تكتظ أمانة العاصمة وضواحيها بالعديد من الكسارات ومناشير الحجارة المجاورة والملاصقة لمنازل المواطنين، والتي باتت تشكل خطورة حقيقية على صحة الإنسان والبيئة معاً وقلقاً متزايداً إلى ما تفرزه تلك المناشير الحجرية من مياه آسنة وأتربة ورمال.. ومن أضرار بالغة جسيمة ونفسية ومادية وبيئية على صحة الإنسان، ولما تنفثه الكسارات من كميات هائلة من الغيوم والأتربة التي أدت وتؤدي إلى ضرر بالغ بصحة المواطن الذي أصبح يعاني من أمراض الربو والحساسية وأمراض الجهاز التنفسي وغيرها..كثر الحديث مراراً وتكراراً عن تلك الكسارات .. والمشكلة لا تكمن فيها بقدر ما تكمن في الأضرار البيئية التي تترتب على وجودها داخل أمانة العاصمة بالقرب من منازل المواطنين والمحلات التجارية وأماكن تجمعات الناس.. والكسارات هي بصريح العبارة: مصانع البلك ومناشير الأحجار وأماكن تصنيع النيس والكري التي تستخدم مع الاسمنت في بناء المنشآت المتعددة، وتوجد في العاصمة صنعاء أكثر من 65 كسارة منتشرة في عدد من المناطق.. معاناة مستمرة - في البدء تحدث إلينا عبدالعزيز جميل - أحد ساكني (منطقة السنينة) بشارع الستين حيث قال: إنه يخشى على ابنه الذي أصيب فجأة بمرض الربو أن يتطور المرض خصوصاً أنه يذهب يومياً إلى المدرسة، ويضطر أن يمشى بالقرب من الكسارة القريبة من المنزل، والتي تخرج منها الأبخرة والغازات؛ بسبب تقطيع الأحجار ونشرها في الهواء الطلق.. وعندما أراد أن يثير الموضوع تقدم بشكوى إلى عاقل الحارة، فأحال قضيته إلى عضو المجلس المحلي الذي رد علي أن الموضوع ليس بيده وأنه لا يقدر أن يعمل له شيئاً، لكنه وعد أنه سيتابع القضية عند رئيس المجلس المحلي بالمديرية التي يسكن فيها.. يضيف جميل: وهكذا حتى مرت الأيام والأشهر وحاولوا أن ينسّوني القضية وفعلاً يئست من وجود أي حل بسبب تقاعس المسئولين.. من جهته محمد الزهيري تاجر وأحد سكان منطقة شعوب قال: كان يوجد بجوار منزلي مصنع لبيع الياجور الأحمر، وكان يسبب لنا إزعاجاً كبيراً؛ بسبب الدخان الذي كان يخرج منه؛ وبسبب ضجيج المكائن والآلات الكهربائية التي تستخدمها المناشير، والتي تعمل بالطاقة الكهربائية والوقود، ويصدر عنها أصوات قوية مزعجة سببت لنا إزعاجاً وضعفاً في شبكة الكهرباء في الحي، لكنني مع عدد من أهالي الحي بعد أن فقدنا الأمل في الجهات المعنية عن حل القضية ضغطنا على صاحب المصنع ليبحث عن مكان آخر لنقل المصنع، وبعد تدخل وساطات من مشائخ وتجار اضطررت أن أضحي من أجل الحي باستئجار المكان الذي كان يتواجد فيه المصنع وتوفير مكان آخر للمصنع على أطراف العاصمة.. (قليلين الخير) - إلى ذلك استمعنا من المواطنة أم أسامة التي كانت تتمنى أن نقوم نحن بإزالة ذلك المصنع الملاصق لمنزلها بقولها: جاه الله أبعدوه إلى مكان خالٍ من السكان، فنحن ليلاً مع النهار لا ننام ولا نرتاح من الإزعاج ومن الغبار الذي ننظف فيه البيت أكثر من ثلاث مرات، ونخاف على صغارنا من الوقوع في حفر الماء التابعة للمنشار، وقد تشاجرنا مع العمال وصاحب المصنع من مضايقاتهم لنا بدخول المواتير والقلابات, وعن علمها بالمخاطر الصحية التي قد