ينظر الطفل فضل الدلالي لمستقبله بتشاؤم، فيصحو كل يوم على كابوس يجتث حياته ويحولها الى جحيم. فضل الذي لم يبلغ ربيعه الثالث عشر يعيش في بيوت الصفيح يحلم بحياة كريمة ومعاملة أفضل، فكل من ينظر إلى بشرته السمراء يعامله بازدراء وقسوة ودونية وتهميش. سنوات مرت عليه بشق الأنفس، فهذا ينهره وذاك ينعته يابن السوداء وآخرون يكيلون له الشتائم وينادونه ب”الخادم”. يحلم سامي بالعيش في عالم يخلو من التهميش واحترام الحقوق والمعاملة كبشر. الدلالي رد بحسرة عن حالته، وقال: كنت أعمل في غسل السيارات، واتهمني أحد مالكي السارات بأنني سرقت جواله، فأوصلني إلى القسم، وحبست عشرة أيام ظلماً، فأية حياة وكرامة تتحدثون عنها؟. ويقول الدلالي وعيناه اغرورقتا بالدموع: “أين الراحة؟ كل هذا ونحن يمنيون بني يمنيين”. ويشعر “الأخدام” في اليمن - وهم مجموعات من أصحاب البشرة السمراء في اليمن - بالاضطهاد، ويشكون مرارة العزلة والتمييز الاجتماعي المتوارث من المجتمع. ويعيش “الأخدام” في بيوت من الصفيح، وأحياناً في تجمعات سكنية معزولة ساهمت في تعميق عزلتهم عن المجتمع. امرأة أخرى ترى أن المجتمع “ظالم لهم ولحقوقهم”، إذ تقول: إن زوجها يعمل بالأجر اليومي في التنظيف ليوفر لقمة عيش لها ولأولاده السبعة في التجمع السكني المبني من الصفيح وبعض الخشب منذ 15عاماً وتعيش هذه الأسرة في غرفتين صغيرتين تفتقران إلى أبسط الاحتياجات. ويؤكد “سامي” أن شريحة “المهمشين” يعانون الإهمال وعدم الاكتراث بهم حتى في المشافي والمرافق العامة للدولة؛ لأنهم كما قال: “يقولوا لنا أخدام..أخدام”. ويقدر عدد “الأخدام” في اليمن بمئات الآلاف، وينتشرون في طول البلاد وعرضها، وهم الفئة الأقل تعليماً والأكثر فقراً، وفرضت عليهم ممارسة مهن ينظر إليها بازدراء من قبل غالبية السكان مثل: تنظيف الشوارع ومجاري المياه وغيرها. ويرى الدكتور فؤاد الصلاحي (أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء) أن “عدم الاعتراف الاجتماعي في هذه الفئة في المجتمع اليمني أدى إلى إعادة إنتاج هذه الجماعة لنشاطاتها وثقافتها، ومن ثم استمرارها في حلقة مفرغة غير قادرة على الاستفادة من المتغيرات الاقتصادية الحديثة والاجتماعية، وهي في هذا الصدد أصبحت مجالاً للاستبعاد والتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي، علاوة على أنها تعاني من أزمات سيكولوجية نتيجةً لهذه النظرة الدونية من المجتمع.