الشعب اليمني بحاجة إلى دار رعاية للأيتام, يراودك هذا الإحساس وأنت تجوب في أرجاء مؤسسة الرحمة للتنمية الإنسانية, تطوف في أروقتها موزعاً دهشتك وإعجابك بين الانضباط السلوكي لكل من ضمتهم المؤسسة من نشأة ومختصين وبين النظافة في دار تحوي أكبرعائلة مكونة من 400 طفل وشاب بين فتى وفتاة تتفاوت أعمارهم وأحلامهم لكنهم يتفقون أن هذه المؤسسة هي وطن صغير يليق بهم وأسرة كبيرة تتسع لمن لا أسر لهم . تأسست الدار 102001م وخصصت لإيواء الفتيات اليتيمات وتتألف المؤسسة من خمسة دور إيواء هي :دار الرحمة وهو المقر الرئيسي ودار الفرسان ودار سنان ودار هند ودار الوفاء وهذا الاخير, أنشأ فرعين في كل من تعزوإب كما أن لدى المؤسسة مركز الريادة للتدريب والتأهيل انبثق عنه فرعان في كل من تعزوإب. أيضاً.وفي المهرجان الذي اقامته المؤسسة في المركزي الثقافي السبت الماضي تبرع رجال الخير بتكاليف مشروع فرع للمؤسسة في الحديدة المؤسسة الآن تكفل قرابة 1000 يتيم ويتيمة ويتكون نظام الكفالة لديها من قسمين: الأول كفالة داخلية: وهي كفالة الأيتام داخل الدار ورعايتهم صحياً ونفسياً وتأهيلهم إلى جانب توفير السكن والغذاء وعدد المكفولين داخلياً قرابة 400يتيم..) الثاني كفالة خارجية: وهي كفالة الأطفال في حضن أسرهم وهذا يدخل من ضمن مهام مركز الريادة الذي يقوم بدور المشرف على اليتيم من خلال منحهم مبلغ شهري للأسرة وتقديم المساعدات الغذائية والصحية والتعليم كما أنه يقوم على تدريب الأيتام وتأهيلهم وعددهم تقريباً 600يتيم ويتيمة. لم تكن فكرة الدار إعالة يتيم وكفالته فحسب , فقد لمست في الدار بناء إنسانياً ومعرفياً عصرياً متكاملاً, فللأنشطة المتنوعة نصيب, فالأهتمام بالمواهب الفنية والإبداعية من أولويات الدوركما أن مواكبة العصر تظل هاجس القائمين على الدار كتعليم اللغة الإنجليزية والكمبيوتر,أضف إلى دورات متخصصة في الفوتوشوب والديزاين ,ولدورات التنمية الذاتيةكذلك نصيب وافر..وهناك 22 مدرسة خاصة منحت المؤسسة مقاعد مجانية لتأهيل أبناء المؤسسة من الجنسين أضف إلى المنح التي يقدمها المعهد الأمريكي في قسم اللغة الانكليزية وفي المؤسسة قامت مكتبة متنوعة تهدف القائمات عليها إلى توفير الكتب لمختلف الأعمار بالإضافة إلى تنمية المواهب ورعايتها وقد شاهدنا بعض الرسومات التي تحمل مؤشرات طيبة للمستقبل بالإضافة إلى المشغل وهو مشغل خياطة وتطريز. تقول الأم الروحية صاحبة الدار الأستاذة/ رقية الحجري: إن اسم المؤسسة يمنحنا الكثير من دلالته فنحن هنا لا نوزع الرحمة على الآخرين بل إننا نحيا بها هنا ونستمد من هذا المكان إنسانيتنا ونعمر أرواحنا بالخير وحب العمل الطوعي والعطاء إن ذلك يمنحنا سعادة عظيمة رغم ما يعترضنا من مشاق وتضيف الأستاذة رقية مؤكدة إن رقي الإنسان الحقيقي لا يأتي إلا من خلال تهذيب سلوكه بالمعرفة والنظام ,لأن المعرفة التي تفتقر إلى النظام هي معرفة غير منتجة والنظام الذي لم تهذب قوانينه بالمعرفة هو نظام ديكتاتوري ولا يحمل البعد الإنساني والأخلاقي في منظومته ولهذا نحرص أن تكون المؤسسة نموذج حقيقي للبيئة الصالحة الفاعلة والمتفاعلة في ومع