تواجهها هي وأسرتها أكدت بأنها لو كانت تعلم أنه إلى ذلك الحد من الخطورة لما سمحوا بوجود ذلك المصنع في الحي، مناشدة الجهات المعنية القيام بعملها بما يرضي الله ورسوله.. وفي حي الصافية الجنوبية - قلب الأمانة - تحدث صاحب المطعم المجاور لمنشار الحجار الأخ يحيى محمد الريمي وهو في حالة انزعاج كبيرة من ذلك المنشار الذي فكر مراراً أن ينقل مطعمه من تلك المنطقة لولا عدم قدرته على ذلك، وقال: أنا اشتريت هذا المكان منذ أكثر من ثلاثين عاماً وفتحت فيه بوفية ثم توسعت بحمد الله وفتحت مطعماً، وبعد فترة من الزمن كان جاري المغترب في السعودية يملك الأرض المجاورة لي، ولكنه قام بتأجيرها من صاحب منشار الحجار، والآن أنا مهدد بالإفلاس بسبب هروب الزبائن من الأتربة.. ويصرخ بحرقة وألم متسائلاً: من هم أولئك المسئولون قليلو الخير الذين يقومون بإعطاء تراخيص في أحياء سكنية مقابل رشوة قاتلهم الله.. ويواصل: أمرضونا نفسياً وصحياً. عمال لا يفقهون وعند استقصاء لرأي بعض عمال تلك المناشير كان أول من سألناه وأجابنا الأخ عبدالجليل حامد قائلاً: إنه يعمل منذ أربع سنوات ونصف في هذا العمل بالأجر اليومي، ويصاب في بعض الأحيان بالسعال أو الزكمة (الرشح) وكان يظن أنه بسبب البرد أو التدخين، أما بخصوص تعويضه أو معالجته من قبل صاحب المصنع إذا أُصيب بمرض أو عاهة أثناء أداء عمله فقد ضحك بطيبة مستغرباً.. وودعنا مواصلاً عمله, وكان التالي العم مطيع عبدالله الفقيه الذي مابرح يشكو لنا انتهازية أصحاب تلك المصانع للعمال الذين يفتقدون للقوانين التي تحفظ لهم حقوقهم وضارباً أمثلة لما حدث في مصنع الرخام المجاور من وفاة العامل الذي ضاع حقه هدراً وقال: إنه يشكو فعلاً من مشاكل في الصدر والتهاب في العينين بسبب الغبار والأتربة، لكن الله لطيف ما يغير الله حالاً، وهكذا بقية من التقينا بهم لا يأبهون بمخاطر ما يقومون به من أعمال في تلك المناشير بدون احترازات واقية للأتربة ورذاذ الهواء المتطاير، وقد تطابق قولهم إلى حدٍ كبير حول عدم معرفتهم الدقيقة بالمخاطر الصحية التي لا قدر الله قد تصيبهم وإلى عدم وجود تأمين صحي أو تعويض. نافذون كبار انتقلنا إلى مدير إحدى الكسارات في منطقة الحشيشية على أطراف العاصمة، وسألناه عن موقفه من انزعاج الحي المجاور له من تواجد الكسارة الخاصة به فرد علينا : إن الموضوع ليس بيده وإنه يعمل مع أحد النافذين الكبار داخل الدولة، وإنهم يستخدمون الفلاتر وإنه متى ما طلب منهم الانتقال إلى مكان آخر يستجب، ويلتزم الجميع مع أي قرار يكون في هذا الصدد، فمن المؤكد انه سيتم التنفيذ والتعاون. عشوائية طرحنا هذه الإشكاليات على عدد من المعنيين بها والمسئولين عن حلها.. وأول جهة قمنا بزيارتها هي وزارة الأشغال العامة، التقينا بوكيل وزارة الأشغال العامة لقطاع الأشغال العامة فرفض الإدلاء بأي تصريح؛ بسبب أن الموضوع من اختصاصات المجلس المحلي في أمانة العاصمة.. لكننا التقينا بنائب رئيس الإصحاح البيئي بوزارة الأشغال العامة المهندس فيصل العشاري الذي قال: الإشكالية الكبرى والأولى في هذا الموضوع هي منح تراخيص لبعض الكسارات المتواجدة