خليط ممزوج بالمحبة الصافية والحنان الخالص والرحمة الحانية اللامتناهية, هو وصف مايختلج أفئدة الآباء والأمهات تجاه أطفالهم.. ويمكن قياس هذا الشعور البشري الجميل بالنظر إلى مكنون المسؤولية التي يتحلون بها, ويتجسد ظاهره جلياً في حرصهم- أيما حرص- على عيش فلذات أكبادهم ونمائهم بسلام, فلا يهدأ لهم بال ولايرق لهم خاطر لو وقع ضرر بأحدهم ولم يبرأ منه, أو ساء حاله واستبدت به المعاناة.. كيف- إذن- بهم وبالحال الذي صار إليه طفل لهم وقع في شرك الإصابة بشلل الأطفال أو الحصبة؟ ثم أوغل خطر أي من المرضين في جسم الصغير ليكبله بقيود الإعاقة والعجز!. نعم, ليس هناك وجود على أرضنا لفيروس شلل الأطفال- والحمد لله- وذلك من قرابة خمس سنوات, وماعاد يشكل تهديداً لفلذات الأكباد بالصورة التي كان عليها سابقاً ولن يكون ذلك- بمشيئة الله- طالما الناس حريصون جميعاً على تحصين أبنائهم وبناتهم دون سن الخامسة باللقاح المضاد لهذا الفيروس, إلى جانب تحصين من هم دون العام والنصف من العمر- تحديداً- بالجرعات الروتينية والتي من بينها جرعتا لقاح شلل الأطفال. لكن هذا لايُغفل- حقيقة- إمكانية تسلل الفيروس إلى اليمن من بلدان تشهد ظهور حالات إصابة جديدة بالمرض بوتيرة متزايدة وبطبيعة الحال, تقع اليمن في حيز إقليم شرق البحر المتوسط مثل أفغانستان وباكستان أو حتى من خارج الإقليم كالهند وبعض دول أفريقيا وليست ببعيدة عن البلاد مثل(نيجيريا, تشاد, أفريقيا الوسطى, الكونغو الديمقراطية), ومايكفل للمرض العبور والتمدد عبر البلدان المتقاربة أو المتباعدة.. تيسره وتكفله- بالطبع- رحلات السفر المتواصلة دون توقف من وإلى تلك البلدان. فلو غادر منها أناس يحملون عدوى المرض إلى أي بلد- ولو كان مجاوراً كأي من دول الخليج أو حتى السعودية- نقلوا بذلك المرض إلى الأرض التي قصدوها فتنتقل عدوى فيروس الشلل البري إلى الأطفال ضعيفي المناعة ومن لم يحصلوا على كفايتهم من اللقاح الفموي المضاد لفيروس الشلل.. وما أيسر تسلله حينئذ عبر الحدود ثم انتشاره في البلاد لاسيما في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد وانتشار الفقر وزيادة حدته وتردي الأوضاع الإنسانية لدى الكثير من النازحين وزيادة حالات سوء التغذية بين الأطفال, ليعود بنا الحال- لاسمح الله- إلى حقبة ظهور هذا الفيروس في البلاد وانتشاره الوبائي المفزع خلال عامي 2004 و2005م. ومع هذه القتامة التي تحيط بشلل الأطفال, فالتفاؤل قائم ومناط بتحصين جميع الأطفال دون العام والنصف من العمر من خلال التحصين الروتيني الذي تؤمنه المرافق الصحية ضمن مواعيده المحددة في بطاقة التطعيم الخاص بكل طفل, إلى جانب تحصين جميع الأطفال دون سن العاشرة من العمر في المحافظات الذين ترزح تحت طائلة الخطر في كل من(عدن- لحج, أبين, شبوة, صعدة, البيضاء, ذمار) خلال المرحلة الأولى لحملة التحصين الوطنية ضد مرضي الحصبة وشلل الأطفال في الفترة من(10-15 مارس 2012م), والتي تستهدف في آن واحد تطعيم الأطفال من(6 أشهر- 10 أعوام) ضد داء الحصبة للأطفال, وبلقاح شلل الأطفال تستهدف من هم دون سن الخامسة في إطار مساع حثيثة سعت لها وزارة الصحة العامة والسكان وبرنامجها الوطني للتحصين الموسع بدعم من الشركاء المانحين ومنظمتي الصحة العالمية واليونيسيف. أما عن سبب شمول داء الحصبة بالاستهداف في حملة التحصين فذاك مرده إلى أن المرض عاود نشاطه بعنفوان في مناطق من البلاد, ليضعنا أمام معترك جديد يُلزم كل أب وأم الحرص الدءوب على تحصين أطفالهم دون تردد, فالداء كاسح سريع العدوى وقد حصد خلال أشهر قليلة العشرات من أرواح فلذات الأكباد. وبالنظر إلى الوقائع والأزمة التي مرت بها البلاد لفترة طويلة وماانبثق عنها من انعكاسات وتداعيات على الأحوال المعيشية للمواطنين, ثم ماأفرزته الأحداث الدامية التي تأججت