كم نصاب بالذهول عندما نجد معاقين في هذه الدنيا حققوا ما لا يستطيع كثير من الأصحاء أن يحققوه. والسبب قد يكون بسيطاً يكمن في اختلال ميزان الإرادة، فالصنف الأول يتميزون بإيمانهم أن علو الهدف يحقق العجائب، واستشعارهم أن من كافح ليكون ترتيبه الأول؛ يحزن إذا حل ثانياً ومن كان همه دخول الدور الثاني؛ يفرح إذا لم يرسب إلا في نصف المقررات والمواد، مرددين مع الشاعر قوله: وإذا كانت النفوس كباراً * تعبت في مرادها الأجسام إن قوماً آمنوا بجدية الإرادة وفاعليتها لا بد وأن يصلوا إلى ما يرمون إليه حتى وإن كانوا معاقين، فالإبداع لا يُستجلب بالقوة, وتوتر الأعصاب؛ إنما بالهدوء, والسكينة وقوة الإيمان, والثقة بما وهبك الله من إمكانات رغم ما ابتلاك به، مع الصبر والتصميم, وقوة العزيمة؛ ولذلك فأكثر الطلاب تفوقاً؛ أكثرهم هدوءاً, وأقلهم اضطراباً عند الامتحان. وكذلك كان النبي «صلى الله عليه وسلم» أشجع الناس، وأربطهم جأشاً، وأثبتهم جناناً، وأقواهم بأساً؛ يتقون به عند الفزع، ولا يعرف الخوف إلى قلبه سبيلاً، علينا فقط التفكير السليم المنطقي الذي يقود في أغلب الأحيان إلى النجاح، والتخطيط العلمي العملي طريق لا يضل سالكه. وفشلنا في كثير من جوانب حياتنا الأسرية, والشخصية, والاجتماعية؛ منشؤها توهم صعوبة حلها, أو استحالته، بينما قد يكون الحل قاب قوسين أو أدنى ومنشؤه أيضا من الخطأ في طريقة التفكير، والمقدمات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة، كما تثبت نظرية الحياة. فالأمر إذاً بحاجة إلى عزيمة في التفكير، يبدأ من تحديد المشكلة ثم تفكيكها إلى أجزاء، ومن ثم المباشرة في علاج كل جزء بما يناسبه. في مصر مازال الناس يتذكرون حكايات أغرب من الخيال لكن لعل الأبرز والأهم والأكثر جذباً وتألقاً هي حكاية الكفيف احمد وأصدقائه الأربعين كفيفاً. وأحمد هذا صنع مع أشقائه بإرادتهم ملحمة تجبر كل من يراها على الوقوف أمامها تقديراً واحتراماً ورافعاً لهم قبعة الامتنان فقد نجحوا في إدارة مطبعة كبيرة تخرج مئات الآلاف من الكتب سنويا والتي يستفيد منها المكفوفون خاصة طلاب المدارس منهم لتصبح مطبعتهم الأولى والأهم فى الوطن العربي والشرق الأوسط. أحمد عبد الله.. مدير مطبعة المركز النموذجي لرعاية المكفوفين، عمره الآن تجاوز ال"52" سنة، هو من أقدم العاملين بالمطبعة حيث التحق بالعمل عام1960، يقول عن تجربته ومشواره: في البداية كانت هناك صعوبات ولكن بفضل الله ثم الإرادة القوية والعزيمة استطعت أن أتخطى كل العقبات التي صادفتني وذلك لحبي الشديد لهذا المجال والحمد لله تفوقت وكنت أول الدفعة التي التحقت بالمركز النموذجي لرعاية المكفوفين. وتدربت علي يد نيقولا باسيلي، وهو خبير كبير في مجال الطباعة، وبدأت عملي في المطبعة كمراجع لألواح الصاج التي تكتب عليها بطريقة "برايل" ثم بعد ذلك تدرجت في العمل وأصبحت كاتباً على ألواح الصاج ثم التحقت بكلية الآداب قسم اللغة العربية وحصلت على الليسانس ثم علي دبلوم من كلية التربية جامعة عين شمس وحصلت علي دبلوم في المناهج وطرق التدريس ثم بفضل الله أصبحت مديراً للمطبعة. وعن تاريخ المطبعة يقول: يعود تاريخ مطبعة المكفوفين في مصر إلى عام 1953 بناء على اتفاقية بين مصر والأمم المتحدة. وظلت هذه المطبعة هي الوحيدة والرائدة في الوطن العربي لعدة سنوات حيث تقوم بطباعة المناهج الدراسية للمكفوفين من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الثالث الثانوي بطريقة "برايل" في جميع التخصصات التي يدرسها المبصرون وهي المهمة الأساسية التي أنشأت من أجلها. كما يقوم المكفوفون بتحرير وإعداد وطباعة مجلتين شهرياً واحدة للكبار والأخرى لصغار المكفوفين.. بالإضافة لبعض الكتب والروايات لكبار الكتاب. ونقوم أيضا بطباعة القرآن الكريم وكتب الأحاديث النبوية الشريفة، ويضيف أحمد إن المطبعة يعمل بها أكثر من 40 كفيفاً وهم يمثلون 80 % من العاملين بالمطبعة ويتم تدريبهم بشكل مكثف للعمل بالمطبعة مع تعليمهم كيفية تجنب مخاطر الماكينات وهم هنا يؤدون أعمالهم بمهارة فائقة تبهر كل من يراهم. والسؤال الذي يطرح نفسه إزاء هذا الموقف هو: كم لدينا من المبصرين من غير القادرين على أن ينفعوا أنفسهم، فضلا عن مجتمعاتهم؟ وإن أنسى فلا أنسى في هذا المقام إحدى الأمهات المعروفات لدى المجتمع التعزي والتي نذرت حياتها لابنها المعاق الذي كانت ترى الدنيا بعينيه، ولا تطيب حياتها إلا بالنظر إليه، كانت إحدى الأمهات التي تتردد كثيراً كأم على مركز التأهيل الذي يدرس فيه ابنها لتفقده والعناية به، ولأنها تمتلك إرادة فولاذية ولا تنتظر من الآخرين أن يدعونها للمبادرة عزمت على نفسها أن يكون لها بصمة في الارتقاء بهذه المعاهد المتخصصة في رعاية المعاقين "أصحاب الاحتياجات الخاصة" فكانت المبادرة في كثير من الأمور التي كان من شأنها النهوض بهذه المعاهد مما أهلها وبثقة عالية من أولياء أمور الطلاب إلى أن تكون مسئولة عن هذا المركز الذي أصبحت على رأس إدارته ليتطور الأمر بعد ذلك لتؤسس مبنى محترماً بملكية خاصة لهذه الشريحة التي تمتلك إرادات فولاذية لا تعرف المستحيل. إضاءة الإرادة نية تعقبها همة