جلستْ أمي تمضغ براعم القات، سارحة الفكر ، مخدرة الجسد ، نظرت إليّ، وأمعنتْ النظر وقالت لي في لهجةٍ جادةٍ: - ماذا تعلمين عن المرأة البسيطة ؟ ارتسمت على ملامحي علامات الاستنكار والدهشة ، كررتْ أمي سؤالها مرة أخرى! هززت رأسي عدة مرات كوني غير مدركة مغزى سؤالها ، باغتتني بنقدٍ لاذعٍ : هل أنت خريجة جامعة ... أم راعية غنم ؟! المرأة البسيطة ياحلوتي هي من تثبت بعض الخرق على هيكلها الغضروفي، وتحمل في مقدمهِ كرة لحمية لفترة من الزمن، تتخلى عنها بسهولة؛ لتسقطها في قمع الحياة . توقفت أمي عن الكلام ، وتناولت برعماً آخر، وبدأت تقضمه في نشوة ، مرت بضع دقائق تحول فيه العود الأخضر إلى جرعة تخدير إضافية ،شرعت أمي في الكلام ، فتحت فمها ، وبدأت بالسعال بشكلٍ مخيفٍ ، خلتها تختنق ؛ فقفزت من مكاني ، ناولتها بعض الماء ، وضربت على ظهرها عدة ضربات ، ثم عادت أمي لطبيعتها ، حمدت الله على سلامتها .. عادت أمي لمضغ القات، وأكملت حديثها عن المرأة البسيطة. “المرأة البسيطة متقلبة المزاج ، البارحة تبكي متألمة ، واليوم تقهقه فَِرِحَة ... وغداً ربما ترقص” . نعم ترقص .... ولِمَ لا ؟هل تدرين أين يكمن سر بساطتها ؟ مازلتُ فاغرة فاهي .. أتفكر في فلسفة أمي الأفلاطونية. - أين ؟.. بالله عليكِ ؟! - إنهَّا منبسطة بفعل فاعل، وأمر قهري ، تفتقر إلى خاصية الانكماش والتكور . - ها... وماذا بعد ؟! قِيَل إنهَّا : تعرضتْ قبل ملايين السنوات لومضة من الجحيم تمددت علىِ إثرها ،وانبسطت، وأصبحت صبورة ، ولم تشتكِ من هم الحياة حتى اليوم. - لابد من وجود سبب حقيقي غير خرافة الومضة ، قولي لي كيف أصبحت صبورة، ولاتشتكِ هم الحياة ؟! أبتسمت أمي في وقارٍ وقالت : - ببساطة ،لاِنَّها أدمنت أقراص القناعة . ارتفع صوت المؤذن مُعِلناً موعد صلاة المغرب ، ارتسمتْ على وجه أمي تضاريس الخيبة ، أومأت إليها مُسَتفسرة عن حالها ، رفعتْ كيساً شبه فارغ ، ترزح أسفلهُ بعض أوراق القات المتآكلة .