أكثر خلال العام الماضي وحتى عهد قريب والتي أدت إلى اضطرار أسر كثيرة في مناطق النزاعات المسلحة إلى ترك منازلها والنزوح الجماعي لمناطق أخرى آمنة فكل ذلك- لاشك- صب في بوتقة زيادة معاناة النازحين في المقام الأول, ثم سائر المواطنين عموماً وقد غلب على معظمهم تردي أوضاع المعيشة, في ظل ضعف الخدمات وعلى رأسها الكهرباء واستشراء أزمة المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها وتدني فرص العمل وزيادة نسبة الفقر, الأمر الذي أفضى إلى نقص الغذاء وأخذه في التزايد والتفاقم أكثر وأكثر طيلة العام المنصرم وحتى مطلع العام الحالي, فالمشكلة قائمة لاتبارح مكانها وتنذر بوضع كارثي, بل وبكارثة إنسانية لها مآلاتها وتداعياتها الخطيرة على صحة الأطفال دون العشرة أعوام. إذ أدى نقص الغذاء- بدوره- إلى ارتفاع حالات المعاناة بسوء التغذية بشكل وخيم, لدرجة صار معها نحو ثلث الأطفال دون الخامسة من العمر في اليمن تحت طائلة سوء التغذية الحاد, بحسب تقديرات منظمة اليونيسيف. إنها لكارثة بكل المعايير ويلزمها تدخلات عاجلة على مختلف الأصعدة محلياً وإقليمياً ودولياً لإنقاذ مايمكن إنقاذه من أولئك الأطفال الذين تدنت أحوالهم الصحية بسبب سوء التغذية. وكما أن سوء التغذية قاتل للأطفال- لاسيما الحالات الوخيمة منه- فله أثر سيئ على الطفولة ويسهم في إضعاف مناعة الأطفال إلى حدٍ خطير ويجعلهم منالاً للاعتلالات الشديدة والأمراض المعدية الوخيمة ومنها مرض الحصبة الذي انتشر في العام المنصرم 2011م ومطلع العام الجاري 2012م وعاود نشاطه بصورة أسوأ وأكثر وبائية مما كان عليه الحال في السنوات الماضية, حيث تقلصت حالات الإصابة بهذا الداء طوال السنوات القليلة التي سبقت العام 2011م, وذلك منذ العام 2006م ولم تسجل خلالها سوى حالات إصابة بالمرض قليلة في حدود متدنية, بسبب حملات التحصين ضد الحصبة- آنذاك- والتي أثمرت عن انحسار المرض تماماً, وفي الوقت ذاته ساندتها زيادة التغطية بالتحصين الروتيني للأطفال دون العام والنصف من العمر طوال السنوات السابقة, إذن, فيتامين(أ)- حقيقة- مهم جداً لصحة وسلامة الأبدان, وله استخدامات طبية واسعة تحقق- إذا مارُوعي في جرعاته المعايير التي يوصي بها الأطباء- الشفاء من بعض العلل والأسقام, بل ويعد مادة حيوية ضرورية تنجم عن نقصها في الجسم أشكالاً وصنوفاً شتى من الأضرار الشديدة, فكيف بالحال لو انقطع عن الجسم أو نضبت مصادره نهائياً. ولست في معرض إطالة, وقبل أن أختم أنقل دعوة وزارة الصحة لجميع الآباء والأمهات بمحافظات(عدن, لحج, أبين, شبوة, صعدة, البيضاء, ذمار) إلى تحصين جميع أطفالهم دون سن العاشرة حتى من سبق تحصينهم مسبقاً وذلك في حملة التحصين الوطنية ضد مرضي الحصبة وشلل الأطفال المقرر تنفيذ مرحلتها الأولى ضد فيروسات الحصبة وشلل الأطفال وسيحصلون إلى جانب هذين اللقاحين على جرعة من فيتامين(أ) في الفترة من(10-15 مارس 2012م), التي تعد بمثابة إجراء احترازي بالنسبة لمرض شلل الأطفال للمستهدفين دون سن الخامسة, وصوناً- في الوقت ذاته- لفلذات أكبادهم- في عمر(6 أشهر- 10 سنوات) من خطر الإصابة بداء الحصبة الآخذ في الانتشار الواسع بشكل ينذر بوضع كارثي, مالم يتحل المجتمع بالحكمة ويصطف لوقف هذا الخطر الداهم من خلال منح الطفل الحق في التطعيم ضد الحصبة إلى جانب شلل الأطفال حتى إن سبق له التحصين مسبقاً بالعديد من الجرعات, ولو كان مصاباً بمرض طفيف مثل(الحمى العادية, الإسهال, الزكام, نزلة البرد), أو كان يعاني من سوء التغذية أو هزالاً, فهذا إجراء صحي ضروري لابد منه ولاغنى عنه بأي حال وسيحصدون ثماره المعطاءة طالما آبائهم وأمهاتهم يُشرعون سلاح التطعيم حماية ووقاية لفلذات الأكباد ويلبون نداءه كلما دعوا إلى تحصينهم. * المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان