تمر الأيام وتدور الفصول، الحياة فصول، ولكل فصل خصائصه.. الأرض موعودة بالحياة، والحياة ماء وأكسجين، وكائنات، وزهور.. الربيع زهور، وعمتي زبيبة ضيف عزيز تنظرها سندس في كل ربيع، بعين هنا، وأخرى وهناك وجدتها تحبو على زجاج النافذة .. ارتسمت البسمة على وجهها، واقفة وعينها عليها من خلق الزجاج.. وفجأة صرخت.. صرخة مكبوتة، مغايرة لم تصرخ مثلها، كما كانت في كل ربيع سبقتها دمعتان تتدحرجان على خديها ثم قالت: عمتي ليتك لم تأت.. فتحت الزجاج، طارت عمتي، وحطت على يدها فيها ما بسندس من شوق.. تتأملها، تصعد.. غابت عنها للحظات، عادت بعده على أنفها.. للحظات وعينها عليها، كأنها تستريح من عناء الصعود، هنية طال أمدها وعينها عليها.. عين لم تتعب، ولم يتحرك لها جفن تحتفي فجأة عن عينها تحس بها تصعد، وهي تحط على جبهتها لهنية أخرى لم يطل مداها.. قفزت لتحط على عينها اليمنى.. لم يتحرك لسندس جفن عن مراقبة عمتي زبيبة أغمضت جفنها، وقد حطت على حدقة عينها.. استرخت سندس على ظهرها أغمضت عينها اليمنى، وفتحت الأخرى.. عين تشاهد بها الدنيا، وعين تخبي بها عمتها زبيبة.. السعادة تغمرها.. سعادة لم تعرفها، فحبيبتها تستريح على حدقة عينها لأول مرة تفعل عمتها هكذا.. عين تشاهد بها الدنيا وعين أخرى.. لحظات قليلة، حتى أصبحت عين تحلم بها.. نصف يعيش الواقع، ونصف يحلم.. عين على صورتها المعلقة على الحائط وعين عليها وهي تسمع عمتي زبيبة: لماذا تمنيت أن لا آتي؟ حتى لا تشاهدي وتسمعي ما يجري حولنا. حولكم أين؟ حولنا.. هنا، وهناك. لا أستطيع، مادام العنب، فأنا الزبيب، والزبيب من العنب. لن يعود العنب عنباً وما حولنا هكذا. ذلك ذنبكم. أنا مثلك فالذنب ليس ذنبي. مادام الأمر كذلك.. ليس ذنبك، ولا ذنبي، فلماذا تمنيتي؟! أخجل منك أن تشاهدي وتسمعي.. أشعر بأننا لا نستحقك. يكفي بأنك تستحقين.. ضقت من سجنك، افتحي عينك. تسمي عيني سجناً السجن سجن فهيا افتحي.. فتحت عينها.. طارت (محومة) حولها .. تذهب، وتعود عمتها زبيبة.. تذهب بميقات، وتعود بميقات، ولن تعود إلا إذا تغير ناموس الحياة.. الحياة تتجدد بعودة عمتها زبيبة.. تحوم حولها وعينها عليها.. العنب قادم مادامت عمتها، عادت ولن يردها راد.. تطير بعيداً عنها تنهض بعدها وعينها.. دخلت غرف البيت.. عادت وحطت على رأس سندس.. لحظات، وقفزت قفزة واحدة لتحط على نيتي عينها.. أغمضت عينها سمعتها تقول: لم يتغير شيء في بيتكم.. كل شيء كما هو فماذا تغير فيك؟ وماذا تغير فيك ياعمتي؟ أنا أتجدد كل عام.. أعود إليكم شباباً. فما الذي تغير في حياتكم؟! زاد عمري سنة.. يزيد سنة عن سنة، وقد تعودين، ولا تجديني. إذا عدت في سنة ما ولم أجدك فسأجد غيرك الحياة تستمر بك وبغيرك وبي فقط مادام العنب.. فما الذي تغير في حياتك؟! حياتي كما هي، ولا أريدها أن تتغير، قد تتغير إلى الأسوأ. لابد من التغيير، وإلا تصبح حياتك مملة، ومتخلفة. قلت أخشى أن تتغير إلى الأسوأ. هيا افتحي عينك فقد تعبت. تضعين نفسك وتتعبين. وضعت نفسي، علني أجد ما يفرحني. قلت: ليتك لم تأتِ. هيا افتحي عينك. وأين ستذهبين؟ أنا في كل مكان.. ضحكت عمتها تارة وتبكي تارة أخرى.. ضحكت عليها وتبكي عليها أن يجتمع الضحك والبكاء الكارثة بعينها احتارت في أمرها، وتخشى أن تفتح عينها وتفارقها.. صرخ فيها، فقد كفت عن الضحك والبكاء: قلت افتحي عينك.. فتحت عينها، كانت صرختها كافية لأن تفتح عينها.. قذفت بنفسها، كأن عينها بركان نفث بحممه. اختفت عمتها فجأة كما ظهرت فجأة.. تجري كالمجنونة.. فتحت شباك النافذة علها تشاهد عمتها.. اختفت، فهل تعود العام القادم؟!