أعاد المخرج اليمني سمير النمري شيئا من لقب بلاده المفقود منذ عقود, حين كانت تدعى ب”اليمن السعيد”, وذلك بعد أن حصد جائزة المركز الثاني عن فيلمه الوثائقي ”أسوار خفية”, في المسابقة الرسمية الخليجية لمهرجان الخليج السينمائي الخامس بدبي. وعقب فوزة بالجائزة التي أعلنت نتائجها مساء الاثنين, أهدى النمري الذي يعمل مصورا لقناة الجزيرة الفضائية باليمن جائزته إلى جميع اليمنيين, قائلا على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: ”أهدي لكم جميعا هذا الانجاز“. والزميل النمري الحاصل على شهادة البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة بجامعة الحديدة, واحد من نوافذ قليلة يمكن للعالم الخارجي أن يعرف اليمن من خلاله بخلاف ما يصور اليوم بأنه موطن للقاعدة. وبعد أن نال سبعة يمنيين بينهم امرأتان العام الماضي سبع جوائز في مختلف المجالات, بدا العام الحالي يبشر بالخير على انه سيسير على نهج ما قبله وخير دليل أن النمري دشن باكورة سلسلة جوائز اليمن لتكون على موعد لاستلامها في مسابقات وفعاليات أخرى. وتدور فكرة الفيلم الوثائقي حول فئة «المهمشين» في اليمن حيث يرصد المخرج في 25 دقيقة حياة المهمشين وما يتعرضون له من مظاهر التمييز والعنف، من وجهة نظر الكاتب اليمني علي المقري التي قدمها في روايته «طعم اسود .. رائحة سوداء» وتناولت صوراً غير مألوفة أو مطروقة عن واقع هذه الفئة. ويطلق لفظ «الأخدام» على فئة المهمشين، إحدى الفئات التي التقط الفيلم تفاصيل من حياتها من خلال لقائه بكاتب رواية «طعم أسود.. رائحة سوداء»، والذي كان له السبق في تسليط الضوء على معاناة هذه الفئة. ويبرز الفيلم معاناة تلك الفئة من خلال عملهم الذي يقتصر على مهن «محتقرة» في المجتمع كالنظافة وإصلاح مجاري المدن، ويرجع السبب في ذلك إلى لون بشرتهم السوداء والذي يمثل أحد أهم مظاهر التمييز الطبقي في المجتمع اليمني. كما يقول الأديب المقري. وتم تصوير الفيلم بمدينتي صنعاء وتعز كنموذج لهذه الفئة التي تتواجد في جميع المدن والقرى اليمنية. ويقدم الفيلم صورة جميلة عن حركة التحول التي تشهدها البلاد بفعل إيقاع الثورة الشعبية التي غيرت نظام الحكم, بخلاف كون الفيلم يتناول قصة فئة تعاني الحرمان والتمييز الاجتماعي, ذلك أن التحول الذي نقصده هو انحياز فئة النخبة من أدباء ومصورين ونحوهم إلى معاناة هؤلاء في المجتمع, ويسمح تسليط الضوء من قبلهم على تلك المشكلة بفرصة التعاطي الشعبي والرسمي والإعلامي على حد سواء. ويعود غياب الحلول عن هذه المشكلة كون الفئة التي تمثلها في طي النسيان ولا تحظى بالقدر الكافي من النقاش العام أو التناول الصحفي بما يتيح لها فرصة الظهور إلى العلن وفرض خيارات الحلول على المجتمع برمته. ويأتي هذا الفيلم في سياق بعث هذه القضية أو المشكلة إلى العلن وإحيائها بعد سنوات طويلة من التهميش والنسيان ضمن أطر كثيرة من الاشتغال عليها كتناولها وثائقيا كما هو الحال مع هذا الفيلم أو إجراء تحقيقات صحفية استقصائية تبحث في أعماقها وجذورها, ناهيك عن تخصيص ندوات وفعاليات تعرض فيها نماذج من حياة هؤلاء على لسان عدد منهم وقنوات أخرى في الأحزاب والمنظمات. ولما تعد بارزة وحاضرة في الذاكرة الجمعية بما فيه الكافية ستكون تلك المرحلة الأولى باتجاه وضع معالجات تساعد في دمج هذه الفئة في المجتمع ثم استيعابهم في المدارس والجامعات وفي النشاط العام وصولا إلى العيش في ظلال المواطنة المتساوية التي يتعين على النظام الوليد من رحم الثورة تجسيده واقعا عمليا. وكانت بلادنا شاركت في دورة مهرجان هذا العام بثلاثة أفلام قصيرة (أبوي نائم، أسهل طريقة للانتحار، أسوار خفية)، وهي المرة الأولى التي تفوز بها اليمن بإحدى جوائز هذه الدورة لأول مرة منذ انطلاق المهرجان قبل خمس سنوات. ويعد مهرجان دبي واحدا من المهرجانات العالمية للأفلام السينمائية والوثائقية. ويتضمن مهرجان الخليج السينمائي ثلاثة أقسام هي المسابقة الرسمية الخليجية ومسابقة الطلبة للأفلام القصيرة والمسابقة الدولية للأفلام القصيرة.. كان المبدع النمري كتب في صفحته بتواضع قائلا: ”مشاركتي بالفيلم الوثائقي (أسوار خفية) بمهرجان الخليج السينمائي الخامس لم تكن أبدا لدواعي الفوز أو الخسارة، وإنما للمشاركة وأخذ الخبرة والتعلم”. وأكد أن بلادنا تحتاج إلى سنوات عديدة حتى ندخل مجال المنافسة الاحترافية, كون دول العالم سبقتنا في هذا المضمار منذ عقود كثيرة مضت. وتابع: ”نحتاج وبتعاون الشباب جميعا إلى تكوين إرادة جديدة للنهوض بواقع الفيلم الوثائقي والسينما في اليمن.. وأن ندخل عالم المنافسة الإبداعية في هذا المجال“. وخلص إلى توجيه الشكر إلى كل الرائعين الذين أرسلوا له رسائل تهنئة بالفوز, وبدورنا نبارك له ونتمنى له نجاحا مماثلا كما هي أمنية لكل مبدعي اليمن وما أكثرهم.