عبارة «بيت القصيد» هي من المصطلحات النقدية العربية بامتياز، حيث درج النقاد العرب الى اعتبار أن لكل قصيدة، بيتها الذي يمثل «ألأصنص» الشعري لتلك القصيدة، وهو بمثابة الروح التي تتدفق منها القصيدة. وهو الذي تتكثف فيه القصيدة عند الشعر لتتجلى في بيت واحد يمكن اعتباره في النهاية «بيت القصيد». وذات شعر وقصيدة حاول الشاعر العربي الراحل نزار قباني كتابة ديوان من الشعر اعتمد في تقنيته الشعرية على كتابة شطرة شعرية واحدة هي «بيت القصيد» وأذكر أنه قدم لديوانه هذا بمقدمة عن فلسفة التكثيف الشعري في « بيت القصيد»! آثرت أن أسوق هذه المقدمة لأتحدث عن ظاهرة «بيت القصيد» الشعرية في مدونات الفيس بوك، حيث وجدت وأنا أطالع صفحات الاصدقاء والمعارف ان معظمهم صاروا يذهبون الى كتابة القصيدة الشعرية المكثفة في شطرين أو ثلاثة، وأن هذه الكتابة المختزلة المكثفة ترتقي بالفعل الى مستوى الشعر المتقدم والأصيل المُعمّق. والغريب أن مثل هذه الكتابة الشعرية المكثفة أخذت تعمق سريانها الحبري في معظم المدونات على صفحات الفيس بوك، وانها صارت تقدم لنا بعض المواهب الشعرية التي ليست وليدة منابر شعرية وروابط كتابية وأدبية وأمسيات! والأمر لم يتوقف عند هذه المواهب الوليدة بل صار لدينا في هذه المدونات استقطابات لشعراء كبار يقدمون هذه القصيدة «البرقية» إن جازت التسمية. من ناحية أخرى صارت لدينا على صفحات الفيس بوك كتابات سردية قصصية تذهب نحو كتابة القصة قصيرة جداً بطريقة متميزة ولافتة. إن مثل هذا التراكم الكتابي اليومي والمُلّح على صفحات الفيس بوك بدأ يتحول الى ظاهرة كتابية وأدبية يمكن لها في المستقبل القريب أن تُشكل انقلاباً في الكتابة الأدبية، ذلك أن ثورة ثقافة الصورة باشكالها المتنوعة بدأت تتمظهر على صعيد الكتابة الأدبية بتنويعات غيرمسبوقة. وربما ليس من قبيل الصدفة أن تفوز مدونة عراقية قبل سنوات بجائزة عالمية على ما كتبته في مدونتها عن يوميات الأوضاع الاقتتالية في العراق. والحال اننا نواجه حالة انقلابية في عوالم الكتابة الادبية لا تختلف كثيراً عن ما فعلته الطباعة من انقلابات في بنيتنا العرفية وتنوع مصادر الوعي القرائي، وهذا ليس ببعيد عن ثورة الفيس بوك التي بدأت تعطينا بعض الاشارات الانقلابية في موضوع الكتابة والقراءة.