يموت المصابون بالإيدز من النفور المجتمعي قبل أن يفتك بهم المرض، ويبدو أن كل المحاولات الرامية لحث المجتمع لتقبل المتعايشين مع الإيدز تبوء بالفشل, حيث إن قوة التقاليد في مجتمع محافظ مثل المجتمع اليمني تبقى أكثر تأثيراً من مساعي تغير النظرة الدونية تجاه مصابي الإيدز, وهو الأمر الذي يجعل من الإصابة بالإيدز مرضا يجب التستر عليه خوفاً من العار، وقد تسبب هذا التكتم من المصابين بانتشار الإيدز بحسب المختصين مثلما تسري النار في الهشيم. هناك الكثير من الآلام تتسبب نظرة المجتمع في الكثير من المعاناة للمصابين بمرض الإيدز، حيث تقول سهام أحمد حيدر مدربة توعية حول مرض الإيدز: المصاب بالإيدز يتعرض لمشاكل كثيرة معقدة تصل إلى حد القتل مرورا بالطلاق والنبذ الأسري, والفصل من العمل, وغير ذلك من المشاكل. والحكايات الإنسانية المؤلمة التي يعانيها مرضى الإيدز كثيرة, فمنهم من يختار الموت إضراباً عن الطعام بدافع شعور من ألإحباط, ومنهم من يختار الفرار بمرضه خوفاً من نظرة المجتمع ولا يلجأون إلى المستشفيات إلا بعد أن يكون مرضهم غير قابل للمعالجة, وهناك أسر تتعرض للمقاطعة بالكامل؛ لأن فرداً من أفرادها مصاب بالإيدز. مشكلة الحل ونظراً لحجم المشاكل الكثيرة التي يواجهها المصابون بالإيدز يتخذ المعالجون من السرية حول الإصابة وسيلة لحماية المصابين, إلا أن هذه السرية تمثل تحدياً "كبيراً جداً وعائقاً" على حد تعبير الأخت سهام في عملية مكافحة الفيروس والحد من انتشاره. مصادفة الإيدز في برميل قمامة لم يكن يخطر في ذهن الشاب ع.ع ل. أنه سيصبح في يوم من الأيام مريض إيدز فالجميع يشهد له بالاستقامة الأخلاقية, لكن الأقدار كانت تخبئ للشاب المسكين الإصابة بالإيدز في أحد براميل القمامة حيث كان الشاب .ع. يعمل في جمع البطاريات الجافة من بين المخلفات، وبيعها عندما باغتته وخزة في الأصبع لم يعرف مصدرها, مص الشاب الدم النازف من أصبعه ومضى يكمل حياته ليكتشف لاحقا بالمصادفة أثناء تطوعه لتبرع بالدم أنه مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز). وضع الشاب .ع. يختلف عن بقية مصابي الإيدز فهو يتمتع إلى حد ما بالاستقرار وتقبل المجتمع, وهو أمر يقول عنه الشاب .ع.: إن له الفضل في استقرار حالته؛ كونه لم يضطر إلى الفرار وبقي يستخدم الأدوية الخاصة بالمرض، مشيرا إلى أن هذه مسألة يفتقر لها غالبية المرضى الذين يفرون خوفا من وصمة عار الإيدز ويضطرون للتشرد مما يحرمهم فرصة تلقي الرعاية الصحية البسيطة المتوافرة. التوعية غير مثمرة وعلى ما يبدو أن كل الجهود المبذولة لتوعية المجتمع من أجل تقبل مريض الإيدز لاتزال قاصرة سواء كان ذلك في استيعاب حجم ثقافة المقت الذي يكنه المجتمع لمريض الإيدز، أو على صعيد التحركات المبذولة للتخفيف من حدة الرفض الذي يواجهه مريض الإيدز من محيطه المعيشي، والسبب في ذلك يعود بحسب مدربة التوعية سهام حيدر"إلى الاعتقاد الراسخ لدى المجتمع بأن مرض الايدز لا ينتج إلا من سلوكيات أخلاقية فاسدة. بدليل الجمعية المغلقة لكننا في مقابل الرفض القاسي الذي يتعرض له مريض الإيدز نجد التحركات اللازمة لمساعدة المصابين في مجتمعاتهم المحلية منعدمة, حتى الجمعية الأهلية الوحيدة التي وجدناها تعمل في مجال الإيدز بمدينة تعز وهي الجمعية اليمنية للوقاية من الايدز مغلقة في جميع الأوقات, و الجمعية