تعاني مدينة تعز منذ خمسين يوماً أزمة مياه حادة, دفعت الجميع صغارا وكبارا إلى حمل المستوعبات البلاستيكية ومغادرة المنازل, متنقلين بين الحارات والشوارع تحت حر شمس الصيف بحثاً عن الماء، وأخذت الطوابير تصطف لساعات أملا في الحصول على عشرة لترات من المياه يواصلون بها المعيشة. أصبح التفكير بمظهر نظيف ضرباً من الترف لدى سكان مدينة تعز وضبط الجميع إيقاع حياتهم على تحديات الافتقار للماء, يرتدون الملابس أطول مدة ممكنة قبل تغييرها, يستعملون الأواني بقدر, ويغتسلون بقدر, كل شيء بات خاضعا لمعايير شحة الماء. أما الراحة فقد أصبحت في حكم المحرمات, حيث يعود الآباء من أعمالهم ظهراً ليخرجوا مباشرة حاملين الأوعية في مهمة التزود بالمياه التي يجند لها جميع أفراد الإسرة، مصطفين في طابور طويل أمام أول حنفية تضخ المياه. خارج السيطرة الأمرلايخلو في طوابير الماء من بعض التداعيات, فقد يؤدي الاحتكاك بين المتزاحمين أمام حنفية المياه, إلى حدوث اشتباكات بالأيدي بينهم ينتج عنها إصابات لتتحول هذه الأحداث الى قضايا جنائية منظورة أمام الأجهزة الأمنية والقضائية. حتى المساجد المساجد ليست أفضل حالا من المنازل, رغم أن دور العبادة تتمتع بماء خاص وشبكة مواصير لا علاقة لها بالمؤسسة المحلية للمياه, إلا أن مصادر مياه الجوامع توقفت هي الأخرى بتزامن مثير للريبة مع توقف مياه المؤسسة المحلية، مما أدى إلى حرمان الناس من أقرب فرص الإغاثة والتخفيف من ضراوة الأزمة. بنقص (178) عن المعدل العالمي يبلغ معدل استهلاك الفرد من المياه بمدينة تعز (22) لترا في اليوم الواحد, بحسب دراسة المخطط التنموي الشامل، التي أجريت للمدينة في العام(2005)م, بينما تفترض المعايير العالمية معدل استهلاك الفرد ب(200)لتر يومياً , كما أظهرت الدراسة أن (57 %) من مساحة المدينة غير مغطاة بخدمات المياه. احتجاجاً على الجفاف غياب الماء أوجد حالة من التذمر والاحتجاج بين المواطنين, ففي بعض الأحياء قام الأهالي باحتجاز سيارة الطوارىء التابعة للمؤسسة المحلية للمياه, وهي الجهة الوحيدة المسئولة عن توفير الماء في مدينة تعز، ولم يفرجوا عن السيارة حتى تم وعدهم بإيصال الماء سريعاً جداً, وفي أحياء أخرى تجمهر المواطنين وقطعوا الطريق, احتجاجا على ما وصفوه (تجاهل مؤسسة المياه المتكرر لنداءات الاستغاثة المتكررة التي توجهوا بها للمؤسسة) ولم يفض الأهالي اعتصامهم إلا بعد أن حصلوا على وعود مؤكدة بفتح المياه لهم في اليوم الثاني. لكن الكثير من المواطنين الذين التقينا بهم في أحياء مختلفة من مدينة تعز أبدوا استياء من الطريقة الالتفافية التي تقوم بها المؤسسة لمعالجة حالة السخط بين المواطنين مستخدمة ما قال عنه المواطنون( الوعود الكاذبة بدلاً من القيام بحلول حقيقية وإيصال الماء). ذرائع مرفوضة وأشار المواطنون الى أن المسئولين في المؤسسة يواجهون شكاوى المواطنين بحجج من نوع أن المؤسسة تفتقر للوقود اللازم لتشغيل مضخات الماء، أو