حياتنا عبارة عن مجموعة من القرارات، بمعنى أننا دائماً ما نمارس عملية اتخاذ القرارات بوعي أو بدون وعي، منا من هو المتسرع و المتردد و المنطقي و العاطفي وغير ذلك، وبعض هذه القرارات تكون سهلة و البعض الآخر ليست كذلك، و الفرق الأساسي هو مقدار التفكير ..أحياناً يكون عدم اتخاذنا لقرار إزاء حالة معينة هو الصواب , وأحياناً تجاهلنا للموضوع يزيد من خطورة الموضوع و يزيد الطين بله , و قد يكون من الحكمة تأجيل اتخاذ القرار لحين توفر المعلومات , وعلى العكس تكون الحكمة في اتخاذ القرار الآن . و خطأنا الفادح عند التعامل مع المشاكل ليس في أننا لا نستطيع رؤية الحل و إنما في أننا لا نستطيع رؤية المشكلة , بمعنى أننا لا نستطيع تحديد المشكلة بالضبط , فنتعامل مع الأعراض على أنها المشاكل و نعالج العرض و ننسى المرض و تكون النتيجة عدم حل المشكلة . كل ما سبق يقودنا إلى القول بأن عملية اتخاذ القرار تحتاج إلى حكمة و تروي و تحديد دقيق للمشكلة التي نواجهها لمعرفة أسبابها و تحديد البدائل و الحلول للمشكلة ثم مقارنتها للوصول للحل الأنسب, فالقدرة على صنع القرارات ليست شيئاً يولد معنا كما هو الحال مع لون شعرنا بل هي مهارة يمكن أن تكتسب طبقاً لمقدرة كل شخص وكلما زادت معرفتنا وخبرتنا كلما تمكنا من تطبيق مهاراتنا بكفاءة وثقة أكثر.. وعملية اتخاذ القرار هي عبارة عن مجموعة من القواعد والإجراءات و الخطوات التي لو تعلمتها لأمكن من أن تحسن من قدرتك في اتخاذ القرار , و كلما مارست و اتخذت قراراً كلما نمت خبرتك و تطورت مهارتك .فعملية اتخاذ القرار تشبه عملية بناء العضلات و التدريب فاللاعب الذي تمرن جيداً سوف يبلي بلاءً حسناً ,و كذلك أنت كلما تدربت و تعلمت و اتخذت قرارات معينة و استفدت من أخطائك , كلما أسعفك هذا التدريب و الممارسة في قراراتك القادمة . و دعونا نأخذ هذه الحالة العملية في اتخاذ القرار و نستفيد منها : كان هناك مجموعة من الأطفال يلعبون في سكة قطار , و بهذه السكة خطين , الخط الأول قديم و معطل , والخط الثاني سالك , اختار احد هؤلاء الأطفال أن يلعب بجوار الخط القديم الملغي , و البقية اختاروا اللعب بجوار الخط السالك . تخيل أنك رأيت القطار آتي و كنت واقفاً على مفترق الخطين , وكان باستطاعتك أن تتحكم في خط سير القطار , و عليك أن تقرر هل تترك القطار يمشي و لا تغير مجراه فيقتل مجموعة الأطفال , أم تغير مساره فيقتل الطفل الوحيد الذي يلعب على الخط القديم المعطل ؟ توقف قليلاً وفكر معي قبل أن تكمل قراءة المقال . يعتقد البعض أن قرار تغيير مسار القطار هو القرار الصواب , إذ يعتبر إنقاذ عدد من الأطفال على حساب طفل واحد قراراً حكيماً من الناحيتين المنطقية والعاطفية على حد سواء , و لكن هل فكرنا أن الطفل الذي اختار اللعب بجوار الخط الملغي أتخذ قراراً سليماً و آمناً ؟! ومع ذلك فإننا سنضحي به بسبب حماقة أصدقائه الذين اختاروا اللعب في المكان الخطر . و في حياتنا العملية و الاجتماعية فإننا دائماً ما نتخذ قراراتنا على هذا النمط , فنحن دائماً ما نضحي بالأقلية من أجل الأغلبية مهما كان جهل و حماقة الأغلبية , و مهما كانت درجة وعي وحكمة الأقلية.. فالمنطق و العقل و الحق يقضي بأن لا نغير مسار القطار لأن مجموعة الأطفال الذين اختاروا الخط السالك ملعباً لهم سوف يهربوا عندما يسمعوا صفارة القطار , أما إذا حولنا المسار للخط القديم المعطل فسوف يموت الطفل الوحيد لأنه لن يخطر بباله أن القطار سيسلك هذا الخط المعطل , و هناك نتيجة أخرى محتملة إذا حولنا مسار القطار للخط القديم و هي تعريض حياة مئات الركاب للخطر لآن الخط مهجور و قديم و ملغي. و هذه هي العبرة فحين تمتلئ حياتنا بالقرارات الصعبة التي علينا اتخاذها , لا بد أن ندرسها بعناية و نحلل ونقارن بين كل الحلول الممكنة , ويجب أن ندرك أن القرارات السريعة ليست دائماً قرارات صحيحة , كما أن التردد و تأجيل اتخاذ القرار قد لا يكون حكيماً , ويجب دائماً أن نتذكر أنه ليس كل الصحيح مرغوب , وليس كل المرغوب صحيح .