إنها تعز..«فاتنة» هائمة في عشق الجبل..مستلقية بين ذراعيه في غفوة طولية الأمد..«حالمة» تشع جمالاً وطيبة.. «متواضعة» جهل أبناؤها قدرها فتمنى الغريب أن لايفارقها.. في خضم البحث والتقصي عن حكايا الحب هذه.. كانت البداية مع الشاب محمد غانم يوسف “عماني الجنسية” التقيته قبل فترة ليست بالبعيدة في صالة استقبال فندق الشريف بتعز.. مضى الرجل يحدثني بزهو عن عشقه المتماهي لهذه المدينة الحالمة، وكيف يمنحها كل عام أسابيع من وقته المزحوم.. للتو ولدت فكرة هذا الاستطلاع .. بعد أيام معدودة التقيت بعدد من الزوار العرب لهذه المدينة الحالمة.. رافقتهم فوجدت تعز بعيونهم «شيئاً ثانياً».. سريعاً ما انقادت فيها خطاهم وسريعاً أيضاً ما «تيموا» بها.. دخلوها زواراً فخرجوا منها عشاقاً..سلبت ألبابهم..وانتزعت منهم وعوداً بتكرار الزيارة «فزيارة واحدة لا تكفي»، على عجالة وفي ذروة صراعهم مع الوقت انتزعت هذه الانطباعات ليس من جميعهم ولكن ممن زاروا تعز لأول مرة..الذين تكشف لنا عشقهم من النظرة الأولى.. خصوصية مميزة عبدالعزيز صالح العويس.. جذبته تعز بعذوبة هوائها ومعالمها الطبيعية الأخاذة فأفصح عن مكنون انبهاره مما رآه في تعز بشكل خاص واليمن بشكل عام.. كانت هذه زيارته الأولى ولكنها لن تكون الأخيرة على حد وصفه فهو لم يرو غليل عديد أسئلة كانت تتجاذبه، والمخبوء في مكنون نفسه ليس زيارة واحدة أو اثنتين بل أكثر من ذلك بكثير.. - يقول عبد العزيز: لليمن خصوصية مميزة ونحن في المملكة العربية السعودية نعتز بها ونعتبرها بلدنا الثاني، والحقيقة أني اكتشفت أنها أفضل بكثير من كل ما سمعته عنها من قبل وانبهرت تماماً وأتمنى لو أقضي بقية حياتي فيها.. لحظات سارقة - هناك في الجند حيث يقبع جامع معاذ بن جبل رضي الله عنه تسنى للوفد ومنهم صاحبنا عبدالعزيز معايشة تاريخ حي مهيب، فجأة التفت نحوه فوجدته سارح الذهن عيونه تتلهف وبلحظات سارقة لاقتباس شيء من ذلك التاريخ.. وبنظرات تحمل تعابير ومعاني كثيرة على الرغم من انشغاله بتوثيق التفاصيل.. حين التقيته وسألته عن مدلولية ذلك التأمل.. أجاب: في جامع معاذ تذكرت الانطلاقة الأولى للدعوة لهذا الدين الحنيف كما تذكرت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بأنه سيجد قوماً أهل كتاب ونصت النصيحة على «يسرا ولا تنفرا وبشرا ولا تنفرا وتجاوزا وتطاوعا..» ويرى عبدالعزيز أن هذا الحديث قاعدة شرعية لأصول الدعوة ومن هنا من جامع معاذ بن جبل كان تجسيدها الأول. - عبدالعزيز في آخر حديثه لم يخف إعجابه بأبناء اليمن الذين تشع الطيبة من وجوههم فكل شيء في اليمن جميل ورائع، وأفضل شيء هو ذلك الإنسان البريء والطيب كيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد زكاكم من قبل بقوله: "أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة" وأهل اليمن بحق مجبولون على رقة قلوبهم ولين جانبهم لم أجد أحداً منهم متجهماً أو متعصباً..فالكل لا يجيد التعامل مع الآخرين إلا بالاحترام.. حتماً يسبح الله مسجد ومدرسة الأشرفية هي بحق تحفة معمارية نادرة رحابها الطاهر حظي بزيارة وفد الرابطة..رأيتهم مفتونين مبهورين بما صاغته أنامل الأجداد من هندسة وإبداع.. حاولت أن أسترق السمع لانطباعات الوفد الجانبية فوجدتها تحكي إعجاباً لا يتوقف، الدهشة والانبهار عنوانها البارز..وما توحد على ألسنة الجميع “ما شاء الله سبحان الله!” حينها أيقنت أن الدخول إلى رحاب الأشرفية له مذاق خاص ونكهة عابقة وأن من رآها «حتماً يسبح الله». - قبل أن تهم شمس ذلك اليوم بالرحيل انقاد الموكب صوب قلعة القاهرة..فتناثرت في أرجائها حكاية التميز الفريد..مع رحلة الصعود كل العيون مفتوحة لا تغمض تلتفت يمنة ويسرة وفوقاً وتحتاً ولا تستقر على حال، وطأت اقدامهم قمة القاهرة خفيفة بالتجوال وكأنها تسبح في السماء ومع كل خطوة تتولد نظرة مختلفة فسرت في أعماقهم دفقات حراء من الاعجاب.. وأخذت بمجاميع قلوبهم «كل القلوب» - إبراهيم عبدالعزيز الجمعي رجل أعمال سعودي.. قطعت عليه تحليقه فحلق بنا بتعابيره الجميلة التي لا يحملها إلا قلب شاعر. يقول الجمعي “المشاعر اختلطت بالورد والريحان والياسمين والصور الجميلة..