في أمانة العاصمة، كما أن هناك عدم تنسيق بين مكاتب الأشغال العامة داخل الأمانة، أي أن هناك عشوائية في التعامل مع منح التراخيص، وللأسف لا توجد استراتيجية تراعي المعدلات المرتفعة للنمو السكاني، وبالتالي توسع المناطق السكنية في العاصمة، والمفترض أن توجد معالجات للمشكلات الناجمة عن تواجد تلك الكسارات سواء عن طريق استخدام (الفلاتر الاروستراتيكية) أو غيرها. تشريعات قديمة يضيف العشاري: الموضوع يحتاج لقرار شجاع من أمين العاصمة، ونحن في وزارة الأشغال العامة للأسف دورنا إشرافي فقط، أي أننا لا نملك اتخاذ القرار، وللأسف لاتصل إلينا تقارير أو شكاوى في مثل هذه القضايا، كما أننا لا نملك إمكانيات للتصرف وللتحقيق في مثل هكذا قضايا، فللأسف هناك تقصير كبير من أمانة العاصمة والمجالس المحلية.. إذا كان الموظف البسيط في أي مكتب من مكاتب الأشغال العامة يجهل الخطورة من تواجد الكسارات فهنا تكون المصيبة الموظف يحتاج إلى دورات تدريبية توعوية، كما أن الساسة لا يعون بالمشكلات البيئية المختلفة، أو أنهم لا يعيروها أي اهتمام، وهنا الطامة الكبرى، وبسبب قلة الوعي البيئي لا يوجد اهتمام في التشريعات والعقوبات الرادعة لمحاربة هذه الظواهر السلبية المؤثرة على البيئة، فبالله عليك عقوبة - مثلاً - تغريم شخص مخالف بمبلغ ألفي ريال.. قطعاً سيستهتر المخالف بالموضوع، ويقول سأدفع الألفي الريال متى ما طلب مني، والتشريعات الخاصة بهذا الموضوع قديمة جداً تحتاج إلى تطوير وتحديث مستمر.. وأنا أطالب أمانة العاصمة من هذا المنبر أن تتعامل معنا كشركاء، ونحن نمد لهم يد العون في أية استشارة تعمل للحد من انتشار الكسارات داخل الأمانة.. الحزام الأخضر وحول الدور الذي يفترض أن تقوم به الجهات المختصة تجاه صحة المواطنين والمحافظة على البيئة التقينا بمدير عام مكتب الهيئة العامة لحماية البيئة بأمانة العاصمة الأخ صادق عبدالله محمد عسكر الذي أفاد بأن مهمتهم إشرافية، وفي حالة تلقي أي شكوى سيتم النزول كباحثين للتأكد من صحة الشكوى واتخاذ الإجراءات القانونية بالتنسيق والتعاون والمشاركة مع الجهات ذات العلاقة، ولكن إلى الآن لم يتم تلقي أي شكوى؛ ويرجع الأسباب إلى قلة الوعي الصحي لدى مانحي التراخيص أولاً، ثم المستثمر الذي يهتم بالعائد الربحي، بغض النظر عما يسببه من أضرار بيئية وصحية، والمواطن الذي يجهل حجم الضرر المترتب عليه وعلى بيئته. مشيراً إلى مشروع الحزام الأخضر الذي كان من المفترض تنفيذه في العام2007-2008م من قبل أمانة العاصمة ووزارة الزراعة ممثلاً في مكتب زراعة بأمانة العاصمة، إلا أنه وبإحلال قيادات جديدة حصل نوع من التأخير بسبب جدولة الأولويات وتمويل المشروع، والذي كان سيساهم في تعويض نقص كمية الأُكسجين لارتفاع مدينة صنعاء عن سطح البحر، وعدم تمتعها بمساحات خضراء، وإضفاء اللون الجمالي للعاصمة جراء ما تبعثه الكسارات ذات طابع الميكنة، أو التي تستخدم تقنيات بدائية من ثلوثات الهواء والمناشير المسببة للإزعاج والمستهلكة لكميات كبيرة من المياه لعملية التبريد ومخلفاتها التي لا يتم التعامل معها بطرق سليمة.. وبالرغم من