مما لا شك فيه أن هناك أزمة سلوكية تمر بها مؤسساتنا الإدارية بجميع أنواعها الخدمية والتجارية والصناعية وما ذلك إلا لأننا في أمس الحاجة لتعزيز تلك القيم التي بدأ يخبو بريقها بيننا كمسلمين، ولعلي هنا أركز على خلق أعده بحسب رأي الشخصي هو أساس الاخلاق يجب أن يسود كل مؤسساتنا ألا وهو خلق الأمانة الذي يتفرع منه سلوك الرقابة الذاتية للموظف في عمله.. والتي تعتبر أقوى أنواع الرقابة على الإطلاق. ففي ذلك يقول الدكتور طارق السويدان إن الأمانة تعني المصداقية والرقابة الذاتية والمبادرة لأداء العمل على أتم وجه والغريب في هذا السياق أمر المنظمات الإدارية الغربية فالمتتبع لحركة التطوير الإداري فيها يلاحظ أنها نجحت في إحداث نقلة نوعية وكمية في مستوى الإنتاج من خلال تنمية المهارات الإنتاجية للعاملين وإدخال الأساليب والمعدات التكنولوجية الحديثة وتحقيق النجاح عموماً، المنظمات الإسلامية أو العربية التي لا تزال عاجزة عن مكافحة الفساد الإداري ولذلك فلا تستطيع الأجهزة الرقابية الداخلية أو الخارجية اكتشافه أو ضبطه لأن ذلك يتعلق بضمائر العاملين حين يقبلون الرشوة ويمارسون المحسوبية ويسيئون إلى جهود الخدمة ويستقلون الوظيفة العامة والمال العام، رغم إن التشريع الإسلامي أهتم بهذا الجانب من السلوك الإنساني حيث أعتبر مراقبة الله في السر والعلن هي أعلى درجات الإيمان وهي الإحسان. فمتى يدرك البعض منا أن أصعب أنواع الرقابة الذاتية، تلك التي يتم تفعيلها وترجمتها وتحري الأمانة فيها بينك وبين نفسك، وهذا قليلاً ما يحدث، فكثير منا إذا غاب المسئول عنه (رمى) الرقابة الذاتية وراء ظهره، وأصبحت في (خبر كان)!! وأعتقد أن جزءا كبيرا من الأخطاء ترتكب في المنظمات الإدارية العربية، بحيث تتجلى من خلال غياب الوعي والإدراك عن الرقابة الذاتية بأنها هي ذلك الإحساس الذي يشعر به العنصر البشرى العامل بأنه مكلَّف بأداء العمل ومؤتمنٌ عليه، من غير حاجة إلى مسئول يذكِّره بمسؤوليته، ومثل هذا الفهم هو الذي يجعل الموظف يرتكب مخالفات كثيرة، سواء في عدم الالتزام بساعات الحضور والانصراف، أو التهرب من العمل أثناء الدوام الرسمي بحجج مصطنعة وقد يصل الأمر ببعض الموظفين (للكذب) على مسئوله إذا أراد الخروج سالمًا من بعض المآزق!! ويهمني في هذا السياق أن أشير إلى أمر مهم جداً يغفل عنه الكثير منا هو أن الرقابة الذاتية أهم عامل لنجاح العمل؛ لأنها تغني عن كثير من النظم والتوجيهات والمحاسبة والتدقيق وغير ذلك، ولو أن كل موظف في مكتبه، وعامل في مهنته، وصانع في مصنعه، راقب الله تعالى فيما هو مؤتمن عليه، لكان له الأثر الفعال على الأداء وتحقيق الأهداف التنظيمية، وتلاشت المشكلات الوظيفية، وتوفر للدولة والمصلحة أموال طائلة كانت تذهب هدراً ولن يتأتى ذلك ما لم يدرك الموظف ويشعر أنه يشعر أنه محاسب على عمله، لا من قبل الناس، وإنما من قبل رب الناس، وليس في الدنيا، بل في الآخرة، قال سبحانه: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) (الغاشية: 25 ، 26). لذا فإن الموظف المؤمن هو أقدر الناس على القيام بالعمل؛ لأنه أكثرهم مراقبة لله، فلا يقصِّر في عمله، ويجتهد في أن لا يشوب الوظيفة أية شائبة، بل إنه يتعدى ذلك فلا يقتصر على نظافة أدائه وإتقانه، بل يجتهد في نظافة أداء المؤسسة كلها التي يعمل فيها فإذا أحسّ بشيءٍ من الحرام في عمل المؤسسة بادر إلى التنبيه عليه، حرصاً على تطهير مال المؤسسة من الشبهة والحرام. ويؤكد بعض الباحثين أنه لا بد من غرس القيم الأخلاقية للموظفين وتنمية الرقابية الذاتية من خلال غرس تلك القيم في التعليم العام، ومن خلال التدريب والتأهيل المتواصل. إضاءة: إذا ما خلوْتَ الدّهرَ يوْماً فلا تَقُلْ خَلَوْتَ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ ساعة وَلا أنَ مَا نخفَى عَلَيْهِ يغيب لهَوْنَا، لَعَمرُ اللّهِ، حتى تَتابَعَت ْ ذُنوبٌ على آثارهِنّ ذُنُوبُ [email protected]