كان يوم الاثنين ال 28 من مارس المنصرم يوم حزن وأسى ليس على رياضة الحالمة تعز ولكن على رياضة الوطن الموحد من أقصاه إلى أقصاه ففي ذلك اليوم غيب الموت واحداً من أهم الرواد في رياضتنا اليمنية الذين تميزوا بعديد المزايا النادرة التي أسهمت في وضع اللبنات الأولى لمداميك الرياضة في بلادنا ، أجل أيها الأعزاء في ذلك اليوم فجعنا جميعاً وفجع الوطن بأكمله برحيل العملاق ودمث الأخلاق المدرب الوطني القدير ونجم كرة القدم الأسبق في القلعة الحمراء وصقر تعز الراحل عبدالله عتيق والذي أفنى الجانب الأكبر من حياته الحافلة بكل العطاءات السخية والمثمرة في خدمة الوطن ورياضته. والراحل عتيق الذي استهل مشواره الكروي كحارس للمرمى في القلعة الحمراء أهلي تعز كما أشرت في إطلالة الخميس قبل الماضي وفي هذه الصفحة من رياضة الجمهورية التي واكبت رحيله ومازالت مطالبة بكثير من المواكبة عبر محبي الراحل وكل من عايشوه من زملائه وعشاق إبداعاته وهي الإبداعات التي لا أبالغ إن قلت بأنها تجاوزت كل محطات الوصف والتوقعات وفقيدنا الراحل عتيق الذي تواصلت عطاءاته وإبداعاته من حراسة المرمى حينما كان يذود عن عرينه الأحمر أهلي تعز واصل رحلته المتألقة في المستطيل الترابي في عديد المراكز وبكفاءة نادرة وبنفس القدر الذي كان فيه فقيدنا الراحل حارساً أميناً كان أيضاً من أخطر المهاجمين الذين كان يعمل لهم الحراس ألف حساب وحساب رغم التميز الكبير الذي كان يتميز به الحراس والمدافعون إبان تلك الفترة من ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم وهي الفترة التي بزغ فيها عديد النجوم وفي مختلف المراكز أمثال الكالا وأحمد وحسين وسالم وعبد الرحمن والجرادي والعذري والقاضي والجهمي والعسولي ومحمد سلطان وجميل قاسم وعبدالملك فوز وعلي جمال وآخرون من نجوم العصر الذهبي في كل من تعز- صنعاء – إب – الحديدة ممن لا يتسع المجال لذكرهم. ولعلي قد لا أبالغ إن قلت أن أبا وائل الذي أعطى الكثير والكثير لم يعط من قبل القائمين على رياضتنا اليمنية منذ بداية الثورة السبتمبرية المجيدة مروراً بالوحدة المباركة وحتى رحيله في 28 مارس 2011م مايتواءم مع الجزء اليسير من تلك العطاءات فلم يكن رحمه الله مجرد لاعب كرة قدم أو هاوٍ للعبة بل كان عاشقاً للعبة وأحد أبرز المؤسسين لها ولباقي الألعاب الأخرى عبر مجهودات وخطط مدروسة تفرد بها عن باقي أقرانه حيث كانت له إسهامات فاعلة في تأسيس نادي الصقر إنطلاقاً من القسم الداخلي. الراحل عتيق لم يكتف أو يتقيد فقط بتنفيذ المهام الموكلة إليه داخل الملعب بل كان يضطلع بعديد المهام التوجيهية والتوعوية لزملائه وهذه السمة القيادية لأبي وائل ربما لم يشاركه فيها إلاّ البعض أمثال عبدالعزيز القاضي وعبدالعزيز مجذور. عتيق وأهم الإنجازات قبل الخوض في أهم الإنجازات التي حققها فقيد الرياضة اليمنية الراحل إلى جنة الخلد إن شاء الله دمث الأخلاق الذي ذاع صيته في كل الأفاق دعوني أقول بل أعترف بأني مهما كتبت عن هذه القامة السامقة ومهما كتب أولئك الزملاء ممن عايشوا مسيرته المبدعة فإننا جميعاً لايمكن أن نعطي الراحل عتيق بعضاً مما ينبغي أن يقال في حقه سواء كان ذلك متصلاً