صدور قرار مجلس الوزراء لعام 2008-2009م الذي نص صراحةً بنقل الكسارات من أمانة العاصمة إلى مناطق تم دراستها من قبل هيئة المساحة الجيولوجية وتم تحديد فوائدها والعمر الافتراضي للمقاطع التي سيتم استثمارها، إلا أن القرار مازال معلقاً لظروف سياسية اقتصادية واجتماعية، وقبلية في إطار المناطق التي أشارت إليها الدراسة في محافظتي صنعاءوذمار، والعجيب أن هيئة حماية البيئة تفتقد لمختبر صحي يمكنها من معرفة الحالات ذات الصلة بالناس والبيئة. معيقة للتحسين وعن الوجه الجمالي لأحياء وشوارع أمانة العاصمة وما تحدثه تلك المصانع من أتربة وإزعاج لسكان العاصمة تحدث بكل مسئولية ووضوح الأخ محمد يحيى القملي - مدير الشئون القانونية لصندوق نظافة وتحسين أمانة العاصمة - كاسراً الصمت الذي تغط فيه الجهات الرسمية ذات العلاقة؛ محذراً من كارثة بيئية وصحية محققة جراء ما تحدثه مناشير الأحجار والكسارات من انبعاث لرذاذات الهواء المتطاير والمعيقة لعملية تحسين وتجميل المدينة، متهماً جهات رسمية بالتباطؤ والتواطؤ، ممثلةً في بعض مختصي مكاتب الأشغال في عموم أمانة العاصمة؛ كونهم من يقوم بمنح التراخيص، ومكتب الأشغال هو المعني الأول والأخير بالتطوير الحضري وبالتخطيط، وهو الذي يحدد مواقع وعمل المناشير والكسارات، ويضيف أن أمانة العاصمة وبالتنسيق مع وزارة ومكتب الأشغال أوجدوا بعض الحلول آنذاك، وتم نقل معظم الكسارات إلى ضواحي صنعاء في منطقة صرف مديرية بني حشيش وفي مناطق الصباحة وقاع الفيضي، وهذه أصبحت الآن آهلة بالسكان وفي نطاق أمانة العاصمة، وأصبح يتوجب على المسئولين إيجاد حلول ناجعة وسريعة، وقد لاحظ من خلال عمله السابق كمدير لإدارة التحقيقات والقضايا وسكرتير للجنة المحاريق أن هناك متنفذين ملاكاً لتلك المناشير يبذلون الغالي والرخيص في سبيل إعاقة استئصالها من أمانة العاصمة، وأن الشكاوى التي كانت تصلهم من المواطنين كانت فقط بسبب انزعاجهم من الضجيج في الأوقات التي يكونون فيها نائمين خاصةً شهر رمضان، ولم يكونوا يعلمون بالكوارث الصحية التي تسببها لهم من الرذاذ المتطاير من مناشير الحجار وتؤدي لإعاقات سمعية بين السكان المجاورين، ويحمل مكتب الأشغال وإدارة صحة البيئة المسئولية عن كل ذلك. مناطق بديلة وحتى نأخذ جميع الآراء ووجهات النظر انتقلنا إلى أمانة العاصمة فالتقينا بالمهندس عادل النهمي - نائب مدير الأشغال العامة بالأمانة - فقال: مشكلة الكسارات مشكلة ليست بالكبيرة، لكنها تعتبر مشكلة مستعصية؛ لأن أغلب الكسارات يمتلكها نافذون في الدولة وإلى اليوم لا توجد تصاريح رسمية بمزاولة أغلب الكسارات لأعمالها، وإذا ذهب أي موظف يتبع مكتب الأشغال العامة للكشف والفحص فإما يتم الاعتداء عليه أو مضايقته بسبب نفوذ من يمتلك تلك الكسارة أو غيرها.. وعندما نقوم بحصر تواجد الكسارات داخل أمانة العاصمة فنجد أن المديريات يتواجد فيها عدد كبير من الكسارات.. وقبل سنتين وأكثر حددت هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية مواقع بديلة لتواجد الكسارات داخل أمانة العاصمة تتمثل الموقع الأول: في جبل قبره، ضلاع همدان، وتقع على