أصبح الفساد ظاهرة مكلفة تثقل كاهل كافة المجتمعات دون استثناء ويترتب عليه نطاق واسع من الآثار الضارة والمدمرة لهذه المجتمعات، فهو يقوض أسس الديمقراطية وسيادة القانون ويؤدي إلى ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان ويخلق الأجواء المناسبة لتفشي الجريمة المنظمة ويساعد على المساس بالقيم الأخلاقية والتنمية المستدامة كونه أي - الفساد - يعد عقبة أساسية على طريق التنمية الشاملة فى مجتمعاتنا العربية والنامية . إن خطورة الفساد بمختلف تجلياته ومظاهره بالغة بالنظر إلى كلفته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكبرى وانعكاساته السيئة على مسار التنمية ، ولذلك أضحت مكافحته وتطهير مؤسسات الدولة منه , مطلباً شعبياً ملحّاً زاد من حدّته تنامي الاهتمام الدولي بهذا الملف الحيوي، وهو ما تترجمه العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية والتقارير الدولية التي تصدرها مجموعة من المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية في هذا الشأن. حيث إن العوامل التي تغذّي الفساد متعدّدة ، وهي تتنوع بين أسباب سياسية في علاقتها بعدم فعالية المؤسسات السياسية ، وغياب الشّفافية وتكافؤ الفرص بين المواطنين؛ وأسباب اقتصادية مرتبطة بهشاشة الأوضاع الاقتصادية وعدم قيامها على أسس المنافسة والشفافية وتكافؤ الفرص؛ واجتماعية مرتبطة بغلاء الأسعار وانتشار البطالة وبالاضطرابات الداخلية ، وسيادة ثقافة الفساد وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، والاستهتار بالقوانين ووجود التباس في مفهوم المواطنة؛ وأسباب قانونية وإدارية مرتبطة بضعف الرقابة على المال العام، والتعقيدات الإدارية، وضعف القوانين وعدم مسايرتها للتطورات الاقتصادية والاجتماعية وعدم تطوير دخل وكفاءات العنصر البشري داخل مختلف الإدارات والمؤسسات. وفي ظل انتشار الفساد تصبح الدولة عاجزة عن وضع قواعد ملزمة أو ضمان تطبيقها وفرض العقوبات على من يقوم بخرقها، الأمر الذي يترتب عنه شيوع ثقافة الفوضى ورفض المساءلة والإفلات من العقاب , ومقاومة عمل المؤسسات بكل الوسائل ، والعمل على تأخير وعدم تفعيل القوانين الرقابية على المال العام ، كما تتعقّد عملية التغيير والتدوير الوظيفي خصوصاً فى المناصب الادارية العليا نتيجة لرغبة المنتفعين من الفساد في الحفاظ على مناصبهم ومصالحهم. ويصبح الفساد أكثر سوءًا وخطورةً عندما يصيب جهازي القضاء والأمن ليتحولا من ذلك «الملاذ» الذي يفترض فيه حماية الحقوق والحريات وفرض احترام القانون، إلى آلية لحماية الفساد ولجعل «المفسدين» في مأمن ضد أية مساءلة أو عقاب كيفما كانت الجرائم والمخالفات المرتكبة. وتزداد خطورته أكثر عندما ينتقل إلى بعض المؤسسات التي يفترض أن تقاومه من قبيل الأحزاب السياسية والبرلمان وبعض منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بمختلف وسائلها ، حيث تصبح جزءًا من الفساد وفي خدمته ووسيلة للتغطية عليه. ولهذا إذا ما أردنا بصدق استئصال داء الفساد من أجهزة ومؤسسات الدولة والمجتمع فإن علينا كأفراد وموطنين عاديين أولاً أن نعزز في أنفسنا ثقافة حب النظام والشفافية و نبذ الفساد والإدراك بأضراره ومخاطره على مجتمعنا و مستقبل وطننا. لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وعلينا كمواطنين أن نمتلك الجرأة في كشف وتعرية المفسدين في مختلف أجهزة الدولة وإبلاغ الأجهزة المختصة بمكافحة الفساد وعن أي حالات فساد مالي و إداري تواجهنا في أي من مؤسسات الدولة . وعلى كل موظف أو مسئول أو قيادي في أي من أجهزة الدولة أن يتقي الله أولاً ويدرك أمانة المسؤولية الملقاة عل عاتقه في خدمة وطنه وأبناء وطنه. ويعزز في نفسه الرقابة الذاتية النابعة من كونه مسلماً في المقام الأول فلا يرضى بأكل المال الحرام أو إطعام أهله من هذا المال , ويلتزم بالإتقان والإخلاص و الأمانة و الصدق في عمله كون هذه العناصر من المبادئ الأساسية لأخلاقيات العمل في الإسلام, وعليه أن يحترم النظم و القوانين ويبتعد عن المحاباة وتغليب مصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامة لأبناء وطنه , ويدرك يقيناً أن الله لن يبارك له في عمره أو صحته أو ماله وأولاده في الدنيا ولن يفلت من عقاب الله في الآخرة إذا ما أفلت من العقاب الذي يستحقه في حياته الدنيا. وعلى قيادتنا السياسية الحكيمة أن تعمل على مكافحة واستئصال داء الفساد المالي والإداري في مختلف المؤسسات , من خلال منح الصلاحيات الكافية والمطلقة والإمكانات اللازمة للأجهزة الحكومية والقضائية المختصة بمكافحة الفساد و الرقابة المالية والإدارية , وحماية المال العام , للقيام بدورها المطلوب في كشف حالات الفساد المالي والإداري واتخاذ العقوبات اللازمة إزاء كل مفسد مهما كان مركزه الوظيفي أو القيادي أو الاجتماعي . كما أن عليها أن تضع في اعتبارها مصلحة الوطن وأبناء الوطن أولاً, ومراعاة التخصص والدقة والنزاهة والكفاءة في العمل عند اختيار وتعيين القيادات العليا والإدارية في مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة , لأن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب هو بداية الطريق الصحيح لتحسين مستوى الأداء المالي والإداري في أجهزة الدولة , ويؤدي إلى بناء وتعزيز صورة ذهنية جيدة عن القيادة والحكومة لدى جميع أفراد وشرائح المجتمع وتحقيق رضا وقبول المجتمع ودعمه لتوجهات القيادة السياسية وجهودها في مكافحة الفساد وتطوير الأداء وتحقيق التنمية والنهوض بالوطن . وعلى مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية في بلادنا أن تدرك مسؤوليتها في مكافحة واستئصال داء الفساد من خلال مساهمتها الفعالة في كشف وتعرية حالات ومظاهر الفساد المالي والإداري بموضوعية بعيداً عن المكايدات السياسية , وتقديم البرامج والحلول الفعالة لكيفية معالجة ظاهرة الفساد وتصحيح الانحرافات وتطوير الأداء في مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة ,والإسهام الفعال في توعية الرأي العام بأضرار ومخاطر الفساد على جهود التنمية والنهوض بالوطن, والتنافس فيما بينها بالبرامج والأفكار والأطروحات الفعالة للإصلاح والتطوير والنهوض بالوطن في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية , وليس للحصول على مكاسب ومصالح حزبية ضيقة . رابط المقال على الفيس بوك