المجتمع ونحرص على أن تظل علاقتنا بأبنائنا ممن انخرطوا في المجتمع علاقة أسرية بصلاتها ومشاركتها ورعايتها . ومن جانب آخر تضيف الأستاذة ميسون السنيدار إحدى المسؤلات في المركز الرئيسي متحدثة عن أبرز المشكلات التي تعيق سير العمل في المؤسسة : إن أكبر ما يواجه المؤسسة إلى جانب العائق المادي من متاعب هو حالة الفصام التي يعيشها اليتيم أو اليتيمة بين القيم التي يتم تنشئته عليها في الدار وبين ما يواجهه من معاملة في محيطه الاجتماعي والأقرباء حين زيارتهم لأسرهم واحتكاكهم بمجتمع ربما نتفق عليه جميعاً أنه يحتاج للكثير من التأهيل الأسري والمعرفي حول سلوك الطفل .كما أن هناك مشكلة أخرى وهي الحالة النفسية التي يأتي بها اليتيم إلى الدار جراء الأحداث وما يتعرض له من انتهاكات والتي عادة ماتكون هي الدافع وراء مقدم الطفل للدار من خلال فقدانه لأحد الأبوين أو كليهما..فهناك صعوبة كبيرة تواجه المربيات والأخصائيات في إعادة تأهيلهم النفسي ودمجهم مع بقية أخوتهم في الدار..خاصة من كانت حكاياتهم فقدهم للأب أو للأم قصصاً مؤلمة أو جنائية حدثت أمام أعينهم. وبوسع المرء أن يتخيل مدى الطاقة المحشودة والجهد المبذول لإنجاح هذا العمل والوصول به إلى هذا القدر من الترتيب والنظام المستمر, رغم الصعوبات التي تواجه المؤسسة من الشباب المؤهلين داخل الدار والذين التحقوا في أقسام الكليات المختلفة منها كلية الاعلام والهندسة والتربية يلتحقون بمنظمات وأفكار تليق بعقولهم المستنيرة كمنظمة ( عقول مفكرة ) التي تتحدث عنها سمية الأعوش -إحدى المؤسسات للمنظمة ومن المنتسبين للدار- طالبة الآن في كلية الاعلام عن مشروع المنظمة التي تحمل في مضمونها رؤى عصرية تفاعلية تؤسس للعلاقة الجدلية بين العقل والمستقبل وعمادها المعرفة والعمل. وقد تخرج الكثير من أبناء الدار إلا أن ارتباطهم الوجداني بها دفع بالبعض منهم الى العودة اليها ليسهموا بالعمل تحت لوائها كما علمنا أن إحدى مؤسسات دار الوفاء في إب هي إحدى الخريجات من المؤسسة بعد أن إنضم زوجها للعمل معها في إدارة الفرع . فاصلة بيضاء ربما ستظل الحياة بالنسبة للإنسان اليمني أشبه بمسودة (يشخبط) فيها كيفما اتفق دون اكتراث حقيقي لما يصنع ولهذا ستظل حياتنا نحن اليمنين بسلوكها وسلسلة متغيراتها بعيدة عما يتوجب علينا المضي إليه وإلا لأحسسنا أننا نحن المعنيون بهذه الحياة وعملنا على قياس أفضل طرق الاستجابة لحركة الحياة من حولنا ولكننا ننظر إليها من نافذة قصية وكلما رأيناها تمضي بعيدة عنا حقدنا عليها وزادت الأمور في أذهاننا تعقيدا وعكفنا على توبخيها وألقينا اللوم على من سبق ومن لحق وأخذنا نحتج على كل شيء وليس هناك أسوأ من منظّر يشغل فراغه في التنقيب عن هفوات الناس وأخطائهم واصطيادها من أجل التشهير والشهرة. وليس هناك أنبل من إنسان نذر حياته وماله وجهده ووقته من أجل ذات الهفوات والأخطاء لكن من أجل معالجتها بصبر وأناه واحتساب. أليست هذه ثورة ؟ إنها بكل المقاييس ثورة اجتماعية، ثورة ضد الظلم الاجتماعي والأسري ومقاومة التهميش إنه نضال صامت يهمس في أذن العالم : هنا (الثورة فعلا) هنا طاقة المستقبل الجديد.