بلقيس الراوي مثلما أثارت ضجة عندما أحبها نزار قباني واجتاحت قلب شاعر بحجم قباني وشغل المحبين بقصائدها وقصة حبه لها لكثر من سبع سنوات, مثلما ترك رحيلها أثراً كبيراً في نفسية نزار, حيث عرج بعضهم بالقول إن رحيل بلقيس كانت القاضية لشعر نزار قباني بعد التحول الكبير الذي اجتاحه عقب الانتكاسة عام 1968م ووفاة جمال عبدالناصر, الذي رثاه وبروزالجانب القومي متحسراً على جسد العروبة و ليس كم عهدناه يتغزل على جسد المرأة منذ اللقاء الأول والحب بينهما بلغ تعاطف شعب بأكمله معهما حيث التقاها لأول مرة في إحدى القاعات في العراق عندما كان يلقي الشعر في بداية الستينيات من القرن الماضي, وعندما تقدم لطلب يدها لم يوافق والدها بحجة أنه شاعر وأن الشعراء يتغزلون بالنساء.. إذ يقول عن بلقيس في أحد لقاءاته الصحفية: (بلقيس هي كنز عظيم عثرت عليه مصادفة, حيث كنت أقدم أمسية شعرية في بغداد عام 1962م ويضيف, قصتنا ككل قصص الحب في المدن العربية جوبهت ب (لا) كبيرة جداً.. كان الاعتراض الأقوى على تاريخي الشعري, وكانت مجموعاتي الغزلية وثائق أشهرها أهل بلقيس ضدي والقبائل العربية كما نعرف لا تزوج بناتها من أي شاعر تغزل بإحدى نساء القبيلة, ولما يئست من إقناع شيخ القبيلة بعدالة قضيتي.. ركبت الطائرة وسافرت إلى أسبانيا لأعمل دبلوماسياَ فيها لمدة ثلاث سنوات, وخلال هذه السنوات الطويلة كنت أكتب لبلقيس, وكانت تكتب لي.. رغم أن بريد القبيلة كان مراقباَ.).. وظل وضع نزار على هذا الحال حتى جاء عام 1969م, فيقول: في هذا العام ذهبت إلى بغداد بدعوة رسمية للاشتراك في مهرجان المربد.. وهناك ألقيت قصيدة من أجمل قصائدي كانت ((بلقيس الراوي)) بطلتها الرئيسية: مرحباَ يا عراق, جئت أغنيك وبعض من الغناء بكاء أكل الحزن من حشاشة قلبي والبقايا تقاسمتها النساء وبعد هذه القصيدة التي لاقت استعطاف الشعب والحكومة العراقية بأكملها, حيث حملت حكومة العراق على عاتقها خطبة بلقيس من والدها حيث كلف حينها الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر وزيرين من الدولة وهما: وزير الشباب والثقافة شفيق الكمالي ووكيل وزارة الخارجية شاذل طاقة وكلاهما شاعران لخطبة بلقيس فوافق والدها, وتم زواجهما في عام 1969م فعاشا محبين بعد قصة حب.. تلهمه بلقيس كل اللغات في كتابة الشعر على مدى زواجهما وكتب قصيدته الشهيرة في ذكرى زواجهم العاشر, التي مطلعها: اشهدُ أن لا امرأة اتقنت اللعبة إلا أنتي واحتملت حماقتي عشرة أعوام كما احتملتي وتأخذ بلقيس الوافر الأكبر من قصائد ودواوين نزار قباني حتى بعد وفاتها في تفجير استهدف السفارة العراقيةببيروت يوم 15-12-1981م, ويقول نزار قباني: عند أقسى اللحظات التي عاشها عند التفجير (كنت في مكتبي بشارع الحمراء حين سمعت صوت انفجار زلزلني من الوريد إلى الوريد ولا أدري كيف نطقت ساعتها : ياساتر يارب.. بعدها جاء من ينعي إلي الخبر.. السفارة العراقية نسفوها.. قلت بتلقائية بلقيس راحت.. شظايا الكلمات مازالت داخل جسدي.. أحسست أن بلقيس سوف تحتجب عن الحياة إلى الأبد، وتتركني في بيروت ومن حولي بقاياها، كانت بلقيس واحة حياتي وملاذي وهويتي وأقلامي ) حيث أخرج نزار قباني كل حزنه بأطول القصائد المرثية التي نظمها في بلقيس ويقول فيها : شكراً لكم .. شكرًا لكم فحبيبتي قتلت .. وصار بوسعكم أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة وقصيدتي اغتيلت .. وهل من أمة في الأرض إلا نحن – نغتال القصيدة..؟ بلقيس كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل بلقيس كانت أطول النخلات في أرض العراق كانت إذا تمشي ترافقها طواويس .. وتتبعها أيائل بلقيس.. يا وجعي ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل وحمل نزار قباني الوطن العربي بأكمله مسؤولية قتلها وكتب في ذلك: سأقول في التحقيق.. أني قد عرفت القاتلين.. بلقيس..يا فرسي الجميلة.. أنني من كل تاريخي خجول هذي بلاد يقتلون بها الخيول.. سأقول في التحقيق: كيف أميرتي اغتصبت.. وكيف تقاسموا الشعر الذي يجري كأنهار الذهب سأقول كيف استنزفوا دمها.. وكيف استملكوا فمها..فما تركوا به وردا ولا تركوا به عنبا.. هل موت بلقيس..هو النصر الوحيد في تاريخ كل العرب؟» كتب الكثير من القصائد والدوواين لرحيل بلقيس حيث أنها كانت كل ما لديه حيث يصفها بعد رحيلها (بعد رحيلها أقمت باباً من الحديد في بيتي يسبقه بمتر ونصف، أغلقه علي وعلى أولادي من السابعة مساء، أصبحت أنام بعيون مفتوحة بعد أن خاصمت الطمأنينة، أرادوا أن يخفوا صورها من البيت فصرخت فيهم أريد أن تبقى بلقيس معي حتى لو غابت.. كانت جزءاً من عمري ومن عيش مشترك, وكانت صديقة شعري قبل أن تكون صديقتي ولم تكن تعتبر قصيدتي ضرة لها، بل جزءاً من مجدها) بعدها ترك نزار قباني بيروت وتنقل بين باريس وجنيف حتى استقر به المطاف في لندن حيث قضى بقية حياته هناك يرسل لنا وجع بلقيس ووجع القصائد ووجع العروبة حتى توفى في لندن يوم 30-4-1989م تاركاً لنا مأساة بلقيس وقصائد في الحب والسياسة والثورة..