هكذا شق الظمأ قلب أيوب وأشعل في عروق الفضول الدما. والشوق لا يطفيه شنان ماء والحب لا يرويه ماء السماء في كلا قلبيهما معاً. نعم ظمئ أيوب وأظمانا معه وارتوى فأروانا معه وفرح فأفرحنا معه وبكى فأبكانا معه، امتلأت حياتنا بمواويل أسجاعه وأنغام روحه، غنت معه القرى الهادئة، والمدن الصاخبة، تجمعت في جوه السحب وأمطرت في كل الشعاب والهضاب والوديان.. إنه صوت يقطر بأنداء الغبش، وسماحة التهايم وغمضات النجوم وتنهيدة الوديان بين دخان جهيش الغرب “الذرة” وضحكات الورد والبلس في حنايا صبر فألف قلب لا تكفي لهواك يا أيوب. أشجيت فأبكيت ملايين الأعين، وأرويت ظمأ كل القلوب، وأطريت جفاف النفوس جنحت بلا ريش لتصل إلى مُبتغاك من وطن ونهر ورعيان وسواقٍ وتلاقٍ، وأشجار وعصافير فعايشتهم جميعاً, هفوت إلى خلانك فهفا معك كل خليل إلى خليله أضاء الحب قلبك فأضأت معك كل القلوب البيض في ليل الحياة. غنيت للحب وسبحته بوجدانك وروحك وخالطته بإيمانك وصلاتك. لوعك الحنين لكنك صبرت السنين ووفيت بعهدك لمن حبيت، بل ولملمت أشواقك وأحراقك وأعطيتها قلوب اللائمين مشيت وقلبك وسط وديان محبوبك آخذاً معك الريحان والألحان، وسألت عنه فوج النسيم وكل زهرٍ وريم تفننت بذكره حينما نامت كل القلوب إلا قلبك فإنه ساهر لا ينوم. رشيت العطور الكاذية و عراجس الزهور الزاهية على رؤوس العرسان. أعطيت كل أيامك يا أيوب وشوقك وحنينك، وآهات فؤادك وشجونك لمحبيك فلم يخلصوا بحبهم لك مثلما أخلصت بحبك لهم. أعطيت روحك وكل ما لملمته من مُنى عمرك وأحلام سنينك لكل محب وهم اليوم ينظرون إليك وأنت تعاني أشد الآلام شاركتهم الأفراح فتركوك للأتراح وكؤوس الأحزان. طاب لقاء المحبين معك على ترانيم أوتار عودك وعذب صوتك، ونشوة لحنك أوفيت بالعهود فخانوك، حببتهم فبادلوك بالكره وإلا ما تركوك تعاني آلامك داخل وخارج وطنك وهم ينعمون بوطن حكت نسيجه من كل شمسٍ.. وبقي نبض قلبك يمنياً على فراش المرض. هاهنا كل ضمير مؤمن أنت محراب له يا وطني والوطن اليوم من شماله إلى جنوبه لا يعلم كيف حالك يا أيوب بل وأهل الوطن كلهم وحكام الوطن. قبل أيام قلائل وفي منتصف شهر أغسطس الماضي من العام 2012م حلت الذكرى الثلاثين لرحيل فيلق عظيم، عملاق من عمالقة الشعر اليمني إنه رفيق درب الفنان القدير أيوب وكاتب كلمات أغنياته. الرجل الذي ظل مناضلاً طيلة حياته بل وصحافياً، وأديباً، وسياسياً، وأستاذاً وساخراً، وشاعراً غنائياً وعاطفياً ووطنياً. عشق الوطن أرضاً وإنساناً لكن الوطن وأهل الوطن نبذوه وأهملوه مثلما أُهمل صديق دربه ورفيق حياته أيوب فهل عرفتم من هو. إنه الفضول وكما ذكرناه في بداية كلامنا الفضول الذي رددت الدنيا نشيده ويقف يومياً كل الشعب تبجيلاً له ولكلمات نشيده الوطني. باركت السماء نضاله، وعانق الشمال جنونه، إنه الذي رحل إلى بعيد وتنبأ بموته واختتم أشعاره يرثي نفسه قائلاً: يا آخر الألحان في وتري وخاتمة النشيد يا آخر الأشواق في سهري وفي قلبي العميد يا آخر الأوراق في زهري تساقط في الجليد يا آخر الإشراق في عمري وآخر وجه عيد رحل فقيد الوطن الغائب الحاضر الشاعر الثائر/عبدالله عبد الوهاب نعمان الفضول فلماذا لا تحتفي ولا تُحيي ذكرى وفاته وزارة الثقافة والمثقفين اليمنيين مثلما احتفت بذكرى رحيل البردوني قبل أيام. أين الإنصاف للفضول حياً وميتاً وأين يد العون والاعتراف وحق قدر الفنان أيوب الذي ينام على فراش المرض فلا نامت أعين الجبناء يا أيوب.