المقفلة ما هي إلا مؤشر حول مستوى التفاعل الغائب مع قضية الايدز في محافظة تعز. يولدون منبوذين الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يعانيها مريض الإيدز, انعكست بدورها على القطاع الصحي, فالتمييز ضد مرضى الإيدز لم يستثن حتى الأطفال الرضع في المستشفيات, فقد طردت امرأة حاملة للفيروس مع رضيعها من المستشفى اليمني السويدي, بسبب إصابة الأم بالإيدز، مما أدى إلى حرمان الطفل من الرعاية الصحية ووفاته, وكل ذنبه أنه ولد من أم مصابة بالإيدز, دون أن تثبت إصابة الطفل. وهذه القصة ليست سوى عينة من المآسي التي يواجهها مرضى الإيدز في المرافق الصحية التي يفترض أن تمثل الحضن الآمن للمرضى أياً كان مرضهم. الهروب خوفاً من الفضيحة يقول العاملون في قسم الباطنية بالمستشفى الجمهوري بتعز وهو القسم الذي يستقبل المصابين بالإيدز: إن معظم الحالات تفر عند معرفة إصابتها بفيروس نقص المناعة المكتسب الإيدز, وإن معظم المصابين يفضلون عدم إهدار سمعتهم مقابل خدمات صحية لاتستحق التضحية بسمعة المصاب. وأشار عدد من العاملين في القسم نفسه أن وضع مصابي الإيدز في عنابر مختلطة مع المرضى الآخرين يشكل خطورة على مريض الإيدز بسبب نقص المناعة, ويشكل أيضاً خطراً على المرضى الآخرين. إهمال في المرافق الصحية وأفاد بعض ألأطباء والممرضين في قسم الباطنية في المستشفى الجمهوري أن مرضى الإيدز يواجهون الإهمال في المرافق الصحية المختلفة من قبل الكوادر الصحية بسبب المخاوف من إمكانية انتقال العدوى إليهم , والتي قالوا إنهم لا يتلقون أي مكافآت مالية نظير ما يتعرضون له من مخاطر أثناء التعامل مع الحالات المصابة بالإيدز, مما جعل غالبية العاملين في القسم أقل اهتماماً بالحالات المصابة بالإيدز, واعتبروا أن البرنامج الوطني للإيدز في المحافظة مقصر في متابعة الحالات. أكذوبة المتعايشين يطلق على المصابين بالإيدز(المتعايشون مع الإيدز) لكن يبدو أن هذا التوصيف لاينطبق على المصابين اليمنيين؛ حيث يقضي مرضى الايدز نحبهم خلال زمن قياسي, وقال الدكتور محمد الصبري: إن معظم الحالات تموت بتأثير الإيدز, ونادراً ما يعيشون المدة الافتراضية. وأضاف: إن غالبية الحالات تصل مصابة بمرض (تي. بي) الذي اعتبره المرض المسئول عن وفاة معظم الحالات، وهي حقيقة أكدها الكثير من الأطباء الذين التقينا بهم أثناء بحثنا في مشكلة الإيدز، وقد أرجعوا مسألة الوفاة المبكرة لمرضى الإيدز في بلادنا (إلى تدهور الحالة النفسية للمصاب بالإيدز، والظروف الاقتصادية الصعبة وفقر التغذية الذي يعاني منه غالبية المرضى، وعدم وجود رعاية صحية جيدة). تعز في المرتبة الأولى تحتل محافظة تعز المرتبة الأولى من حيث الإصابة بالإيدز بحسب مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز بمحافظة تعز، ويبلغ عدد الوفيات (12 15)حالة سنوياً، وتفيد مصادر في قسم الباطنية في المستشفى الجمهوري أنها تكتشف بمعدل من حالة إلى حالتين شهرياً، بينما تشير إحصائيات الأممالمتحدة أن هناك عشر حالات مختفية خلف كل حالة مكتشفة. يقول الدكتور عبدالكريم فارع وهو أحد المتطوعين في الموقع العلاجي لمرضى الإيدز في مستشفى الثورة: إن المغتربين يتسببون في حدوث أكثر من نصف الحالات، والذين ينقلون الإصابة لزوجاتهم ويموتون قبل اكتشاف إصابتهم, ولاتعرف إصابتهم إلا بعد اكتشاف الإصابة بالزوجة.