بعد 22كم شمال غرب مدينة صنعاء على امتداد الحافة الجنوبية لوادي أنجرة التي يمكن الوصول إليها عبر الطريق الإسفلتي (صنعاء شبام كوكبان) ومن ثم طريق ترابي يمر عبر وادي أنجره وصولاً إلى منطقة «طيبة» والتي يظهر بعدها الطريق الإسفلتي المتجه إلى مدينة صنعاء مرة أخرى. فيما حددت المنطقة الثانية: الشعاب جحانة خولان، وهي على بعد 35 كم جنوب شرق صنعاء على جانبي الطريق الإسفلتي (جحانة مأرب)، أسفل جبل المشن من بداية قرية العبر وصولاً إلى قرية بني شداد. فيما تقع المنطقة الثالثة في بني أحمد، بني علي، بني مقبل، الحدأ، ذمار على بعد 9 كم شمال شرق مدينة معبر عبر طريق إسفلتي. كما اختيرت المنطقة الرابعة كذلك في الحدأ في بني هويدة وتقع على بعد 22 كم شمال شرق مدينة معبر بالقرب من مكاشف الصخور البازلتية في بني علي- بني أحمد.. وقد تم تحديد تلك المواقع نظراً لبعدها عن مواقع التجمعات السكانية والأراضي الزراعية، بالإضافة إلى تميز الصخور البازلتية في تلك المواقع بصلاحيتها الكبيرة وخلوها من مظاهر التجوية, كما لاننسى أن هناك القرار الحكومي الصادر في 2008 بهذا الشأن، والذي أوصى بنقل الكسارات إلى مواقع بعيدة عن المناطق الآهلة بالسكان، وبزيادة الغطاء النباتي ورصف الممرات الترابية المؤدية إلى مواقع الكسارات,لكن للأسف لم ينفذ هذا القرار. وباختصار شديد هذه المشكلة تحتاج إلى قرار سياسي قوي يعمل على إنهائها؛ لأنها كما أسلفت مرتبطة بمراكز نفوذ سياسي داخل الدولة، وأعتقد أننا الآن في عصر التغيير والتطور الشامل لليمن الحديث، فيجب النظر إلى الموضوع بعين الاعتبار وفي الوقت المناسب وقبل فوات الأوان. الموت اختناقاً أمانة العاصمة أصبحت تكتسي اللون الأغبر بدلاً من الحزام الأخضر والكارثة البيئية والصحية، أصبحت محققة والتعاطي بمسئولية واجب وطني يحول دون وصول الوضع الصحي والبيئي إلى درجة الموت انتحاراً.. لتوضيح الأضرار البيئية التي تسببها مناشير وكسارات الأحجار، وكذلك غبار السام - بداية التقينا الخبير الوطني لعلوم الصحة العامة والبيئة د. ناجي صالح ثوابه، الذي أوضح بقوله: كثرت في الآونة الأخيرة مسببات التلوث الهوائي في المدن اليمنية، وبالذات أمانة العاصمة؛ نتيجة لكثرة المنشآت الصناعية المتمثلة بمحطات توليد الكهرباء والمصانع ومصافي النفط، وانتشار كسارات الأحجار والمناجم ومحارق الياجور، فضلاً عن ملوثات السيارات بأنواعها في مختلف مدن ومناطق الجمهورية اليمنية، ومن أشهر تلك المنشآت التي تعمل على انبعاث الغبار من الكسارات ومعامل الحجار المنتشرة في أماكن متفرقة في أمانة العاصمة؛ إذ يربو عدد الكسارات عن 40 كسارة في غرب المدينة وشمال شرقها وجنوبها الشرقي، ويعد الغبار من أهم المشكلات البيئية التي تواجه صحة الإنسان خصوصاً الغبار السام الذي يحتوي على مواد الرصاص والزئبق والزرنيخ والاسبست، وهذه كلها مواد تسبب أضراراً خطيرة ومنها مرض سرطان الرئة القاتل الذي ينتج عن تسرب ذرات الغبار الصغيرة إلى الرئتين، والتي يبلغ قطرها حوالي (5) ميكرونات أو أقل، ويزداد خطر الإصابة بالغبار كلما زاد الوقت الذي يتعرض له الإنسان