مع خالص حبي واعتذاري لتامر الأشعري قدم إلي شيخ الجان شلتوت، بأمر من الملك طالوت، وهو يحمل بين يديه صندوقاً عجيباً، مرصعاً بأغصان من الزمرد، وبلآلئ من الدر والياقوت، قائلاً: قل لي يا عظيم الشان، ما اسم هذا المكان، فقلت له: أنت في بلد من بلدان الله تسمى الحوبان.. فأخذ نفساً طويلاً، أتبعه بتنهيدة تنشق لها النفوس قبل جدران البيوت، طالباً مني الرد على الأشعري المبهوت، والمخدوع بفتات الخضروات لا بفاكهة التوت. ثم خاطبني قائلاً: إنه قد أثار حفيظتي كما أثار حفيظة أهل الملك والملكوت، وتجنى على شجرة لا حول لها ولا قوة، مدعياً بأنها محشوّة، فأجبت طلبها مطيعاً والتمست يراعي سريعاً، وقلت في قرارة نفسي: لقد ارتكبت أيها السامري شنيعاً، فدافع عن نفسك، أو فبادر إلى حبسك، فإن هذا اليوم طالعه مبشر بنحسك. إن هذا الفتى الغلام، جرّدني من محاسني بين الأنام، وخلع عليّ قبيح النعوت والآثام، وهمزني بالنميمة وأساء، ومشى يذمني افتراءً بين النساء.. كمن لم يدرك من سر العصا إلا الهش، منتفخة أوداجه بي بكرة وعشيا، مثل كومة قش. فهلّا جاءك بالدليل، وتبرأ من ترياقي السلسبيل، فأخذتني العزة بالحب، مأخذ الغيرة من العروس، وأوصلتني الحيرة إلى أن أدين بدين المجوس ، وليس من سبب لذلك غير ما وصفته في مقالك، من تآمر الأشعري، وسياف الإمام، للنيل من أغصان شجرة الخزام، وذكّرني ذلك المخبول، بقصة أبرهة صاحب الفيل، حين أقدم على هدم البيت الحرام، فجاءته الطير أبابيل، ترميه بحجارة من سجيل، فجعلته كعصف مأكول. وما إشارتك بالسُّلام وحملتك على قضيب السلام، إلا نكاية بكأسات المدام المعتقة منذ ذلك العام. أو تَذكر حين مررت بأغصان اليانسون، أيها الأشعري المأفون، فقذفتك بالمجون، واعترفت يداك قبل ثغرك ، حين جعلتني عوضاً عن مهرك، فناديتك يا غلام : قد قدمت إلى نحرك، على برذون أسرجته يميس بك متبختراً كأنك فوق مُهرك، تمتدح بأشعار من التراث، مما قيل في وصف البصل والكُراث، فرشقك بقضيب من بانه، وأنت آخذ بلجام حصانه، باسط الكفين إلى قيتانه، تشرئب إليه عنقك طولاً ، وتذرف شوق الحنين إليه سيولا، متوسلاً إليه بالشفاعة ، أن يمنحك ربطة تلوكها الساعة فقال: لا والله حتى يسمعني من الثناء وصفاً، فشرّقت وغرّبت، ودبجت وأطنبت، وصفاً لم يطق سماعه، ولم تر منه عطفاً، فأمسكت بتلابيب بنده مستغيثاً بشآبيب بَرَدِهِ و بَرْدِه، ليميل عليك بقدّه، ويجزيك بِرَدّه، ناعتاً إياك يا سيدي بعبده. فملأت منه الأكمام، ووضعت بعضاً منه موضع اللثام، ادعيت الصيام عن الكلام، ولبس ثياب الإحرام، وقد دسست تحت إبطيك المرابط سراً، وتشبهت بتأبط شراً، فتذكرت حينها إذ نجوت من سطوته ، قصة عمرو بن العاص حين كشف لابن أبي طالب في مبارزة عن سوأته, ولما دنوت منكما لألمح في ذلك الغَزَل الغزال، انعكس المشهد من قريب، إذ لم تكن كفؤاً له في النزال، فاقتربت منه مكان المحب من الحبيب، وطلبت منه أن يتركك في الحال فأعارك نسيماً من الشمول وتركك في ساحة من الذهول، كاتباً على أوراقه الزمردية: ليس لهذا الفتى عندنا من قبول، ولا هو معدود من الفرسان والفحول، وخاطبني قائلاً: رد عليه رد الأديب، ثم وافني عند ذاك الكثيب، فجادت قريحة شعري، مخاطبة تطفّل الأشعري، مذ رآني جالساً في قربه قال لي يا قاتلي ما أوصلك قلت من يبغ قصاصاً لم يزل يا حبيبي فادنُ ممن قات لك ودنا مني وفي قبضته حزمة الأسرار هذا القات لك ولم أر وصفاً أبلغ من هذا المقال: يُقلّب بين كفيه غصوناً لها نسب إلى رب الجمال لآلئ من زمرد نابتات موزَّعة القلوب على زلال وكتبت إلى مولانا الأمير عمار ونائبه على مملكته الهيجمي، أن أبلغا عني تامركما هذا الوصف من الحاتمي. أعطني ربطة من القان خضرا سرّها يا سُرى بالسرّ أسرى سرّه بالحضور والفتح قاضٍ فاتخذه ما شئت للذكر إسرا وما ادعى في حُمياه من السموم، إلا لهذيانه وهو محموم، وليعلم علم اليقين ،أني له بالمرصاد، سأشرق حنجرته ذبحاً بغير سكين، وأجعله عبرة بين العباد، ولأزينن له عن الشمال وعن اليمين، وأزف إليه صفرة الأكباد، ولأمنينّه بالاغترار، ثم لأدفعنه إلى الانتحار، أو لأجعلنه صيداً لصعلوكي المطيع شنفرى، ولأهجونه بمعلقة تتجاوز ميمية عنترة، أو لأزرعنّه نبتة تحت الثرى ، لا يدرك ولا يرى “وقد خاب من افترى”. أو لأجعلنه يطير بلا يدين، أو يقرّ لي بالدّين، أو لأقيضن له شيطان الأحلام، كلما خلد إلى الراحة أو نام، وأكون قابض روحه يوم الحمام. فلقد تأبلس به الكيف وهجرني في الشتاء والصيف، ونعتني بالحيف فو الله إن ما بيني وبينه حد السيف. فلست أصفح له مقاله، ولا أترك على غاربه حباله، حتى يقع ذلك المدعي في الزباله، ليس لأنه في ناظري مخيف، ولا أني أمامه ضعيف، ولكنها النخوة والكرامة والغيرة وعنفوان الشهامة. ثم توارى أدام الله ظله خلف عيدانه، مرتدياً برود أغصانه، مكللاً بتيجان أفنانه، محاطاً بحرسه وغلمانه. فهو منذ ذلك الحين، لم يبرح في مكانه ...منتظراً خروج مهدي زمانه.