أقيمت صباح اليوم الخميس على قاعة مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة بتعز محاضرة تحت عنوان- تاثير البيئة الطبيعية والاجتماعية وجمال الصورة الشعرية في شعر عبد الله عبد الوهاب نعمان (الفضول)- ألقاها الدكتور سلطان الصريمي. وقد تناولت ورقة المحاضر الدلالات الإبداعية والثقافية والسياسية للشاعر من جهة والدلالة الاجتماعية التي تتمثل في ارتباط الناس فيه من جهة ثانية, مستعرضا الأساس المتين لتأثير البيئة الطبيعية والاجتماعية التي بموجبها تشكل الوعي الجمالي عند الفضول ذلك الوعي الذي تحول إلى إنتاج إبداعي جميل ورفيع المستوى, مشيرا إلى التأثير المتبادل بين البيئة الطبيعية والاجتماعية وبين الأديب ونتاجه الإبداعي الذي هو المكون الأساسي لمستوى الوعي الجمالي والثقافي لدى أي مبدع كان. وأشار الصريمي إلى أن الفضول اكتسب ثقافته وعيه الجمالي في تجربة حياتية متعددة البيئات الاجتماعية والطبيعية والتي تنقل فيها من قرية ذبحان حيث ولد عام 1917م في أسرة حظيت بقسط وافر من العلم، وكذا مدينة صنعاء حيث واصل تعليمه فيها بالقرب من والده الذي كان مسجونا في احد سجونها, مرورا بمدينة زبيد التي تلقى فيها العلم لفترة ثم مدينة تعز التي عمل فيها مدرسا بالمدرسة الاحمدية مابين الفترة 1941م - 1944م , ثم مدينة عدن حيث واصل تعليمه في مدرسة بازرعه الخيرية. وتطرق الصريمي إلى المناخ الملائم الذي وجده الشاعر في عدن حيث تجسد ذلك في إبراز إمكانياته الإبداعية والثقافية في وقت كانت فيه مدينة عدن تعيش نهضة ثقافية وسياسية مميزة, فقد مارس الشاعر في هذا الجو الثقافي الناهض معارضته لنظام الإمامة في شمال الوطن من خلال كتاباته في الصحف العديدة التي كانت تصدر في مدينة عدن وخاصة صحيفة فتاة الجزيرة وصحيفة صوت اليمن, فيما احتلت صحيفة الفضول التي أصدرها الشاعر الكبير مكانة خاصة في حياته الثقافية والسياسية ومنعطفا ايجابيا في نضاله السياسي ضد النظام الامامي, واستعرض الصريمي مراحل مختلفة من حياة الشاعر الفضول ودوره النضالي في سبيل التحرر والانعتاق الوطني من الاستبداد والاستعمار. واعتبر الصريمي أن النشيد الوطني من أروع النتاجات الإبداعية للشاعر الفضول لأنه ثمرة رائعة للتأثير المتبادل بين الشاعر وبين البيئات الطبيعية والاجتماعية التي عاشها وهي ثمرة نتاج تجربة غنية من الانجازات والمعاناة التي عاشها الشاعر وتمثل بها هموم وتطلعات الناس في الحرية والوحدة, منوها إلى أن الفضول قبل أن تحاصره اللحظة الإبداعية لكتابة النشيد الوطني كان قد أقام الوحدة اليمنية في وجدانه وافترض أنها قد قامت واقعيا وهذا سر نجاحه الرائع في إنتاج نشيد وطني خالد مدى خلود الشعب اليمني. وتطرق المحاضر إلى مشاهد خمسة للنشيد الوطني ( رددي أيتها الدنيا نشيدي ) قال إنها مكونات النشيد الأساسية وهي : المشهد الأول: مشهد الدنيا: وهي تردد النشيد الوطني في كل عيد وفي كل فرحة وطنية وتمنح الشعب الحلل المنسوجة من ضوء الأعياد واستحضار الشهداء وهم يطلون من قبورهم لمشاهدة دمهم الذي سقى غرسات المستقبل وكيف علم الأجيال الاستعداد والتضحية وهاماتهم مرفوعة نحو السماء اقتداء بآبائهم وأجدادهم. المشهد الثاني: مشهد الميلاد: وهي تنظر إلى الأبناء والأحفاد وهم يؤدون نشيد القسم بحماية جلال الوطن والحفاظ على ضوئه الذي شمل كل صخرة وكل ذرة رمل فيه وكل ندى في ظلاله في جنوبه وفي شماله. المشهد الثالث: مشهد الوطن: وهو يمشي نحو المستقبل بخطى ثابتة تشبه السيل وهو يرتمي وسط ليل كدلالته على قوة الوطن بفضل الأرض التي زرعت بسمة الخير في فم الشعب وزرعت أيضا في فمه ناب الضيغم يؤكد هذا المشهد على الثقة بالأمان من موقع القوة والنصر والإيمان الذي يجري مجرى الدم ملازما لفرحة النصر وحزن المأتم الذي يجعل الوجود لا يخشى من العدم. المشهد الرابع: مشهد البناء والسلام القائم على الثقة بالنفس. المشهد الخامس: وهو مشهد جمع بين الوحدة والأمة والراية والإيمان والحب والإنسان والسير على الدرب العربي بإيقاعات النبض اليمني وفي هذا المشهد تتجسد الوحدة اليمنية بمكوناتها الكاملة. كما تطرق الشاعر لمحاور أخرى في محاضرته منها خصوصية العلاقة بين تعز وجبل صبر وتجسد ذلك في قصيدة (طاب البلس طاب وطعمه قبل) مستعرضا نماذج من إبداعات الشاعر الفضول التي طرب الحاضرون لسماعها مرددين مع المحاضر المقاطع الشعرية للشاعر والتي غناها زميله الفنان الكبير أيوب طارش عبسي. وأكد المحاضرعلى قدرة الشاعر الفضول التي لا تضاهى بمزجه بين جمال الطبيعة وجمال المجتمع كما في قصيدة وادي الضباب, إضافة إلى عدم الامتلاء العاطفي والصورة الأصل والصورة المنسوخة منه التي تجسدها قصيدة (مدارب السيل) حيث امتلك الشاعرعدسة تصويرية نادرة تجعله يتمكن من نسخ أكثر من صورة من الصورة الأصل بحيث لا تتأثر الصورة الأصل من ناحية وتكتسب الصورة المنسوخة استقلاليتها جماليا ومضمونيا من ناحية ثانية. واختتم المحاضر بالتأكيد على انه من الصعب جدا تناول الملامح الكاملة للصورة الشعرية عند الفضول في قراءة معينة فملامح الصورة الشعرية في قصائده كثيرة وغنية بالجمال. حضر المحاضرة مدير عام مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة بتعز فيصل سعيد فارع وجمع من المثقفين والشعراء بالمحافظة.