بعطاءاته كلاعب مميز في كرة القدم أو كمدرب وطني أخلص لمهنته واعطاها عصارة الخبرة والجهد والعرق ليسفر كل ذلك الجهد عن ميلاد وبروز كوكبة من ألمع نجوم كرة القدم ممن لايتسع المجال لذكرهم سواء كان ذلك في أندية محافظة تعز التي تولي تدريب فرقها الكروية أو في أندية اللواء الأخضر وأهمها العنيد بالإضافة إلى نجوم المنتخبات الوطنية إبتداء من البراعم والناشئين إلا أن مسيرته التدريبية كأبرز المدربين الوطنيين في كرة القدم كانت مع شياطين القلعة الحمراء أهلي تعز والتي كان قد استهلها في مطلع الثمانينيات مع تلك الكوكبة المتألقة القاضي ، الغنمة ،عبدالملك ثابت ، جميل حبيش ، عبدالعظيم القدسي ، محمد ناجي وغيرهم حيث استطاع فقيد الرياضة عبدالله عتيق وخلال فترة وجيزة وقياسية أن يوظف تلك الإمكانات الأهلاوية لأولئك النجوم خير توظيف فقد كان بالإضافة إلى كونه يتمتع بحذق تدريبي هائل بمثابة الأخ والصديق والأب والموجه التربوي . ولم ينتظر فقيدنا العملاق طويلا ًكي يجني ثمار مجهوداته التدريبية وخبراته الكروية مع تلاميذه الأفذاذ في القلعة الحمراء حيث تمكن من استعادة الأمجاد الأهلاوية عبر أدائه الفني المتميز الذي لم يسفر فقط عن إداء متناغم وسمفونيات كروية مازالت راسخة في الأذهان بل ليسفر ذلك الأداء عن إحراز الفريق للترتيب الثالث ومن ثم الوصافة إلى أن تجسد كل ذلك العطاء والتألق بتحقيق الحلم والإنجاز الذي وصل حدا الإعجاز حينما حقق مع فريقه الأهلي بطولة الدوري العام لكرة القدم في الموسم الرياضي للعام 86م . وهو الإنجاز الذي سيظل محفوراً في وجدان الجماهير الأهلاوية وفي وجدان أولئك النجوم الذين صنعوا الإنجاز مع مدربهم الراحل عبدالله عتيق ليتواصل ذلك التألق الأهلاوي الذي أسهم في صناعته الراحل أبا وائل في المشاركة العربية التي خاضها فريقه النادي الأهلي في المملكة العربية السعودية الشقيقة ضمن منافسات الأندية العربية أبطال الدوري يوم أن خطف المدافع الأهلاوي محمد طه كل الأنظار بتصديه لأشهر المهاجمين ومناورتهم داخل منطقة الجزاء ولولا الإصابات التي حلت ببعض لاعبي الفريق والغيابات الكثيرة لكان للأهلي شأن مختلف في تلك التصفيات وفي اعتقادي أن الكابتن الراحل عبدالله عتيق منذ أن حقق ذلك الإنجاز التاريخي للنادي الأهلي في العام 86م لم تتح له الفرصة الملائمة لإظهار قدراته التدريبية بالطريقة المطلوبة والمناسبة نظراً لأن أندية الفريق التي تعامل معها بعد ذلك الإنجاز وهي كثيرة ومتعددة كان القائمون علها ربما يفتقرون للرؤى والأهداف الواضحة وربما الأهداف المنطقية ولو لم يستعجل أولئك المعنيون لكان لعتيق شأن أخر مع أنديتهم ومع هذا وذاك فقد كانت له عديد الاسهامات في إبراز الكثير من المواهب كونه من المدربين القلائل الذين يولون اهتمامهم البالغ بما يعرف بالصف الثاني من الناشئين والشباب فهو لم يتوان في تشجيعهم وإعدادهم الإعداد الجيد مع الدفع بهم في كثير من المواجهات الرسمية أياً كانت خصوصيتها ودائماً ما كانت تأتي النتائج رائعة ومشرقة بعد أن يكون قد زودهم بالتوجيهات اللازمة وزرع في أعماقهم جرعات كافية من الثقة بقدراتهم وإمكاناتهم لينعكس ذلك بالإيجاب على أدائهم الميداني