“الفضول” من أهم وأكبر شعراء اليمن في القرن العشرين، وإن أهمل دراسة شعره ، وبدأ الاهتمام به مؤخراً، هو بالإضافة إلى كونه شاعراً مثقفاً وسياسياً وثائراً، عاش مرحلة شبابه، وهو مع عمالقة الفكر التحرري والنضالي، كان رفيقاً لأبرز شخصيتين لهما حضور في الوعي الجمعي اليمني في التاريخ الحديث..إنهما: الزبيري و الأستاذ النعمان.. ولاسم شاعرنا وقع خاص في كل ربوع اليمن..عبدالله عبدالوهاب نعمان، إذ يتبادر الذهن إلى عائلة لها من العراقة والنضال في تخوم الحجرية، ثم الفضول لما لهذا اللقب من دلالة إبداعية وثقافية..ارتبطت بمرحلة نضالية..جسدها الفضول في إبداعه وربما أيضاً في بساطته، وهو يبحث عن الكلمة القريبة من الناس وقلوبهم، الباحثة عن الحياة الكريمة والمنقبة بسجيتها عن الحب والسعادة..ثم ارتباط الاسم ككل “عبدالله عبدالوهاب نعمان” في الذائقة الفنية الشعبية الذي كتب قصائد، كُتب لها الخلود، وصارت رمزاً جميلاً للريف اليمني وتمحولاته، و انجذابه نحو الأرض ودلالتها الحميمية..فكان هناك تأثير ارتبط أولاً في وجدان الفضول..تأثير هذه الأرض بوديانها ووهدها، بمائها وخضرتها فشكلت الوعي الجمالي عنده، كما وضح ذلك الدكتور سلطان الصريمي، بأن هذا الوعي تحوّل إلى إنتاج إبداعي جميل ورفيع المستوى، ووضّح الصريمي في دراسته “تأثير البيئة الطبيعية والاجتماعية وجمال الصورة عند الفضول” بأن النشيد الوطني، والذي يعُّد من أروع النتاجات الإبداعية لشاعرنا، بأنه ثمرة رائعة للتأثير المتبادل بين الشاعر، وبين البيئات الطبيعية والاجتماعية التي عاشها، ثمرة تجربة غنية من الإنجازات، والمعاناة التي عاشها الشاعر وتمثل بها هموم وتطلعات الناس في الحرية وفي الوحدة.. فالفضول على حدِّ تعبير الكاتب قبل أن تحاصره اللحظة الإبداعية لكتابة النشيد الوطني، كان قد أقام الوحدة اليمنية في وجدانه وافترض أنها قد قامت واقعياً، وهذا سرّ نجاحه الرائع في إنتاج نشيد وطني خالد مدى خلود الشعب اليمني، وهذا الإحساس الوجداني الوحدوي الذي أقامه الفضول في وجدانه، لم ينحصر في توحيد اليمن، وإنما شمل الطموح في تحقيق الوحدة العربية.. على قاعدة الشعور الأممي الإنساني النبيل.. ونحن نشعر ونحس كثيراً بهذه الإحساسات، وبذلك التأثير الذي انتقل إلى جموع المتلقين، عبر عقود من الزمن.. الشعور بالوحدة، الإحساس بالقيمة وبالانتماء إلى هذه الأرض هو ما يخالج إحساسنا خصوصاً اليوم، ونحن في أعتاب مرحلة جديدة، ندرك فيها مدى ارتباطنا بهذا النشيد وبما يعتمل فيه ارتباط بالأرض المكان والإنسان.. الحلم والطموح بأن نرى وطننا وقد تخلص من كل ما يشده إلى الأسفل.. إنه التطلع الذي أراده الفضول، أن يعيشه، عاش الوحدة واقعاً، وأرادنا أن نُحققها أيضاً واقعاً مجسداً أولاً في تآلفنا وحبنا وأخوتنا.. وأن لا ننسى بمن رووا بدمائهم الزكية هذا الوطن من أجل غرسة المستقبل تنمو أولاً في نفوسنا ثم في هذه التربة الزكية.. رحمك الله يا شاعرنا الجميل، وشفى الله فنانا العندليب أيوب طارش عبسي.