الليل جرس يدق في عالم الأحلام ليوقظ الأحاسيس والمشاعر، فترقص الأمنيات مع الأقدار على مسرح الواقع... هكذا كان في كل ليلة يبدأ رحلته مع الأحلام، ولكنه اليوم دخل إلى أرض الواقع بأمنياته وبدأ ينظم مع أصدقائه مراسيم زفافه، والسعادة ترتسم على ملامح وجهه بعد الحروب والمعاناة التي تكبدها للوصول إلى هذا اليوم. كان يجلس في السيارة التي ستأخذه إلى عروسه كي يأخذها لمملكته والكل كانوا يمازحون طباعه الجلفة ببعض الكلمات، والأهازيج، لكنه كان يحلم فقط كيف يصل إلى عروسه وهو ينظر إلى الأفق البعيد مقلبا صفحا ت ذكرياته الجميلة فاليوم الذي ظل يحلم به أربع سنوات قد تحقق، وبذرة حبه الجميلة أصبحت غرسةً تحتاج لتربة خضراء كي تزرع فيها وها هو اليوم يستعد لقطافها كانت ضحكات أصدقائه تأخذه من ذكرياته فيتحدث معهم ويشاركهم المزاح والضحك حتى يستطيعون نسيان مشقة السفر فالعروس تقطن إحدى المدن التي تبعد عن قرية العريس أربع ساعات، ولكن الحب ولذة الأشواق تجعل المسافة تزداد الضعف ..وحين كانت ترقص السحاب مع السماء وتنشد أغنية الوفاء لتشارك العريس بفرحته و الشمس تراقب تلك الرقصة التي كان يدفئها الحب إلا أنها-ومن كثر خجلها- اختبأت خلف صفحات السحاب وهي ترقب ذلك الحنان الذي تدفق بين السحاب والسماء حتى صارت كلماته قطرات تسكب على بساط الأرض لتكتب شعرا قد لا يتقنه شاعر ... وما إن أخذت تلك القطرات المطرية تداعب موكب العريس حتى تنبه الجميع إليها وبدا كل من يجلس بجانب نوافذ السيارة بإغلاقها كي لا تبعثر قطرات المطر ملابسهم وزينتهم فلعل الكاميرات التي يحملونها قد تترك أثارها للذكريات لتصبح أضحوكة للناظرين إليهم ولكن العريس الذي أصبح يرسم في كل قطرة من قطرات المطر ذكريات حبه وكيف كان ذلك اليوم الذي كتبت فيه الأقدار أنه سيحب وسيعشق بجنون حيث سلبت محبوبته قلبه عندما كان يمر في إحدى الأسواق ورست شباك سحرها على كيان روحه التي اسرت أحلامه وبعثرت كيانه بين السهر والتأمل لصورتها فارتسمت في خياله و جعلته يبحث عنها بل ويتقصى عن كل شيء قد يوصله إلى ديارها، بعد أن عقد عزيمته للتعرف عليها وكلما كانت تمر في الصباح الباكر وهي تحمل دفاترها لتذهب إلى كليتها كان هو يراقبها من إحدى نوافذ الفندق الذي جلس فيه ما يقارب الشهرين ليصل إليها- بل إلى قلبها أولا -واستمرت حالته وهو مراقب مرورها من النافذة ولكن جفاف جيبه جعله يفكر بالرجوع للقرية ولم يكن يعلم أن قيود الطبيعة الريفية ستجعله يفكر كل يوم بمحبوبتة حتى بدأت تدخل إلى أعشاش قلبه ونسجت مسكنها في روحه..... الألم حينها يعصف بأسوار قلبه لكنه استلمك قواه وذهب لاستشارة صديقه الذي كان بدوره يحذره من أن المتعلمات مهرهن مكلف، وسرعان ما سيتكبد عناء الرفض لأنه لا يملك ما يوازي علمها ورغم كل الذي أخبره صديقه به من حقيقةٍ وواقعٍ تدركه العقول المجربة إلا انه لم يتراجع عن قراره واستمر مدافعاً عن وجهة نظر قلبه لتعلو شجاعته كل يوم حتى وصل في إحدى الليالي إلى مصارحة والده بثورة حبه التي يريد أن يلبسها دفء الربيع وأصبح الجميع يحاربه بسيوف الكلمات، ولكن ثورة الحب قويه لاتهدئها إلا خطوط اللقاء المنسوجة على أرض السعادة حين استمد من حبه المتدفق قوةً هائلة لتصدي كل الصعوبات ومع الأيام استلهمته فكرة بأن يذهب لزيارة مدينة محبو بته سائلاً عنها وعن اسمها و....