أدّى ملايين اليمنيين أمس صلاة جمعة “حب الوطن من الإيمان” في الساحات والميادين العامة بأمانة العاصمة وعموم محافظات الجمهورية. وفي خطبتي صلاة الجمعة بجامع الصالح بالعاصمة صنعاء حثّ خطيب الجمعة فضيلة الشيخ حسين الهدار كافة أبناء اليمن على الاعتصام بحبل الله تعالى ونبذ الخلافات والاحتكام إلى كتاب الله وسنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم عملاً بقوله سبحانه وتعالى: “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا, واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها, كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون”.. وقوله عز وجل: “يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً”. وأوصى الخطيب الهدار الجميع بتقوى الله عز وجل باعتبارها وصية الله للأولين والآخرين قال الله سبحانه وتعالى: “وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا” إذ جعل القربى إليه بالتقوى ولم يجعله بحسب ولا بنسب ولا بجاه ولا بمنصب فقال: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. وقال: “لقد أقسم الله عز وجل في يوم العرض عليه أنه لابد من دخول النار لكل الناس، أما المؤمن فيخرج منها ولا يحترق أبداً، وأما الفاسد والكافر والعاصي فيبقى فيها يحترق إلى أن يشاء الله قال تعالى: “وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا”. وأضاف: “ونحن في جمعة حب الوطن نستمع إلى الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام حينما قال: “حب الوطن من الإيمان” وأن الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حينما خرج من مكة مهاجراً التفت إلى مكة وقال والله إنك لأحب البلاد إليّ, ولولا أن أهلكِ أخرجوني ما خرجت، فحب الوطن من الإيمان”. وتابع: “نعيش ويعيش معنا كثير من دول العالم في فتن وصفها الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتنبأ بها فقال “فتن كقطع الليل المظلم، قيل فما المخرج منها يا رسول الله, قال كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدي في غيره أضله الله”. وتساءل خطيب الجمعة: ما المخرج من هذه الفتن يا عباد الله؟ تحكيم كتاب الله تعالى والتشاور والرجوع إلى طاولة المفاوضات, قال الله عز وجل: “وأمرهم شورى بينهم”، وقال: “وشاورهم في الأمر”. مبيناً أن أهمية الحوار تأتي حينما أمر الله تعالى به وقال لحبيبه صلى الله عليه وسلم بأن يحاور الكفار، قال سبحانه: “قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ, قُلِ اللَّهُ، وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ”. ومضى قائلاً: “اجلسوا إلى الطاولة واستمعوا إلى بعضكم وتشاوروا في الحكومة والمعارضة والمشائخ والعلماء وأهل الحل والعدل للخروج بالوطن من هذه الفتنة والأزمة التي عصفت بالجميع”. متسائلاً: هل ذهبت الحكمة اليمانية للخروج بالوطن من هذه الفتنة التي أكلت الأخضر واليابس وقتلت النفوس وقطعت الطرق وأخافت الآمنين وارتفعت أسعار المواد الغذائية وقطعت المشتقات النفطية, أين أهل الحل والعقل الذين يصلحون ولا يفسدون, قال الله عز وجل: “لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ, وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا”. وأوضح أن حصاد هذه الفتن هو قتل النفس المحرمة, والله يقول في كتابه العزيز: “ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا” وفي حديث عن الرسول: “من أعان على قتل رجل مسلم ولو بشطر كلمة كُتب بين عينيه آيس من رحمة الله” وفي حديث: “لايزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً”. وذكر خطيب الجمعة أن من مسببات الفتن قطع الطريق وإخافة الآمنين ونهب الأموال.. والحبيب صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال يوم الحج الأكبر: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت”. وقال: “يا من تقتل النفس خسرت وخنت الله ورسوله وخنت وطنك، أنت يا من تقطع الطريق خنت الله ورسوله وخنت وطنك، كم من أناس ذهبت زراعتهم جراء نقص المواد البترولية, كم من أناس يبيتون في الظلام, هل إن الله تعالى ساكت على هذه الجرائم؟! كلا لكن الله يؤخرهم حتى إذا أخذ الظالم لم يفلته، يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ” جزاؤهم ذلك اليوم، يوم الحساب والعقاب “يوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ”. وأضاف: “إن يوم الحساب حينما يتفرق الإنسان عنه أحبابه وأصحابه وخلانه، ويبقى وحيداً فريداً أمام الملائكة قال سبحانه وتعالى: “يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ” فيا من قتلت النفس وقطعت الطريق وتسببت في قطع الغاز والنساء والأطفال يضجون إلى الله