أن أهالي حارة كذا لايسددون فواتير استهلاك المياه, وهي حجج لايرى فيها المواطنون مبرراً كافيا لقطع المياه عنهم إلى مدة طويلة تصل إلى شهرين. الوقود أكثر من الماء في المؤسسة لكن مصادر على علاقة بالموضوع في شركة النفط بتعز , قالت لنا إن حصة مؤسسة المياه من الوقود تسير بشكل طبيعي, ودون أي تأخير أو نقص, بينما أشار بعض العاملين في المؤسسة إلى أن المؤسسة ما زالت تمنح كميات من البترول لشخصيات من خارج المؤسسة من باب المجاملة. خيبة أمل عودة المياه إلى حنفيات المنازل بعد انتظار طويل في بعض الأحياء, أصاب المواطنين بخيبة أمل, فقوة دفع المياه كانت أقل من الاحتياج المتراكم في البيوت, والمياه لم تتجاوز الأدوار الأرضية, بينما بقيت المساكن الواقعة على المرتفعات في نفس ألأحياء بدون ماء. أما الخزانات فلم تمتلئ بالقدر الكافي الذي يوفر للناس احتياطا آمنا حتى موعد عودة الماء مرة أخرى, خصوصاً أن شهر رمضان على الأبواب واستهلاك الماء يزداد خلال هذا الشهر. وقد أدت عودة الماء بهذا الشكل الباهت إلى خلق حالة من التشاؤم بين المواطنين حول مدى استعداد مؤسسة المياه لمواصلة خدماتها بالشكل الاعتيادي. مشاكل إدارية سببت الأزمة مصادر مطلعة داخل مؤسسة المياه كشفت لنا أن جزءا كبيرا من مشكلة انقطاع المياه يعود لأسباب داخلية تعاني منها المؤسسة يتمثل أول هذه الأسباب في إقدام إدارة المؤسسة بالاستغناء عن (15) عاملاً في آبار منطقة الحيمة, واستبدالهم ب(15) موظفاً جديداً على أساس أن الموظفين الجدد أصحاب أحقية؛ كون الأراضي التي تقع عليها الآبار مملوكة للموظفين الجدد, مما أثار غضب العمال القدامى ودفعهم إلى تفجير محولات الكهرباء الخاصة بتحويل المياه من تلك الآبار, وقد أدى ذلك إلى انخفاض كمية المياه الواصلة من آبار الحيمة من (280) مترا مكعبا يومياً إلى (80) مترا مكعبا في اليوم. عمال الماء بلا أجور يأتي ذلك في الوقت الذي يعاني فيه العاملون في المؤسسة من حالة إحباط ناتجة عن تأخر صرف أجور الأعمال الإضافية منذ تسعة أشهر، وقد تمثلت إحدى صور ذلك الإحباط بتقاعس العاملين عن تشغيل مضخات المياه والبقاء بجانبها عند انقطاع التيار الكهربائي خارج أوقات الدوام الرسمي, كما أن الموظفين في المؤسسة لم يتسلموا سوى نصف راتب شهر يونيو المنصرم. أسباب أخرى وإلى جانب الأسباب الداخلية الحاصلة داخل المؤسسة, والتي وصفت من قبل مصادر مطلعة داخل المؤسسة (بالسبب الرئيسي) لحدوث أزمة المياه، هناك أسباب خارجة عن السيطرة, وهي حالة الاضطراب الأمني التي تعايشها مدينة تعز هذه الأيام والتي أدت بدورها إلى الحيلولة دون تمكن المؤسسة من إرسال شحنات الوقود اللازمة إلى تشغيل الآبار في حال توقفت الكهرباء, وكانت إدارة المؤسسة قد توصلت إلى اتفاق مع عدد من الشخصيات القبلية, الذين تعهدوا بمساعدة المؤسسة من أجل الاستمرار في تشغيل الآبار في مناطقهم, وقد سرى الاتفاق لعدة أيام, ثم ألغي الاتفاق لأسباب غير معروفة.