و..... 2 حتى أيقن أن سؤاله عنها أرسى أوتاد حبها في ساحات قلبه وكبر ذلك الحب وتحررمن كل القيود التي أصبحت في يوم عرسه زينة تشاركه الفرحة .... وأرجعته من شريط الذكريات دمعة رست على زوايا عينيه فانتبه لنفسه وللمرافقين له بالسيارة، بعد تنهيدةٍ قويةٍ جعلت كل من حوله يضحك ويمازحه لأنه أفصح عن فقدان صبره عبر ألحان تنهيدته، وعندما ازدادت قطرات المطر سقوطاً بدأت حركة السيارات تبطئ شيئا فشيئاً إلى أن وجد الجميع أنفسهم عند مداخل مدينة العروس التي تنتظر عريسها بشوق ولهفةٍ وزغاريد الحاضرات تداعب آذان المقبلين بفرحةٍ وبشاشةٍ إلى أن جاء ألعريس وأخذ عروسه على ألحان ضحكات فرحه وابتساماته التي قد امتزجت مع دموع أهل العروس لفراق ابنتهم ودموع أهل العريس لفرحة ولدهم.. ودخلت العروس دارها وحلمها يسبقها والحب يعتصر كليهما وأحلام ترجمت إلى حقيقة وخلعت الأمنيات رداءها واحتضن الكبرياء الخوف وبعد صراع الفوز استسلم الكبرياء بعد كل محاولاته التي باءت بالفشل، ولأن جمهور الحلبة ينتظرون خلف الأبواب إعلان النتيجة اشتعلت نيران الكبرياء وغزت جسد محبو بته التي كتب لها الزمن أن تكون زوجته ولان غيرته على رجولته وحبه في معرفة الأسباب جعلته يتخلى عن قلبه ويرميه خلفه ليجر زوجته من شعرها ويقذفها بأرخص الألفاظ لأنها لم تكن كما يظن سوى زوجه قد استعملت من قبل فأخذها إلى حيث يريد أن يظهر الحقيقة ويثبتها أمام أهلها وبعد ضربه المبرح لها وتجريحه بالكلمات أمام أهله ليأخذها إلى المستشفى ليكشف حقيقة أمرها التي أخفتها عنه..حتى وصل إلى بعد أن أصبح الدم متناثراً من جسدها ..الدم الذي كان يريده أن يكون بالخرقة البيضاء.. جسد متهالك نحتت عليه جراح غائرة ودموع تذرف حسراتها على كل شيء ضحت به من أجل الحب وباسم الحب دافعت عن حياة لم تحلم بيوم أنها قد تعيشها ،ولم تكن تعلم أن الحب قد يكسره كبرياء الخرقة البيضاء، فعندما ركلها زوجها -بل من اختارته حبيبها – إلى ساحة المستشفى وهو ينبذها بأنها ساقطة ويطالب الدكتورة أن تكشف عليها وتخبره عن كل شيء فلعلها تحمل جنينا بداخلها وأن تدوِّن كل ماتراه في تقرير طبي ليخبر أهلها عن خطيئة ابنتهم المتعلمة كيف جلبت لهم العار، وخدعته بحبها وتنازلاتها وتضحيتها عن حياة الرفاهية التي لم تكن تضحية بقدر ماكانت خديعة ليلبسها ثوب الستر باسم الحب وعندما أخذت الممرضات الفتاة التي أصبحت كجسد اخرس لايستطيع الكلام ... وبعد محاكمة الواقع للمصير المجهول ولأن النور لن تخفيه ظلمات الجهل مهما استبدت به قيود التقاليد الدخيلة التي أساءت للتفكير البشري فإن الدكتورة خرجت تستنكر تصرف العريس الثائر لظنونه قبل حبه وبدأت تشرح له الأسباب العلمية للحادثة وهزت كيانه المتعجرف عندما قالت له:-(زوجتك مازالت عذراء وهكذا ماتت عذراء).