بحالهم، يشكون إلى الله بهذه الجرائم، قال الله تاركاً لك هذه المظالم كلا وألف كلا: “لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً”. وتابع: “ينبغي عليك أن تعلم أن حساب الآخرة منتظر لك، بمجرد أن تموت وأن تنتقل روحك إلى عالم البرزخ, قال الله سبحانه: “فَلَولا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُون، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ، فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ، تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِين ، فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ، فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ, وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ، فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ”. واستطرد: “هذا عقاب الآخرة ينتظرك يا من تفعل هذه الأفاعيل، عقاب في الدنيا يا من قطعت الطريق ولابد أن تخاف ويخاف أهلك وأولادك، يا من قتلت لابد أن تقتل، يا من نهبت لابد وأن يحصل لك مثل ما عملت في الدنيا قبل الآخرة، أخبرنا بذلك الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام وهو الذي لا ينطق عن الهوى إنه هو إلا وحي يوحى عندما قال: “البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت؛ اعمل ما شئت, كما تدين تدان”. همسة في آذان التربويين والمعلمين عن أنها مهنة الأنبياء والمرسلين وطريقة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه الذي أنزل عليه ربه جل وعلا: “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي, وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ”. وقال: “إن النشء والشباب عماد الأمة ونصف الحاضر, ولا يستطيع العالم أن يعلم إلا إذا تعلم، لا يستطيع الطبيب أن يؤدي عمله إلا إذا تعلم، ولا يستطيع المهندس, وحينما يبتعد الإنسان عن هذه المهنة وهو محسوب عليها ويترك فلاذت الأكباد الناس تائهين وبعيدين عن العلم، ترى هل خان الأمانة التي قال الله عنها: “إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا”. وأضاف: “مسكين ذلك المعلم الذي ترك موقع عمله وترك أبناء وأفراد الناس يتيهون في الضياع، ربما أتى آخر العام وهم لا يعلمون شيئا، ربما يتقدمون للامتحانات أو يهربون منها, وربما غشوا في الأجوبة وطلع ذلك العالم، عالماً فاشلاً أو ذلك الطبيب أو ذلك المهندس فاشلين، والسبب هو المعلم أو المدرس الذي يعلم الأجيال”. وتابع: “إن المرتب الذي تأخذه أيها المدرس حرام، وإن لم تأخذه ورجعته إلى الدولة فإنك مازلت خائناً للأمانة التي أوكلت إليك، لأنك تحملت الرسالة ولم تؤدها كما يجب، وينبغي علينا جميعاً أن نرجع إلى الله ونتوب إليه من جميع الأخطاء والذنوب ونسأله التوفيق في كل أعمالنا”. وتوجّه خطيب الجمعة بالدعاء إلى الله تعالى أن يصلح الأمة ويهديها ويوفقها إلى كل خير ويرزقها التآخي والإخلاص والتراحم والحوار بينها حتى تخرج من الأزمة والفتنة التي اُبتليت بها”. داعياً الجميع في الحكومة والمعارضة والعلماء والمشائخ وأهل الحل والعقل إلى أن يتقوا الله ويخرجوا اليمن من هذه الأزمة التي طحنت الضعفاء والمساكين وتوسعت أسبابها على الكل دون استثناء. واستعرض فضيلة الشيخ الهدار فضائل شهر رمضان الكريم وشمائله العظيمة وما أعدّه الله تعالى للصائمين من فضل وأجر وثواب.. متسائلاً: هل كنت منهم أيها الرجل المسلم وجعلك الله من عتقائه وطلقائه, وهل كان شهر رمضان شاهداً لك أو شاهداً عليك؟!. ولفت إلى أن الجميع يعلم أن الله تعالى أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت, وألف سنة حتى ابيضت, وألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة ولا يستطيع الإنسان عليها، إذ هو لا يستطيع الصبر على نار الدنيا, قال الله تعالى في شأنها: “يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد”. وبيّن أن معيار الفوز والنجاة من النار هو بالزحزحة عنها يوم القيامة قال سبحانه: “فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور”، وأن رمضان شهر مجاهدة النفس والانتصار عليها وكبح شهواتها وجبروتها وحقدها وبغيها, والله تعالى اختار صفوة من خلقه جاهدوا أنفسهم وفي مقدمتهم المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير. وتساءل خطيب الجمعة: هل ابتعدت عن الأحقاد والضغائن والحسد والبغضاء أيها المسلم, هل نبذت الأوساخ المعنوية وتحليت بالأوصاف الدينية, هل امتلأ قلبك بمحبة الله ورسوله ومحبة الصالحين ومحبة كل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله, هل وصلت من أمرك الله بصلته, هل ابتعدت عن من أمرك الله بالابتعاد عنه, هل جعلت المعيار إرضاء الله تعالى؟.