وأداء الفريق بشكل عام ومن أهم المزايا التدريبية لعتيق تصحيح الأخطاء أولاً بأول خلال الحصص التدريبية فما أن يحدث خطأ هنا أو هناك خلال التقسيم حتى يطلق صافرته خلال اللعب مطالباً بإيقاف اللعبة التي نجم عنها الخطأ ليتولى إبراز ذلك الخطأ وأهميته وذلك من خلال الشرح المنطقي والتطبيق العملي الذي يتولى تنفيذه بنفسه عبر كثير من تمريرة مدروسة ولا شك أن مثل تلك الآلية التي تميز بها الراحل عتيق تجنب الفريق الوقوع في كثير من الأخطاء التي لو بقت على ماهي عليه خلال التدريبات لكانت سبباً في خسارة الفريق لعديد المواجهات الرسمية. إذاً عبدالله عتيق رحمه الله كان مدرسة متميزة في مجال التدريب بكل تعاملاته وتوجياته لأي فريق كروي يتولى تدريبه ولقد لمست ذلك بجلاء من خلال حواري الودي معه في عديد المباريات التي احتضنها ملعب الشهداء بتعز وبدرجة أساسية تلك المباريات التي كان يحضرها كمشاهد وليس كمدرب. رحلة المكلا وحكمة عتيق في العام 92 م وخلال التصفيات التمهيدية التي كان يخوضها كل من الطليعة وأهلي تعز على طريق التأهل إلى الدرجة الممتازة أتيحت لي عديد الفرص للتعرف عن كثب عن الإمكانات التدريبية الهائلة للراحل عتيق حث قفز قفزات نوعية في تعاملاته المدروسة مع لاعبي الفريق الطلعاوي وانتهج استراتيجيات جديدة تعد مغايرة الى حد كبير لتلك التي كان يتعامل فيها مع نجوم الأهلي أبان منافسات البطولة عام 86م حيث كان يرفض وبإصرار عجيب مطالبات الجماهير الأهلاوية بإشراك النجم عبدالملك ثابت الملقب بالأعور آنذاك في أكثر من مواجهة حيوية رغم إن كل تلك المطالبات والنداءات كانت تدوي في كل أرجاء ملعب الشهداء وفي رحلة المكلا و بالأصح غيل باوزير بمحافظة حضرموت حينما ذهب فريق الطليعة بقيادته لخوض المواجهة الحاسمة أمام أهلي الغيل وهي المواجهة التي صعد على ضوئها الفريق الطليعاوي إلى دوري الأضواء وخلال توقف الفريق بمدينة عدن ومبيتنا جميعاً في بيت الشباب بالمعلا بعد أن كنت قد تلقيت دعوة كريمة من رئيس النادي النجم الأسبق محمد علي شكري أحدث وأحد نجوم الفريق بعض المنغصات لزملائه وأحرمهم من النوم الهادىء والراحة فتصورت حينها كما تصور الأخرون أن ذلك اللاعب الذي أحدث تلك الفوضى والبلبلة سيعرض للعقوبة من قبل الجهاز الإداري الذي كان يمثله حينها الاستاذ عبدالجليل جازم وماإن وصلنا في اليوم التالي إلى مطار الريان ومن ثم إلى ملعب المباراة وقبل بدء المباراة بدقائق معدودة توجهت نحو الراحل عتيق وقلت له هل لي أن أطلع على التشكيلة فرد بذوق جم بكل سرور وماإن وقعت عيناي على ذلك الأسم الذي أحدث صاحبه تلك الفوضى والسلوك غير الحسن حتى سألته مستغرباً فلان ؟ فرد بإيجاز إنه لاعب مؤثر وسترى ذلك بنفسك وماإن بدأت المباراة حتى بدأ ذلك النجم يصول ويجول في ملعب المباراة ليحرز هدفاً ويصنع الأخر 2/1 للطليعة وهي النتيجة التي أهلت الفريق للصعود إلى دوري الأضواء وخلال استراحة الشوطين ذهبت إلى عتيق بعد أن شدني ذلك النجم بأدائه فقلت له كنت على حق وهكذا تجلت عبقرية عتيق وحذقه التدريبي تغمد الله فقيدنا الراحل بواسع الرحمة والمغفرة والهم أهله وذويه الصبر والسلوان إنا لله وأنا إليه راجعون.