أصول تركية لها كل الحقوق، وعليها كل الواجبات بمقتضى المواطنة، والانتماء، وبالتالي لاينبغي النظر إلى هذه العلاقة، والتعامل معها إلا بكل احترام، وثقة، وود اجتماعي، وثقافي، وسياسي بكل ما في العلاقات من حقوق الروابط في العقيدة، والعرف، والتقليد، والتاريخ المشترك، ناهيك عن العادات والتقاليد المشتركة ما بين الشعبين. إن تركيا دولة وقوة إسلامية مؤثرة تربطها بالأمة العربية ومنها اليمن روابط التاريخ والدين والجغرافيا، ومواقفها المعاصرة الداعمة للقضايا العربية المصيرية، ودورها المتنامي في السياسة الدولية، ومايتوفر لدى قيادتي البلدين “اليمنوتركيا” من رغبة صادقة وجادة لتعزيز وتنمية العلاقات والارتقاء بها بفتح آفاق وفضاءات أكثر رحابة واتساعاً لهذه العلاقة لما فيه خدمة الشعبين الشقيقين، وعزة الأمة العربية والإسلامية، والإسهام في حفظ أمنها واستقرارها والبقاء على كينونتها. حظوة اليمن بمكانة مرموقة ورفيعة متميزة في الوجدان الجمعي التركي، وإجلال الأشقاء الأتراك وإكبارهم لرجالات اليمن وعلمائه وفقهائه ومصلحيه، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الفقيه العلامة التابعي الجليل أويس القرني الكائن ضريحه بمدينة زبيد بجوار قبر الصحابي الجليل أبو بموسى الأشعري رضوان الله عليهما: من هذه المعطيات وبالتزامن مع زيارة الرئيس التركي عبدالله غول لليمن على رأس وفد رفيع المستوى نظم مركز “منارات” للدراسات الإستراتيجية ندوة حول مستقبل العلاقات اليمنية التركية في ضوء معطيات، وإرهاصات حاضرها، واستشراف آفاقها المستقبلية، ولأهمية ما تناولته الأوراق البحثية التي قدمها نخبة من الأكاديميين والمهتمين تنشر “الجمهورية” بتصرف أوراق الندوة وما خلصت إليه من استنتاجات وتوصيات.