يوما بعد يوم يتزايد أعداد ضحايا الأزمات والمشكلات الاقتصادية التي تولّد مزيدا من البطالة والحرمان وتدني الدخول والأجور, ليسقط كل يوم المزيد من الأشخاص والأسر في دائرة الفقر والعوز, وليذهب ضحية لذلك ما تسمى بالفئات الضعيفة , غير أن الأطفال هم أكثر ضحايا الفقر من بين من يصنفون ضمن الفئات الضعيفة , ففخ الفقر والحرمان الذي تقع فيه الكثير من الأسر يزج بأطفال هذه الأسر في أتون متاهة بائسة ومزرية في الحياة سراديبها المظلمة ليست إلا التشرد والجنوح والتهريب والعمالة , وهذا ما أكدته عدد من الدراسات المتعلقة بشأن الطفولة في اليمن والتي صدرت مؤخراً ونستعرض بعضها وأهم ما خلصت إليه تالياً:- الفقر وجنوح الأطفال في دراسة ميدانية حديثة أجراها المركز اليمني للدراسات الاجتماعية وبحوث العمل حول جنوح الأحداث خلصت النتائج إلى أن تزايد مظاهر الفقر والتفكك الأسري وكذا ضعف أو عدم تلبية الاحتياجات الأساسية للأبناء تعتبر من أهم وأكثر العوامل والمؤثرات التي تسهم في زيادة مشكلة جنوح الأطفال وظهور أنماط جديدة من الجنوح والانحراف والجرائم المتعلقة بالأطفال لتصبح عملا احترافيا بالنسبة لهم , وتوصلت الدراسة التي استهدفت الأطفال المتواجدين في دور الرعاية الاجتماعية في كل من أمانة العاصمة وتعز والحديدة وعدن وحجة وحضرموت إلى أن الفقر والعوز من الأسباب التي قادت إلى انحراف الأطفال وجنوحهم يليها عوامل تتعلق بالتفكك العائلي والعنف الأسري وانتشار الأمية وغياب أو تدني الوعي بانحراف الأطفال غير أن العوامل المرتبطة بالأوضاع الاقتصادية السيئة والفقر تظل في مقدمة كل تلك العوامل حسب ما ذهبت إليه الدراسة التي أوضحت أن الفئة العمرية الواقعة ما بين (10—15) سنة هي أكثر الفئات العمرية تعرضاً للجنوح والانحراف, مضيفة أن جرائم السرقة تأتي كأبرز الجنح التي يتم بسببها إيداع الأحداث دور الرعاية تليها جرائم اللواط ثم تأتي بعدها بقية الجنح من زنا وتسول وتشرد. أطفال الشوارع وفي دراسة أخرى أجراها الدكتور فؤاد الصلاحي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء حول أطفال الشوارع في اليمن , قدرت أن إجمالي عدد أطفال الشوارع في المجتمع اليمني يصل إلى (35) ألف طفل يصنفون كأطفال شوارع بالمفهوم العام لطفل الشارع,مشيراً في هذه الدراسة التي تعاون معه في إنجازها (25)باحثاً بحثوا حوالي (5000) عينة من أطفال الشوارع في كل من أمانة العاصمة وعدن وتعز والحديدة وحضرموت واب وحجة وذمار إلى أن حوالي 60% من إجمالي عدد أطفال الشوارع (أي حوالي “21” ألفاً) ينامون في الشوارع. مضيفاً أن ثلث عدد أطفال الشوارع يعيشون ويعملون بشكل دائم في الشوارع فهم منفصلون عن عائلاتهم ويشعرون بالاغتراب,الأمر الذي عزز من قناعاتهم بوعي زائف مضمونه أن فقرهم قدر ونصيب وهنا يمكن القول إن أطفال الشوارع يتجهون إلى بناء مجتمعهم الخاص داخل المجتمع العام يستفيدون من هذا الأخير نسبياً في عطائه المادي والمعنوي إلا أنهم خارج تركيبته البنيوية ومحدداته في المكانة والسلطة. وحددت الدراسة أن عدد أطفال الشوارع يقدرون ب 7000 طفل في العاصمة صنعاء فقط , منوهة أن المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المولدة لهذه الظاهرة لاتزال ذات أهمية كبيرة في إبراز عوامل متعددة تدفع بالأطفال إلى الشارع. فالهجرة الداخلية نحو المدن والفقر والبطالة وتزايد معدلات الخصوبة مع غياب الخدمات الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعي، وتخلي الدولة