للغبار، وقد وجدت الدراسات أن أكثر من 25 % من ذرات الغبار تبقى داخل الرئتين والقصبة الهوائية بعد استنشاقها. مشاكل صحية - وأضاف ثوابه: أيضاً الهواء الثابت غير المتحرك يؤدي إلى مشاكل صحية منها: صعوبة التنفس والسعال أو الرشح والتهاب العيون تنتشر بين المجتمع وخاصة المسنين، كما تزداد الوفيات بسبب التهاب الرئتين وأمراض القلب.. مؤكداً أن الغبار يشكل خليطاً من المكونات الكيمائية وبأحجام متفاوتة، والخطورة تكمن في تلك الحبيبات التي تعد من المستويات التي يمكنها الدخول عبر فتحات الأنف والتمكن من الوصول إلى الشعب الهوائية محدثة مرض التحجر الرئوي حساسية مفرطة للجيوب الأنفية والرئتين، وكذلك الإصابة بمرض الربو والشعب، وعند التعرض لغبار السليكاء يؤدي في المراحل المتقدمة إلى ربو الجهاز الدوري (القلب)، ويحكم ذلك احتساب ونوعية وكمية التعرض ومدته، والعيون أحد الأجهزة التي تتعرض مباشرة لذرات الغبار والأتربة، ويتسبب ذلك في إصابتها بأمراض منها التهابات وتقرحات العينين وجروح في القرنية بسبب الحك والفرك اليدوي على العينين أثناء تعرضها للحبيبات وذرات الأتربة.. وتنتشر الأتربة في العمليات الصناعية طبقاً للطرق الصناعية المستخدمة، وتنتج من عمليات تقطيع وتكسير وتخريم الصخور لما يحدث في مناجم ومعامل تقطيع وتكسير الحجار وتختلف طبيعة الأتربة طبقاًَ للخواص الكيميائية للمواد التي تنتج عنها هذه الأتربة وإلى الطرق الميكانيكية والفيزيائية التي أجريت عليها. هدف التنمية وينتقل د. ثوابه في حديثه إلى كيفية تلوث الهواء، مبيناً بأن يأتي نتيجة لكمية الغبار الناتج من عمليات التقطيع بحيث تصل نسبة الغبار في أدنى تقديراته وفقاً للدراسات البيئية إلى 1 % تقريباً في المحاجر والكسارات المرخّص لها بيئياً من حجم الإنتاج، في حال الافتراض أن هناك محجراً أو كسارة واحدة تنتج المواد العالقة في الهواء يومياً، فكم عدد الوحدات الإنتاجية العاملة في محيط المدن الرئيسة وغالبيتها لا تعمل وفق المعايير المتبعة والتزامها بالإجراءات اللازمة حماية للصحة العامة والبيئة، وبأن الفئات الأكثر عرضة للتلوث هم الأطفال وسكان الجوار والقاطنون في اتجاه الرياح بالذات الشيوخ والعجزة وأولئك القابعين في أماكنهم دون ممارسات رياضية تذكر، كل أولئك هم عرضة لأمراض الجهاز التنفسي. ويشير الخبير الوطني إلى أن تلوث الهواء بالغبار وخاصة الدقائق الصغيرة، والتي يكون حجمها أقل من 5 ميكرونات، التي هي تشكل الجزء الأكبر من انبعاثات الكسارات وراء مُعظم أمراض الجهاز التنفسي، مثل: ضعف الأداء الرئوي وتلف الرئة وآلام الصدر والتحسس والربو، إضافة إلى حصول تشقق للبطانة الداخلية للرئتين، حيث إن خلايا الجهاز التنفسي سريعة العطب، كما أن الغبار المُنبعث من الكسارات والمحاجر يخترق الأنف ويصل إلى الدّم عبر الرئتين، وبالتالي ينقل المواد السامة من مكونات الصخور وانبعاثات الآليات والمركبات الناقلة إلى الجسم، وقد يسبب سرطاناً، وتأخير نمو الذكاء عند الأطفال. ويحذر إلى نتائج مشكلات التلوث البيئي التي لا تدع مجالاًَ للشك الناتجة بقصد أو بدون قصد التي تتسبب في مشكلات