حين تدخل سوقاً من أسواق مدينة تعز تجد تناقضاً صارخاً بين حاجات الناس وطبيعة الواقع المزري ولعل انعكاسات التردي في هذه المواقع والسلبيات المتنامية، لا يمكن إيقافها ما لم تُصبح قضية كل مواطن وأحد بنود أجندة التغيير؛ لأن أسواق السلع والخدمات مرآة لنفسية الإنسان وتفكيره، ولا يبالغ من يقول إنها الوجه الآخر لسوق السياسة، وإن رأى الباحثون في سوء الإدارة سبباً محورياً يحول بين حاجات الناس إلى التطور الشامل في ظلمة التناقضات بين واقع الأسواق في تعز وبين مكانة المدينة. فقد استخلصت دراسة لواقع الأسواق نفذتها جامعة تعز أنه بالرغم من تعدد الأسباب المؤدية إلى تفاقم الاختلالات في واقع أسواق المدينة فإن السبب المحوري هو ذلك المتصل بالإدارة والأساليب والإجراءات المتبعة في إدارة شئون الأسواق وتنظيمها سواء المكاتب التنفيذية ذات الصلة أو المحليات فجميعها مسئولة عن هذه الأوضاع السلبية التي تعيشها الأسواق وتتأثر بها المدينة وسكانها بما أدت إليه من آثار سلبية على البيئة وحركة النقل والحركة المجتمعية وشيوع الازدحام التي صارت ظاهرة ترافق الأسواق جميعاً. إدارة غائبة الدراسة التي نفذها فريق من مركز البحوث ودراسات الجدوى توصلت إلى خمسة أسباب تقف وراء الاختلالات في الأسواق:إدارية، تخطيطية، تنظيمية، مجتمعية، توعوية، هذه الأسباب فندتها الدراسة باعتبارها نتاجا سيئا لإدارة غائبة ولشيوع الفساد في أوساط الأجهزة المعنية ما يجعل بعض الأسواق تنشط دون ترخيص، كما تنتشر أسواق عشوائية خارج أسوار الأسواق الرئيسية وتسبب إعاقة مستمرة لحركة السير وانسياب حركة الأمور دون وضع معالجات تنهي هذه الإعاقات التي تُصيب الإنسان بتوترات نفسية وعصبية وتصيب المركبات بأضرار تؤثر على أجهزتها، فضلاً عن الآثار البيئية لعوادم السيارات”ديزل” إلى جانب انتشار أكوام القمامة على جوانب الأسواق وثناياها دون أن ترفع على نحو منظم ومستمر، كما أن الباعة يعرضون سلعاً بطريقة تجعلها عرضة لمصادر التلوث كالذباب لعدم الالتزام بضوابط وشروط العرض على الملأ. حبر على ورق إن تكرار التوجيهات من المسئولين في ديوان المحافظين أو مديري المديريات يبقى حبراً على ورق لتستمر الاختلالات كجباية الرسوم وإغلاق أسواق نشأت بتمويل أهلي؛ وذلك بسبب ظهور وشيوع الأسواق العشوائية حولها؛ الأمر الذي يزداد سوءًا مع انتشار الباعة المتجولين والمفرشين على الأرصفة ما يجعل التدخل الحازم والمنظم لإصلاح الاختلال مسألة غاية في الأهمية لإعادة الاعتبار للمدينة وسكانها وما تمثله من تاريخ مشرق مثل تقدماً في الوعي الحضاري والمدني. صيغة للمعالجة عرضت الدراسة توصيات للمعالجة المستقبلية دعت إلى تأسيس وضع مستقر على خارطة محددة للأسواق بتنوعها وشمولها لكل أحياء المدينة وتوسعها المرتقب، فضلاً عن تأهيل الأسواق التقليدية لأداء دور تنموي؛ وذلك من خلال المعالجات التالية: إعادة تأهيل الأسواق السياحية وهي: باب الكبير، باب موسى، سمسرة المدينة وفق معايير الأسواق العربية الإسلامية وبما يجعلها ذات جذب سياحي من ناحية، وذات تعبير جلي عن الخلفية التاريخية للمدينة من ناحية ثانية. الأسواق المركزية أوصت الدراسة بإعادة النظر بواقع الأسواق الحالية ومنها السوق المركزي الكائن وسط المدينة بنقله إلى موقع سوق الجملة الحالي وتخصيصه للمواد الغذائية ومتطلبات التسوق المنزلية، وخدمة السوق المحلية بتوفير متطلبات المؤسسات الفندقية والمطاعم مع ضرورة إعادة تأهيل سوق الجملة بما يتلاءم وطبيعة الأسواق المركزية..وإنشاء أسواق في الأحياء وتشجيع القطاع الخاص لإنشاء مجمعات استهلاكية تمثل أسواقاً مغلقة توفر احتياجات سكان الأحياء اليومية والأسبوعية وهذا من شأنه الإسهام في توسيع فرص الاستثمار وفرص عمل أمام العاطلين إلى جانب تسهيل التسوق. أسواق مداخل المدينة اقترح الباحثون إنشاء أربعة أسواق جملة ومركزية أولها في مفرق الذكرة يخدم المدخل الشرقي ويستوعب التوسع في ذلك الاتجاه، الثاني في طريق الضباب وثالث على طريق تعز والحديدة بين مصنع السمن والصابون والمطار القديم وسوق على طريق الراهدة. فوائد خارطة الأسواق أهم فوائدها: نقل الضغط في حركة النقل من داخل المدينة إلى خارجها وتخفيف الاختناقات التي تسببها وسائل نقل السلع الغذائية القادمة من المديريات والمحافظات الأخرى والحيلولة دون اتخاذ بعض السيارات لنقل المنتجات الزراعية من