كانت تمشي وكأنها تطير بجناحي الفرحة.. كل شيء جميل بعينيها, كل ما وقع عليه نظرها كانت ترى به حسناً وجمالاً تزينهُ لها الفرحة وتزخرفهُ السعادة, كأنها في حلمٍ جميل.. لم تكن تصدق أنهُ لم يعد يفصلها عن تحقيق حلمها الذي طالما راودها في الصحو والمنام إلا أسبوعاً.. ويجمعها بفتى أحلامها بيت وسقف. وبينما هي في عالمها العرائسي السعيد.. قطع عليها خيالها المترجم لأحلامها ذئب من ذئاب ُالبشر..هجم عليها واجترها إلى سيارته وهي تصرخُ وتستنجد... ولكن هيهات أن يسمعها أحد فذلك شارعٌ فرعي قلما يمر به أحد.. وتلك المنطقة خالية إلا من سورين طويلين أحدهما لمقبرةٍ والآخر لحديقةٍ قيد الإنشاء. وبعد ثلاثة أيامٍ قضتها فاقدة الوعي بسب المخدر الذي كان يحقنها بهِ كلما انتبهت وبدأت في الصراخ.. أعادها إلى نفس الشارع الذي تغير في نظرها إلى قبح ٍوبشاعة في حين لا تعرف ما حدث لها في تلك الأيام الثلاثة.. بل لا تعرف حتى عددها, لكن يبدو أن شيئاً ما قد حدثْ. انقلبت نظرتها للحياة.. كل ما كانت تراهُ جميلاً صارتْ تراهُ شديد القبح. تُرى كيفَ تتصرف؟!. وأين تذهب؟! وماذا عن حفل العرس؟! تُرى كم تبقى لموعدهِ؟ أم أن موعدهُ قد فات؟!! ثُم كيف ستواجه أُسرتها وأسرةَ عريسِها المُنتَظر والناس جَميعاً؟!!. تساؤلات عصفت بها واثقلت رأسها وكاهلها.. أحستْ بدوارٍ شديدٍ وانسلاخ من الحياة ِوالناس.. كُلما تذكرتِ العُرسَ الذي صار كابوساً مُروعاً بَعد إذ كان حلماً وردياً جميلاً, وبؤساً بعد إذ كان سعادة, وحُزناً بعد إذ كان فرحاً.. أظلمت الدنيا في وجهها وازدادتْ سواداً وعُتمَة. بعد تخيلاتٍ وتساؤلاتٍ يكتنفها الغموض, وتصبغها الهموم بصبغةٍ سوداء قاتمة استقلت من فورها سيارة أجرة واتجهت إلى مدينة ساحِليةٍ مجاورة.. ترافقُهَا الدموعُ التي كانت أغزرَ من المطر, وأجرى من السيل.. لاحظ السائق ذلكَ فظنَ أنها رُبما فقدتْ قريباً, أو عزيزاً أو لعلهُ أحد والديها وهي في طريقها لإلقاء النظرة الأخيرةَ عليه, وعند وصولهما المدينة طلبت إليهِ إيصالها إلى شاطِئ البحر.. نفذ دونَ التفوه بكلمةٍ واحدة.. وأمام البحر خلعت ما معها من خواتم وأقراط وأعطتهنَّ لهُ.. واتجهت إلى البحر!!. أثار تصرفها استغرابهُ واندهاشهُ, كما أثار فُضولهُ فبقي على حالته يراقبها في حين تزدادُ توغلاً.. وعندما أيقن من أنها تُقدم على الانتحار هرعَ إليها ليحول بينها وما هي مقدمةٌ عليه.. قاومته.. كأنما هي مُقبلَةٌ على الجنةِ وهو يمنعُها عنها. وبينما هُما على ذلك الحال تمكن من إقناعها بتركها وما تشاءُ إن عَجِزَ عن مساعدتها.. حكت لهُ القصة فهدأ من رَوعِها, وأقنعها بقدرتهِ على معالجةِ الأمر, وطلب منها العودة إلى منزلهِ كأختٍ لهُ ولزوجهِ واعداً إياها ألا يَعرِفَ أمرها أحد حتى ينتهي من معالجةِ الأمر. عندما وصلا إلى البيت كانت زوجتهُ بانتظاره.. أخبرها أن معه ضيفاً.. وعندما دخلت ضيفتهُ قطبت الزوجة جبينها ظناً منها أنها إحدى قريباته اللاتي لم تزره أيُّهن مُنذ تزوج لعدم مباركتهنَ ذلك الزواج, وما إن سمعت أنها يتيمة مسكينة ستبقى لديهم أياماً قلائل وأنها لا تمتُ إليهِ بصِلةِ قَرابةٍ حتى بدأت بالصراخِ والعويل.. حاول تهدئتها وإسكاتها دون جدوى.. اتصلت بأخيها الذي سارعَ بالمجيء, وما أن سمع افتراءات أختهِ على زوجها وتلك المسكينة حتى اتصلَ بالشرطةِ, وتلك الفتاة في مكانها ذاهلةً خائفة.. فما حدث ويحدثُ سيفضحُ أمرها الذي حاولت ْإغراقهُ ودفنهُ وإياها لولا ذلك الرجل الذي يقف الآنَ أمامها مكتوفَ اليدينِ مُتَسَمِرَ القدمين. وصلت الشُرطةُ على الفور.. سمع ضابط الشرطةُ اتهامات المَرأة لزوجها بالفحشِ والمجون ِإلى حد إحضارِ العاهرات ِإلى منزل الزوجية َأكثر من مَرة مُدعية الصبر من أجلِ أبنائِها الخمسة, إلا أنها ضاقت ذرعاً ولم تَعُد قادرةً على التحمل أكثرَ من ذلك. قُبِضَ على الزوج ِوالفتاة وما هي إلا أيام حتى انتشرَ الخبرُ وصارَ حديثَ الصحافة ووصل إلى مسامع والدها الذي صعقه ذلك.. فهم يبحثون عنها منذ أربعة أيام ٍدون جدوى.. إذاً لابُد أنها كانت معهُ.. الخائنة... وأخذتِ التحقيقات مجراها وتم فحص الرجل والفتاة وهنا وقعتِ الطامة حدثَ ما لم يكن مُتَوقعاً أبداً.. فالرجلُ عقيمٌ ولا علاجَ لهُ.. لكن كيفَ ذلكَ ولديهِ خمسةَ أبناء؟!!. أما الفتاة فقد اِتضحَ أنها ما زالت عذراء!!. اِتخذتِ القضية منحىً آخر حيثُ أصبحت الزوجةُ في قفص الاتهام وتمَ القبضُ على الذئبِ الذي اختطف الفتاة, واتضح عدم قدرتهِ على معاشرةِ النساء لكنهُ كانَ يتلذذ بامتلاكهن فقط.. إرضاءً لرغباتهِ النفسية المريضة. وظهرت براءةُ الفتاة والرجل الذي كشفَ حقيقةَ زوجته وخيانتها, وعادت الأحلامُ ورديةً كما كانت.. لكن الأمرَ كان عصيباً...