عندما خرج الناس لطرد الفساد من اليمن , دخلت الأوساخ والمخلفات على حين غرة لتفسد الحياة في مدينة تعز، فقد شهد الوضع البيئي للمدينة تدهوراً غير مسبوق؛ نتيجة لتكدس القمامة وإحراقها بين الأحياء السكنية، والتي خلقت تحدياً لم يكن في الحسبان؛ مما أدى إلى تفشي الأوبئة بين أهالي المدينة . دماء تطفئ حرائقهم قصة الشاب ماهر غالب رباش تعد مثالاً عن مستوى التردي البيئي والأخلاقي الذي تعيشه مدينة تعز منذ قرابة عام, فقد دفع الشاب حياته ثمناً للاستهتار والتعصب عندما حاول إنقاذ والدته التي تعاني مشاكل صحية في الجهاز التنفسي من أدخنة حريق أشعله أحد الجيران الجبابرة في القمامة المتراكمة في الحي، تعهد الشاب ماهر لجاره بنقل القمامة بعد إطفاء الحريق؛ لأن والدته ستموت اختناقاً بالدخان, إلا أن مشعل النار رفض كل توسلات وتعهدات ماهر, وتوعد الشاب بالقتل إذا ما حاول إخماد الحريق, لم يأخذ ماهر توعدات الجار على محمل الجد ولم يكن أمامه أي خيار سوى إطفاء نار القمامة؛ خوفاً على أمه المريضة, وبمجرد قيامه بإطفاء النار كانت نيران بندقية الجار المتغطرس قد اخترقت جسده وأردته قتيلاً بين القمامة المحترقة, فر المجرم تاركاً وراءه واحدة من أبشع الجرائم, حياة إنسان مقابل قمامة لم تعد تصرف إلا بالحريق, ليموت من يموت ويعيش من يعيش. عصابات لحماية ألأوساخ قاتل ماهر لم يكن هو الحليف الوحيد للقذارة, فعمال النظافة يواجهون الأمرين بين هموم مسئولية تنظيف المدينة من المخلفات, وبين أعمال العنف التي يواجهون بها من قبل مسلحين يتربصون بكل من يحاول تخفيف حمل المدينة من الأوساخ, فمنذ اندلاع المواجهات المسلحة في المدينة وعمال النظافة يتعرضون لإطلاق النار والتهديد برفع السلاح إلى رؤوسهم. إضرابات كما قام عمال النظافة بتنفيذ حملات إضراب احتجاجاً على تدني أجورهم، وتأخر مستحقاتهم, وعدم حصولهم على حق التثبيت في وظائف رسمية تضمن لهم بعض الحقوق، وذلك بالتزامن مع نهب (54)برميل قمامة من شوارع المدينة، وإتلاف(320) حاوية أخرى بإضرام النار فيها, بحسب مركز التوعية البيئية في تعز. الصحة مصدر للتلوث ومما زاد من خطورة الموقف تكدس المخلفات الناتجة عن المنشآت الصحية، والتي تعتبر من أخطر أنواع المخلفات التي تكدست في المدينة بحسب الباحث البيئي خليل الفهيدي الذي قال: اعتادت المرافق الصحية تصريف مخلفاتها بشكل خاطئ عبر الحاويات المخصصة لمخلفات المنازل، وعندما توقفت أعمال ترحيل القمامة, تراكمت مخلفات المرافق الصحية مختلطة مع مخلفات المساكن، وبذلك أصبحت أماكن تجميع القمامة بؤر رعب بسبب اختلاطها بمخلفات المرافق الصحية, والتي شكلت مصدر خطر كبير على الأطفال؛ نتيجة لاحتكاكهم المباشر مع المخلفات أثناء اللعب، خصوصاً أننا نتحدث عن مدينة تنعدم فيها مساحات الترفيه المخصصة للأطفال. مدينة معدية وبذلك تدهور الوضع البيئي في الكثير من أحياء مدينة تعز نتيجة لتراكم الكثير من المخلفات الصلبة المتولدة عن المدينة بمتوسط يومي يقدر ب(547) طنا وبذلك أصبحت المخلفات الصلبة التي قال المتخصصون في مركز التوعية البيئية إنها تعتبر (من أبرز المشاكل الحضرية التي تعاني منها مدينة تعز بسبب مكوناتها التي تحتوي على أكثر من 48 % من المخلفات العضوية والمواد القابلة للتفسخ، إلى جانب ظروف المدينة المناخية التي تلعب دوراً كبيراً في سرعة تحللها وتصاعد الروائح الكريهة منها وتجمع الحشرات فيها, مما جعلها بؤرة لتولد نواقل الأمراض مثل البعوض والذباب والصراصير والفيران، وبذلك انتشرت حالات الإصابة بفيروس الكبد الوبائي من نوع E في الأطفال بشكلٍ غير مسبوق، فضلاً عن انتشار الكلاب الضالة التي أصبحت تشكل تهديداً خطيراً لسكان المدينة حيث استقبلت المستشفيات عشرات الحالات من عض الكلاب الضالة كما يعزى حوالي خمسة وأربعين بالمائة من الحالات المرضية التي استقبلتها المستشفيات في مدينة تعز إلى التراكم الهائل للقمامة، وكذلك إحراقها داخل الأحياء السكنية.