الشوارع مواضع لتسويق حمولتها، مع ضبط إجراءات تحصيل الرسوم المستحقة على ضوء الحركة إن رسوماً مستحقة في مداخل المدينة بدلاً من العملية غير المنظمة التي تحدث الآن في الأسواق حيث يمكن ضبط حركة النقل للسلع من أسواق الجملة إلى الأسواق الداخلية واستيفاء المستحقات الواجبة على هذه الحركة. محمد عمير البرطي “الاتحاد التعاوني الزراعي” أكد ضرورة العمل لإنشاء مثل هذه الأسواق وأن هناك مقترحات مفصلة قدمت للمجلس المحلي وتهدف إلى رفد أهداف الاتحاد والمزارعين. معالجة مشكلة الازدحام أما فيما يتعلق بالمعالجات المقترحة لأسباب الازدحام وإعاقة حركة السير فقد اقترحت الدراسة نقل الفرزات القائمة مقربة من الأسواق من وسط المدينة إلى أطرافها وتحديد محطات توقف واضحة, وكذا نقل الفرزات الخاصة بالمديريات والريف من المناطق المحيطة بالمدينة إلى خارجها مثل: فرزات مقبنة، البرح، على سبيل المثال والمديريات الواقعة في نفس الاتجاه وأن تكون في جوار مدرسة الحياة بالمطار القديم ونقل فرزة صبر من الباب الكبير إلى منطقة الدمغة. منع الدراجات النارية من الوقوف على أبواب الأسواق وتنظيم حركتها من خلال تحديد مواقع قريبة من الأسواق بحيث لاتسبب إعاقة لحركة المركبات والمتسوقين على حد سواء، إلى جانب منع أي بائع يفترش الأرض داخل الأسواق على نحو عشوائي وإلزامه بالانتقال إلى دكان مخصص في إطار تخصيص مربعات على جدران الأسواق من الداخل لهؤلاء من أجل معالجة الازدحام الذي يتسببون به. تكاتف العقيد قيس الإرياني مدير عام المرور أكد أهمية أي جهد بناء لتوعية الناس بمقتضيات الثقافة العصرية للتسويق والتسوق كأولوية للإفادة من توصيات كهذه. وأضاف: إن الجهات ذات الصلة معنية بالتكاتف والتعاون البناء من أجل القضاء على الظواهر السلبية والحزم في العمل على إرساء قواعد سلوك تقوم على فهم حقيقي لمسئولية كل مواطن وكل جهة من أجل إنهاء الآثار النفسية الناتجة عن احتشاد الباعة والمتسوقين على جوانب الطرق وتحويل الطريق إلى سوق.. دور الإدارة لكن منفذي الدراسة يعولون على تفعيل دور الإدارة الخاصة بالأسواق على صعيد التنظيم والإشراف والرقابة والتوعية البيئية، كما أوصت هذه الدراسة بوضع خطة للأسواق تتضمن المعايير والمواصفات العملية للتخطيط العمراني وتأخذ في الاعتبار الأسباب والتوقعات بحجم التوسعات المستقبلية، وكذا الظروف والعوامل الجغرافية، بما يتناسب مع الطبيعة الوظيفية لكل سوق ويسهل حركة الانتقال ومرور المركبات والأفراد، وتحمل مسئولية النظافة والحفاظ على البيئة، وبما يحول دون انتشار الأوبئة والأمراض والحرص على حسن اختيار العاملين في إدارة شئون الأسواق من الإعداد والتوعية وتنمية مهاراتهم في أعمال التخطيط والمتابعة والتنظيم وتفعيل دور المحليات في متابعة الإدارة والمساءلة عن أي قصور. مسئولية فردية مجتمعية ورتبت الدراسة توصياتها وهي: القيام بحملات توعوية عن الأسواق عبر مختلف وسائل الإعلام وما تسببه من ازدحام وتلويث لبيئة المدينة. تفعيل القوانين الخاصة بمعاقبة المخالفين “المادة 10” من قانون النظافة. إعادة تأهيل بعض الأسواق وإنشاء أسواق تجارية متكاملة وحديثة على أطراف المدينة ووضع خطة تنفيذية لترجمة المعالجات على الواقع من خلال جهات الاختصاص. الاستفادة من مراكز البحوث لوضع برنامج توعية بيئية لرفع مستوى الوعي البيئي والتنظيمي على قاعدة المواطنة وأرضيته الانتماء والمسئولية الفردية والمجتمعية تجاه قضايا التنمية والبيئة والارتقاء بالمؤسسات والبنى التحتية إلى المستوى الأمثل الذي يليق بمحافظة تعز وسكانها. وضع خارطة جديدة للأسواق وتصويب أوضاع الأسواق الحالية وتحديد مواقع جديدة تستوعب الاعتبارات المتصلة بحركة النقل والسكان وتحقيق أغراض الأسواق. العمل على إعادة النظر في سياسات مكتب الأشغال العامة وصندوق النظافة والهيئة العامة للبيئة وإدارة المرور فيما يتصل بالأسواق ووضع سياسات جديدة مستوعبة لأوجه القصور والإهمال القائمة والمتسببة في ولادة الكثير من المشكلات ومن الآثار السالفة الذكر، وعكساً في خطط وبرامج مدروسة ومملوءة بالأنشطة المزمنة المحدودة للتنفيذ وصولاً إلى إزالة الأوضاع الراهنة بالتأسيس لأوضاع جديدة سليمة من كل جوانبها. أناس بسطاء ومعنيون ومثقفون أكدوا أخلاق الإنسان والصدق في العمل كعنوان للمرحلة القادمة التي يجب أن تكشف عن وجه أجمل للبلد في الأسواق.