اقتصادية واجتماعية وصحية ترهق الأفراد والأسرة والدولة على حدٍ سواء، ويقول: إنه من المؤكد بأن الإنسان هو هدف التنمية ووسيلتها، ولذلك فإن المحافظة عليه تعتبر واجباً مقدساً على الجهات الرسمية الحكومية المعنية وفقاً للقوانين والتشريعات؛ كونها المعنية بتطبيق السياسات الوطنية المتصلة بالسلامة المهنية. صيحة واحدة - من جانبه يقول رئيس الإصحاح البيئي بوزارة الأشغال فيصل العشاري: كما أن هناك مشكلة كبيرة في التوعية للأسف لا توجد توعية فالغازات والأبخرة الناتجة عن تلك الكسارات لها تصنيفات متعددة بحسب الحجم والنوع سواءً الرخامية أو الجبسية أو الناتجة عن عمليات الطحن، فللأسف كلها تصيب الإنسان والكائنات الحية بشكل عام بأضرار متعددة سواء في الجهاز التنفسي أو الجهاز العصبي.. مشكلة يعتبرها بعض الناس بالبسيطة مثلاً الضوضاء والإزعاج الناجم عن الآلات الكهربائية.. إذا كان الله عز وجل يقول: (إن كانت إلا صيحة واحدة) فمابالك الأشياء الأخرى، فمثلاً الغبار والأبخرة الناتجة عن تلك الكسارات تنتشر في الهواء، وتصل إلى البيوت نفسها ويستنشقها الإنسان في بيته عن طريق انتقالها في الهواء. وأشياء أخرى - التقينا أيضاً بالدكتور: عبدالعزيز الوجيه استشاري متخصص في هذا الشأن، حيث قال لنا: يكون خطر الكسارات في الغبار الناتج عنها الذي يسبب تلوثاً في الهواء وخاصة الدقائق الصغيرة، أقل من عشرين ميكروناً، ويؤدي استنشاقه إلى إحداث تشقق للبطانة الداخلية للرئتين، كما أن الجزئيات الصغيرة للغبار تخترق الأنف وتصل إلى الدم عبر الرئتين، ناقلة المواد السامة من الهواء، وبعضها جزئيات لعناصر ومركبات سامة من مكونات الصخور يمكن أن تسبب السرطان، وفي آخر دراسة عن هذا الموضوع قبل ثلاثة أعوام سجل مركز علاج الأورام بالمستشفى الجمهوري بصنعاء 3590 حالة إصابة سرطانية، أغلبها سرطان الرئة والجهاز الهضمي والغدد الليمفاوية، وهي إصابات ربطتها الدراسة بارتفاع نسبة تلوث الهواء، كما ينتج عن تلك الكسارات الضجيج الذي يؤثر على السمع بدرجة كبيرة حيث يحدث ضعف في السمع لفترات محدودة. - وعن الأضرار البيئية الناتجة عن الكسارات بشكل عام يقول المهندس عبدالطيف الطيب أحد المسئولين عن صحة البيئة في مديرية التحرير بأمانة العاصمة: تسبب الكسارات تلوثاً هوائياً كبيراً للعاصمة، وبخاصة أن صنعاء من المناطق المرتفعة، والأكسجين فيها قليل، كما أن تيارات الهواء الشمالية الشرقية والغربية تسحب الغبار الناتج عن الكسارات إلى داخل العاصمة، إضافة إلى أن الهواء يمر من الشمال إلى الجنوب والعكس فتحصل دوامة داخل العاصمة، ولا يخرج ذلك الغبار، ويظل محصوراً في مناطق جبلية. - وكنتيجة طبيعية لتواجد تلك الكسارات مع أشياء أخرى تضر البيئة يستقبل سماء صنعاء كل يوم 7762 طناً من أوكسيد الكربون و988 طناً من أوكسيد الكبريت و29 ألف طن من ثاني أوكسيد الكربون، وذلك الحجم المخيف غير مسموح به دولياً داخل مدينة عادية، فما بالك العاصمة، فمخلفات الكسارات ترتفع بشكل تصاعدي ثم تتسع لتشكل ما يشبه السحاب الذي يتطاير ويعود إلى الأرض, ونحن نلاحظ هذه الظاهرة الغريبة داخل العامة.