من الحقائق التي لا يستطيع أن ينكرها أحد أننا نفشل في كثير من الأحيان تكييف حياتنا على نحو نشعر معه بالسعادة والمتعة وراحة البال وهو الأمر الذي نفتقده كثيرا، والأسوأ من ذلك عندما نجد هذا الحال عند البعض ممن لم يتمكنوا من العيش في ظلال وارفة من المتعة والسعادة..وباعتقادي أن السبب يعود للفوضى التي نعيشها في حياتنا، بحيث لا أولويات تحكمنا، أو قوانين أدبية تنظمنا، فاستمرت حياة العبث والعشوائية، فغدت حياتنا غير منضبطة وأصبح العيش فيها روتينا رتيبا لا نشعر معه بشيء من التجديد الذي يبعث النفس على الراحة والسرور.. وقديما قال الشاعر العربي مفتخراً بعيشه البسيط الذي كان يرى فيه سعادة الدنيا التي حرم الكثير منها : رغيف خبزٍ يابسٍ تأكله في زاوية وكوزُ ماءٍ باردٍ تشربهُ من صافية وغرفة ضيقة نفسك فيها خالية خير من الساعاتِ في ظل القصور العالي وسبب آخر أعزوه إلى ابتعادنا عن روح التفاؤل التي غابت من بين الضلوع فعشش اليأس والقنوط والإحباط في مفاصل حياتنا حتى لم نعد نرى من الحياة شيئا إلا ما ظهر لنا من زواياها السود التي نحن مطالبون أكثر من أي وقت مضى أن نغلق مثل هذه الزوايا في حياتنا «فالذي فينا مكفينا».. لماذا إذاً لا نعيش الحياة بروح متوثبة ترى الخير كامن في كل عتمة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، إن أصابه خير اطمئن به فكان خيراً له وإن إصابته ضراء فصبر فكان خيرا له». فتفاءل أخي القارئ وأنصت لمن قال: «لتكن حياتك كلها أملاً جميلاً طيباً تسبح بها مع الله»، وهذا يقتضي أن يكون قلبك بأمر الله عالَماً في ذاته ، أزهاره لا تذبل ..ونجومه لا تأفل .. تفاءل ..فما أكثر رسائل التفاؤل من حولك... ؟ وبقليل من الإخلاص لله ترى الحياة تحتويك بأروع المشاعر وأرق الخواطر، ولن يكون لك شيء من ذلك ما لم يكن هم الآخرة هو الحادي الذي يحدو قوافل قلوبنا، ويستثير اليقظة من مدافن أرواحنا، ويزيل الغفلة من على عيون ضمائرنا. يروى أن هناك مدينة غريبة على وجه الأرض غريبة في قوانينها وفي دستورها ، سكانها يختارون رئيسهم ويعلمونه أنه بعد خمس سنوات سوف يطرد من أسوار المدينة إلى خارج المدينة حيث السباع والوحوش والآفات القاتلة والصحراء القاحلة .. طرد الرئيس وأرادوا أن يختاروا رئيساً آخر ، القوانين يعرفها الجميع ويعرفون أن كل رئيس سيبقى مدة محددة (5) سنوات ويطرد . أعلن المسئولون عن اختيار الرئيس الجديد وفُتح باب الترشيح لمن يرغب في الرئاسة ، فلم يتقدم أحد .. لأن الجميع يعلم ما وراء ذلك من نهاية المصير .. وبعد فترة تقدم شاب وقال : أنا أرشح نفسي للرئاسة... قال له المسئولون : هل تعلم قوانين البلد، قال : نعم، تقلد منصب الرئاسة وقامت الاحتفالات ، للرئيس الجديد.. وفي أول يوم من أيام الرئاسة اتفق الرئيس مع عدد كبير من المزارعين دون أن يعلم أحد، انه إذا حل الظلام ونام الناس فتحوا أسوار البلاد وخرجوا خارج سور المدينة، يشقون الطرق ويسحبون قنوات الماء من داخل المدينة إلى خارجها ويزرعون ما طاب من الثمار والأشجار، والزرع والأزهار .. وذلك حتى انتهت مدة حكمة.. جاءت له اللجنة بعد مرور خمس سنوات، وقالوا له: ستكون آخر أيام حكمك غداً، وسوف تطرد من المدينة . تبسم الرئيس، وتعجبوا عندما رأوه يضحك ويبتسم ، فلم يبدو عليه أو اضطراب وأي خوف وجزع، بل قابل الأمر برحابة صدر وابتسامة عريضة.. تعجبوا لأن ذلك لم يكن يحدث لهم من قبل عندما يبلغون رئيسهم بمغادرة المدينة.. كان يبكي ويضطرب لأنة يعلم انه سيموت.. في اليوم المحدد والساعة المحددة لطرد الرئيس وقف الجيش والناس يرون هذه المناسبة العجيبة، فتحوا أسوار البلد.. وإذا بالجنان والأنهار خارج البلد والزرع والشجر قد ملأ الصحراء ، حتى أصبح خارج البلد أجمل من داخلها ، تعجب الجميع ودهش الناس ما الذي حدث ما الذي جرى ..أخبرهم الشاب بما جرى.. فقالوا: ما دمت على هذا القدر من الذكاء والعقل والحكمة فإننا نختارك رئيساً لنا للأبد، فوافق الجميع واتخذوه رئيساً لهم.. صحيح أن هذه القصة من نسج الخيال ولا تحاكي واقعنا، إلا أنني أستطيع أن أقول أنها الواقع الذي نعيشه بكل تفاصيله. إنه ما من شيء أكثر إشباعاً وروعة في الحياة من تحرير قدراتنا الإيمانية وطاقاتنا الروحية غير المحدودة التي أودعها الله فينا لنعيش حياة هادفة، مع التأكيد أن حياتنا المعيشية تبعا لحياتنا التي نعيشها مع الله.