كنا وما زلنا نحلم باليوم الذي تخلو فيه مؤسساتنا وأجهزتنا الادارية في الدولة من داء الفساد. لكن يبدو وللأسف الشديد أن هذا الداء ما زال مستمراً وينخر أجسام وعروق وأوردة ومفاصل مختلف الأجهزة والمرافق الحكومية في بلادنا, وربما يستفحل خطره وتأثيره ليصيبها بالشلل التام، إذا لم تتكاتف جهودنا ونخلص نوايانا ونتعاون جميعاً حكاماً ومحكومين لمكافحة واستئصال هذا الداء الخطير من كل أجهزتنا ومؤسساتنا. إن الفساد بكافة أشكاله ومظاهره، يمثل اليوم التحدي الأكبر الذي يقف حجر عثرة أمام أية جهود أو مبادرات تبذل للارتقاء بأداء مؤسساتنا المختلفة. ومحاولة تطويرها وتنميتها وتحسين جودة خدماتها، ومن ثم تعزيز دورها ومساهمتها في إحداث التقدم والتنمية في وطننا الحبيب. لقد تابعت مجريات اللقاء الذي عقد الأسبوع الماضي بين رئيس وأعضاء حكومة الوفاق الوطني وسفراء وممثلي الدول والصناديق المانحة, والذين شددوا على ضرورة التزام حكومة الوفاق بمعالجة الكثير من الاختلالات، التي تعاني منها أجهزة الدولة والعمل على تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد، كشرط مهم وضروري لوفاء هذه الدول والصناديق بالتزاماتها. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تتمكن حكومة الوفاق بوضعها الحالي وأدائها المتواضع من الوفاء بالتزامها وشروط المانحين؟ خصوصاً في ظل تنامي حالة الشد والجذب والمكايدات السياسية والمحاصة والخلافات الحزبية بين مختلف الأطراف، التى تشكل حكومة الوفاق الحالية. والإجابة على هذا السؤال من وجهة نظري هى بالنفي طبعاً؛ لأن محاربة واستئصال داء الفساد يحتاج إلى إرادة قوية ونية صادقه، من قبل مختلف الأطراف والمكونات السياسية في الحكومة والدولة, والعمل بروح الفريق الواحد، الحريص على تحقيق التقدم والنهوض بهذا الوطن في مختلف المجالات, بالإضافة الى توافر منظومة متكاملة من التشريعات والقوانين والإجراءات، للحد من تنامي وانتشار الفساد بكل أشكاله ومظاهره في كل مرافق وأجهزة الدولة, وتوفير إجراءات وآليات فعالة وقضاء قوي ونزيه للحد من الفساد. ولهذا إذا ما أردنا بصدق استئصال داء الفساد من أجهزة ومؤسسات الدولة والمجتمع، فإن علينا كأفراد وموطنين عاديين أولاً أن نعزز في أنفسنا ثقافة حب النظام والشفافية و نبذ الفساد والإدراك بأضراره ومخاطره على مجتمعنا و مستقبل وطننا. (لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).. وعلينا كمواطنين أن نمتلك الجرأة في كشف وتعرية المفسدين في مختلف أجهزة الدولة، وإبلاغ الأجهزة المختصة بمكافحة الفساد، وعن أية حالات فساد مالي و إداري تواجهنا في أي من مؤسسات الدولة. وعلى كل موظف أو مسئول أو قيادي في أي من أجهزة الدولة أن يتق الله أولاً، ويدرك أمانة المسؤولية الملقاة على عاتقه في خدمة وطنه وأبناء وطنه. ويعزز في نفسه الرقابة الذاتية النابعة من كونه مسلماً في المقام الأول، فلا يرضى بأكل المال الحرام أو إطعام أهله من هذا المال, ويلتزم بالإتقان و الإخلاص و الأمانة و الصدق في عمله كون هذه العناصر من المبادئ الأساسية لأخلاقيات العمل في الإسلام, وعليه أن يحترم النظم والقوانين ويبتعد عن المحاباة وتغليب مصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامة لأبناء وطنه, ويدرك يقيناً أن الله لن يبارك له في عمره أو صحته أو ماله وأولاده في الدنيا، ولن يفلت من عقاب الله في الآخرة، إذا ما أفلت من العقاب الذي يستحقه في حياته الدنيا. وعلى قيادتنا السياسية الحكيمة أن تمارس صلاحيتها لمكافحة واستئصال داء الفساد المالي والإداري في مختلف المؤسسات, من خلال منح الصلاحيات الكافية والمطلقة والإمكانات اللازمة للأجهزة الحكومية والقضائية المختصة بمكافحة الفساد والرقابة المالية والإدارية, وحماية المال العام, للقيام بدورها المطلوب في كشف حالات الفساد المالي والإداري، واتخاذ العقوبات اللازمة إزاء كل مفسد، مهما كان مركزه الوظيفي أو القيادي أو الاجتماعي. كما أن عليها أن تضع في اعتبارها مصلحة الوطن وأبناء الوطن أولاً, ومراعاة التخصص والدقة والنزاهة والكفاءة في العمل عند اختيار وتعيين القيادات العليا والإدارية في مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة, لأن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب هو بداية الطريق الصحيح لتحسين مستوى الأداء المالي والإداري في أجهزة الدولة, ويؤدي إلى بناء وتعزيز صورة ذهنية جيدة عن القيادة والحكومة لدى جميع أفراد وشرائح المجتمع، وتحقيق رضا وقبول المجتمع ودعمه لتوجهات القيادة السياسية وجهودها في مكافحة الفساد، وتطوير الأداء وتحقيق التنمية والنهوض بالوطن. وعلى مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية في بلادنا أن تدرك مسؤوليتها في مكافحة واستئصال داء الفساد، من خلال مساهمتها الفعالة في كشف وتعرية حالات ومظاهر الفساد المالي والإداري بموضوعية، بعيداً عن المكايدات السياسية, وتقديم البرامج والحلول الفعالة لكيفية معالجة ظاهرة الفساد وتصحيح الانحرافات وتطوير الأداء في مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة, والإسهام الفعال في توعية الرأي العام بأضرار ومخاطر الفساد على جهود التنمية والنهوض بالوطن, والتنافس فيما بينها بالبرامج والأفكار والأطروحات الفعالة للإصلاح والتطوير والنهوض بالوطن، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وليس للحصول على مكاسب ومصالح حزبية ضيقة. ختاماً أقول إننا جميعاً أفراداً وجماعات أحزاباً ومنظمات وشخصيات سياسية واجتماعية، نشكل جسم هذا الوطن الحبيب، فإذا ما أردنا أن يظل هذا الجسم صحيحاً وقوياً ومعافى في كل أجزائه ومكوناته فإنه يتوجب علينا المحافظة عليه، من خلال مكافحة واستئصال أية خلايا ميتة أو فاسدة تسعى إلى تدميره.. وتحصينه ضد كل فيروسات الفساد والتخريب والفتنة، التي تحاول التسلل إليه والتأثير عليه من خلال تعاطينا جميعاً للقاح فعال، ضد كل هذه الفيروسات والأمراض، هو لقاح الوحدة وحب الوطن والولاء والانتماء له, وهو لقاح أنتجته ووفرته لنا أسس وتعاليم ديننا الحنيف، وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية ومبادئنا الوطنية على مر العصور . رابط المقال على الفيس بوك