هنا تستمد الأرواح التواقة للجمال شيئاً من صفائها المخبوء في تلك الهالة المنعشة من السكون..وأضاف الجمعي: والله ما كأننا في بلد غريب ونحن لسنا في بلد غريب فعلاً فهذا يمننا يذكرنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «الإيمان يمان والحكمة يمانية»، والحقيقة أنني وأعضاء الوفد لم نكن نتوقع أن تكون اليمن بهذه الروعة والجمال الذي رأيناه في كل شيء في الطبيعة والطراز المعماري الذي ينفرد به اليمن ونجده متميزاً جداً،. وأحب أن أقول للحكومة اليمنية وللشعب اليمني الحفاظ على هذه الطبيعة الجميلة وهو ما تنفرد به اليمن عن بقية العالم. تأمل واستغفار توالى صوت الأذان من مآذن الحالمة ونحن في قمة القلعة نتابع انبعاثها الملفوف بصدى الترجيع فانسكبت في نفوسنا التواقة هالة من الروحانية.. بسنة الجمع والقصر أدى الوفد صلاة المغرب والعشاء فوق محراب التاريخ وامتزجت بعدها لحظات التأمل بالاستغفار..مع خطى المغادرة التقيت سالم محمد يحيى، موفد التلفزيون السعودي ميمماً بصره وخطاه صوب جبل صبر الذي بقدر ما سمع عنه بقدر ما عقد العزم على زيارته ومشاغل العمل التي شغلته عن زيارته من سابق هي التي قادته الآن إليه. - اليمن «أصيل، بسيط،عريق ،جديد» توصيفات اجتمعت على لسان صاحبنا سالم، وزاد عليها أن للسياحة في اليمن مستقبلاً زاهراً خصوصاً إذا وجد الاهتمام بالبيئة وتوعية الناس بالحفاظ عليها، وكذلك أن تقام المعارض السياحية عن اليمن حتى يتعرف الآخرون عليها أكثر. سالم أشاد بالتقدم والازدهار الحاصل في هذا البلد سواء في المجالات العمرانية أو الاقتصادية..الخ، متمنياً مزيداً من التقدم مزيداً من الازدهار مزيداً من الاهتمام بالآثار والمعالم التاريخية مزيداً من الاهتمام بالبيئة والتخلص من المواد البلاستيكية وتوعية الناس بمخاطر هذه المواد واضرارها للحفاظ على نقاء وجمال البيئة اليمنية. عيد حب أخضر يالها من طبيعة ساحرة كل ما فيها يجسد ويكمل الجمال.. في أحضان جبل صبر اكتملت الصورة حيث القرى المعلقة تسامر النجوم..بينما أعضاء الوفد منشغلون بترصد المدينة المتلألئة من باحة فندق الشيخ زايد في خصر الجبل.. انهالت عليهم باقات من الشُقر الصبري الفواح تجسيداً لعيد «الحب» ولكنه أخضر مختلف، على إيقاع النسائم العليلة تستمر الرحلة نحو القمة.. والجو يتغير ويتزين بتفاوت الطبيعة الخلابة، وحالة الطقس..وباقي التفاصيل أتركها لرجل الأعمال السعودي خالد الفهر حيث جاء وصفه: «لقد كان الجو رائعاً للغاية والأروع منه صعودنا نحو السماء وارتفاعنا إلى القمر..» - كي تتضح الصورة أكثر.. وصلنا قمة العروس لحظة بزوغ القمر وهو في غاية الروعة والاكتمال..رأيناه أسفل منا يملأ السماء ويمد الأرض بالنور..وصلت حينها لحظة الاندهاش عند اعضاء الوفد حد الذروة، فتسابقوا لالتقاط الصور التذكارية والقمر أسفل منهم..ولولا أن البرد عكر صفو تحليقهم لكانوا بقوا منتظرين صعود القمر أكثر فأكثر..يقول خالد الفهر “إنه لم يسبق له أن رأى مثل ذلك وإن تلك اللحظة حتى وإن لم توثق فوتوغرافياً ورقمياً فلن تمحى من ذاكرته ما بقي على قيد الحياة..” نحسدكم عليها وأضاف خالد الفهر بأنه لا بد من ذكر بأن اليمن بلد أهله أهل كرم وطيبة وتعز بالذات هواؤها عليل وليس لها مثيل.. مؤكداً أنه زار مناطق عدة في أنحاء العالم ولم يحس بطعم النوم «نوم القيلولة» إلا في هذه المدينة، موضحاً: مدينتكم جميلة نحسدكم عليها».. وختم خالد حديثه بأن وقت الزيارة كان ضيقاً للغاية وأنه قطع على نفسه وعداً بالعودة مرة أخرى ولكن هذه المرة هو وجميع أفراد أسرته تحديداً في الصيف القادم.. ومما أكده خالد أنه أخذ العزم أيضاً على الاستثمار سياحياً في هذه المدينة وجبلها الأخضر؛ لأنها على حد وصفه بيئة خصبة وصفقة رابحة مائة في المائة.