ها هو شهر الرحمة يطوي صفحاته رغم أنوفنا مرتحلاً عنا ونسأل الله أن تكون ذنوبنا ومعاصينا مرتحلة معه، شهر المودة والمحبة والسلام يخلفنا في أحزاننا عليه ويتركنا نعيش أمل اللقاء به مجدداً في عام قادم يعلم الله من سيبقى ومن سيرحل؟ رمضان فرحة للفقراء الذين يعانون طوال العام قساوة الناس ويجدون الصد والإعراض عنهم حتى إذا أطل رمضان تهللت وجوه الفقراء والمساكين فرحاً بمقدمه وكأن الدنيا قد جاءت إليهم مرغمة بعد أن ذاقوا مرها. في رمضان تتسع مساحة الرحمة في قلوب الناس عن غيرها من الأيام وهى حالة طبيعية انعكاس لروحانية الشهر الكريم على المسلمين؛ ولذلك يتمنى الواحد منا أن يكون العام كله رمضان حتى القساة ترق قلوبهم وترى بعضهم يسارع في عمل الخير بعد أن كان يتأفف من فعله في غير رمضان ، وتلك بركة الشهر الكريم التي ميزه الله بها عن باقي الشهور . والسؤال الذي يتجاذبني ورمضان يرحل عنا “لماذا لا يتراحم الناس في غير رمضان؟” ونحن كمسلمين قدوتنا في الرحمة والتراحم محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى عنه: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }(الأنبياء:107) ، وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة:128) ، ويؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (أنا نبي الرحمة)(رواه مسلم) ويقول: (يا أيها الناس، إنما أنا رحمة مهداة ).. و قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تنزع الرحمة إلا من شقي)(رواه أبو داود).. وقال: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء)(رواه أبو داود) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (لن تؤمنوا حتى تراحموا، قالوا: يا رسول الله كلنا رحيم، قال: إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه، ولكنها رحمة العامة)(رواه الطبراني).. فمالنا لا نتراحم بيننا كمسلمين طوال العام؟ أتخيل أننا لو كانت الرحمة متواصلة بين الناس طوال العام لما ظهر في رمضان ما يدمي القلوب من مناظر المرضى والمعوقين والمساكين واختلطت الصور على الناس فلم يعد يعرف الواحد من الصادق الباحث عن المساعدات ممن يتكسب بعاهته وجروحه، ومع يقين البعض أن هناك من جعل رمضان فرصة لجني المال من مصابه ومصاب قريبه إلا انه مع ذلك يخرج من ماله ويتصدق رحمة وشفقة بما يرى من صور البؤس في أولئك الباحثون عن رحمة وعطف الناس. ونحن نعانق رمضان مودعين له في اللحظات الأخيرة من أيامه ندعو كل من كان قلبه رحيما في رمضان أن يستمر على طريقته، وأن يتحسس في طريقه كل من يحتاج إليه، وأن يسهم في إدخال السرور إلى قلوب كثير من البؤساء المنتشرين في كل مكان ، ونذكر أصحاب المال ان يستمروا في الإنفاق والبذل للمرضى والمساكين والفقراء من أبناء المجتمع الذين يرون فيهم أملهم بعد الله تعالى في تفريج همومهم وكربهم، وإلى كل منتحل صفة مسكين أو مسترزق بعاهته وعاهة قريبه أن يترك هذه الحرفة المنبوذة “التسول” وأن ينهض بحاله ويبحث عن لقمة العيش بطرق حلال.. تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال وكل عام وأنتم بخير.. [email protected]