عن دعم الفقراء والعاطلين وان كل ذلك يؤكد صحة تقديرها لتزايد حجم ظاهرة أطفال الشوارع, مشيرة إلى أن الفئة العمرية لغالبية أطفال الشوارع تتركز عند الفئة العمرية (6- 14) سنة وتغلب عليها الصفة الذكورية ,حيث تتراوح نسبة الذكور إلى الإناث 70% ذكوراً و30% إناثاً. وخلصت دراسة الصلاحي إلى أن فقر الأسرة من أهم الأسباب التي قادت بالطفل إلى أن يتواجد في الشارع الذي يعتبر من عوامل الجذب للطفل تخلصاً من بيئة عشوائية فقيرة، وأوضاع اقتصادية واجتماعية متدنية، وإغراء لما يسمعه من الأقران مثل التكسب والعيش بحرية بعيداً عن رقابة الأهل وضغوطهم الأسرية. العمالة نمو مخيف هذا وفي تقرير آخر أعدته لجنة حقوق الإنسان والحريات والمجتمع المدني بمجلس الشورى أوضحت البيانات أن عمالة الأطفال تنمو بشكل متسارع وبمتوسط سنوي يقدر ب3% سنويا الأمر الذي يؤكد فداحة الأخطار التي تتهدد الطفولية جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية , وفي سياق متصل أفادت دراسة صدرت عن وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بأن عدد عمالة الأطفال في اليمن ارتفع خلال العام الأخير حوالي (700) ألف طفل من حوالي (400) ألف طفل كانوا يعملون عام 2000م في مهن لا تتناسب مع أعمارهم. تهريب الأطفال واقع مؤسف يأتي ذلك في الوقت الذي يتم فيه تهريب مئات الأطفال سنويا إلى دول الجوار لاستغلالهم إما كأيدي عاملة رخيصة أو في أعمال وممارسات غير شرعية ولا أخلاقية وحسب إحصائية لمنظمة اليونسيف فقد بلغ عدد الأطفال اليمنيين الذين وصلوا إلى السعودية نحو (50) ألف طفل يمني , وأوضحت دراسة خاصة عن تهريب الأطفال اليمنيين إلى السعودية نفذتها المنظمة أن حوالي 74% من الأطفال اليمنيين يجدون عملاً بمجرد وصولهم وأن 35% فقط منهم يعثرون على سقف يحتمون به بينما يعيش البقية أي حوالي 65% منهم في الشوارع ويتجهون إلى التسول وقال التقرير إن تجارة الأطفال في اليمن تجري 81% منها بموافقة الآباء لكن 59% منها تتم دون رغبة الأطفال أنفسهم , وكل ذلك حقائق تبين ما تلحقه الأوضاع الاقتصادية السيئة من أضرار وتهديدات على حاضر ومستقبل الأطفال في اليمن . كفى بالفقر هما شاغلا من جانبها أكدت الدكتورة عفاف الحيمي أستاذ علم الاجتماع المساعد بكلية الآداب جامعة صنعاء “أن الأطفال هم أول ضحايا الفقر الذي لا يؤثر عليهم فحسب بل وعلى أسرهم أيضاً وينعكس ذلك سلباً على المجتمع الذي يعيشون فيه إذ تصبح تلبية احتياجات الأسرة وبأي وسيلة هو همها الأكبر وعندئذ يغيب التفكير بالقيم والمبادىء وتربية الأطفال تربية سليمة , وينتج عن ذلك الزج بالأطفال إلى مهاوي العمالة أضف الجانب الآخر من الانحرافات المختلفة إضافة إلى الضياع , مضيفة أن استفحال ظاهرة انحراف الأطفال في السنوات الأخيرة هي من المشاكل التي يتطلب الوقوف أمامها والناجمة عن صعوبة الحياة المعيشية في المجتمع اليمني , وقالت:«إن هذه الظروف الاقتصادية الصعبة قد أثرت بشكل سلبي على الأطفال ,وصنعت تربة خصبة لازدياد رقعة انحرافاتهم 'كما أن تراجع ادوار مؤسسات التنشئة الاجتماعية وتفكك الأسرة وضعف دور المدرسة ووسائل الإعلام المختلفة قد ألقت بظلالها على وعي وتصرف الأطفال». وأضافت الدكتورة الحيمي «إن الكثير من انحرافات الأطفال في اليمن هي نتيجة الفقر والعوز وصعوبة الحياة الاقتصادية , مشيرة إلى أن السرقة هي أكثر الانحرافات انتشاراً بين الأطفال بالإضافة إلى الأمراض الاجتماعية الأخرى التي تنعكس على مستقبلهم بشكل سلبي .