هي مدينة الفكر والثقافة بأهلها وأدبائها وفنانيها وحب أبنائها للعلم والتعلم والبحث عنه وشد الرحال إليه, هي مدينة الأدب والحضارة والتاريخ قبل أن تصبغ عليها الدولة الصبغة الرسمية كعاصمة ثقافية لليمن؛ فلم يكون هذا القرار الرئاسي مفاجئاً لأحد ولم يكن أحد يتوقع أن يصدر هكذا قرار نظراً لكثرة الوعود السابقة, فتعز ليست بحاجة إلى قرارات ثقافية بقدر ما هي بحاجة إلى رد الاعتبار لمدنيتها وثقافتها وذلك من خلال استثمارها ثقافياً ومعرفياً.. فخلال العقود الماضية كانت تعزالمدينة الوحيدة التي تمد اليمن بخيرة العقول والأدباء والمفكرين, وكانت ملتقى للفكر والأدب والثقافة ومهد الثورة والثوارات ومفجرة الطاقات والإبداعات الشبابية, وظلت مدينة للتنوع والتعدد الثقافي والفكري ومدينة للتعايش الإنساني, ورغم أن هذا القرار لم يضف شيئاً جديداً لتعز إلا إنه خطوة مهمة وجديدة, وهذه الخطوة لا بد أن تليها خطوات عملية نحو عاصمة ثقافية بحجم تعز.. فحال تعز اليوم الثقافية حالياً والحالمة سابقاً حال مزر ومرير, إذ لا توجد فيها مكتبة وطنية شاملة للقراءة تزود أبناءها بالبحث والاطلاع, وشتى المعارف, خالية من الفرق الفنية ودور المسرح والسينما والأوبرأ والمنشآت الثقافية سوى مركز ثقافي وحيد ليس له من اسمه نصيب, فهو خارج نطاق التغطية الثقافية إلا في المناسبات.. أية عاصمة ثقافية وقد غدت بيئة طاردة للثقاقة والمبدعين.. أين هي نتاجات الشعراء والأدباء من شعر وقصة ورواية؟ إذ لا توجد فيها دار نشر إلى الآن, أين هي المنتديات الثقافية والنوادي الأدبية؟ أين هي المهرجانات الشعرية لكبار الأدباء والشعراء؟ عاصمة ثقافية لا توجد فيها قناة فضائية ولا صحيفة واحدة تصدر منها سوى الجمهورية اليتيمة منذ قيام الثورة, ولولا حب أبنائها وشغفهم بالعلم والتعلم لقلت إن تعز عاصمة منكوبة ثقافياً, وحدها مؤسسة السعيد للثقافة من حركت قليلاً من الركود والجمود وأفسحت المجال لتعز قليلاً للتنفس ثقافياً.. هل يعقل أن تكون عاصمة للثقافة ولا تصدر صحيفة ثقافية متخصصة فيها سوى ذكرى “الثقافية” التي كانت يوماً حديث اليمنيين جميعاً, وكأنها ولدت لتموت.. مدينة لا يوجد فيها شارع يحمل اسم أديب أو فنان أو مبدع ولا حتى مجسم لعلم من أعلامها, عاصمة للثقافة أدباؤها هجروها منذ زمن, ومن بقي فيها يعانون شظف العيش والإهمال في حياتهم والنكران بعد مماتهم والفضول خير شاهد على ذلك.. ليس انتقاصاً من تعز, فتعز عاصمة للثقافة قبل القرار وبعده.. لكن غياب الاسترتيجية الثقافية التي تأخذ بها إلى مصاف المدن الثقافية كبيروت وطنجة ودمشق والقاهرة فهي إما غائبة أو مغيبة لدى صناع القرار عمداً وتجاهلاً .. أخيراً لم تكن تعز عاصمة ثقافية ما لم تكن هناك إدراة ثقافية واستراتيجية واضحة لإدارة الاستثمار الثقافي في تعز في المرحلة المقبلة وإلا أن هذا القرار لن يضيف شيئاً جديداً لتعز وللحال الثقافي فيها.. نتمنى أن لا يكون مجرد فقاعة إعلامية لإرضاء تعز أو للاستهلاك السياسي, تعز أكبر من أن تكون عاصمة للثقافة ولكن قدرها أن تظل حالمة حتى في الثقافة..