لا أتذكر يوماً رمضانياً بلغ بي الجوع فيه مبلغاً ربما لأن قوى الجوع التأثيرية في الجسد الجائع تفقد مقدرتها على الفتك بمجرد أن يستعرض الذهن الصائم طابور المأكولات المنتظر عناقها في السماء. الجوع ليس كافراً ..بل هو الكفر بحد ذاته يدرك كل من عايش هذا المعنى وما أكثرهم !! لكنه في رمضان يتجرد من شيطانيه، فإذا هو معنى قيمتي يهب التواضع ويمنح الوقار ويهذب السلوك. في الجوع جماليات جمة تتجلى كثير منها في أيام الصيام وفي مظاهر يضيق المقام بذكرها لعل أيسرها أن يجلس المرء مع نفسه بعد أيام وربما أشهر من الافتراق والجمال الكامن في هذا اللقاء أو الجلوس يتمثل في كون الصائم يستطيع أن يكون طرفاً ثالثاً يحكم بين جانبيه الروحي والجسدي فالجسد منهك القوى بفعل الصوم والروح مجردة أو تعتزل أطماعها وشهواتها بفعل غياب المعطيات الجسدية من القوة والتي تمنح النفس مقومات التحريك والإدارة والحث وإذن فالجانبان في حالة استكانة جعلت كل منهما يتساوى مع الآخر..لا مجال لأن يكون أحدهما قائداً آمراً والآخر تابعاً مطيعاً وبذلك يعود الإنسان إلى موقعه الأصل الذي يكون في مسئولاً عن جانبيه وعن كل ما يبدر منهما بعد أن ظلت سلطته هذه محل تجاذب بين قوى جانبية الجسدي والروحي. أكاد أجزم أنه ليس الجوع فحسب بل وغيره الكثير من المعاني تحمل في طياتها الكثير من الجماليات فقط الإنسان هو من يعجز عن رؤيتها حيناً وأحياناً أخرى يتعامى عنها ومن خلال تجارب كثيرة أحسب أن الصيام إحدى العدسات التي يمكننا من خلالها رؤية تلك الجماليات بوضح وجلاء. سواك: حين تنسى جمال المكان وتنسى مكان الجمال تذكر تذكر بأنك أنت الجميل وقل حينها: سوف لن أسلم الروح أمري لأني عرفت المقام الذي استحق.