أرغبُ بكِ بشدة لدرجة أنني كلما تخيلتكِ قادمة ينفتح الباب على مصراعيه من تلقاء نفسه. ادخلي الآن يا عزيزتي! فأنا جالس هنا في انتظاركِ منذ سنوات مثل تمثال من البرونز نُحِتَ في وضعية تَذَكُّر وأُجْلِسَ وسط الميدان حيث أخذ يسطع من الداخل، بهدوء وبلا هوادة، مثل عاشق منهمك كلياً في تذكر حبيبته تحت ضوء القمر. لا تسألي تمثالا من البرونز عن سبب سطوعه، ولا عاشقا مصنوعا من الصمت عن كل هذا الوهج الذي ينبعث من أعماقه بين حين وآخر ويغمر المكان كله! اتركي الحَمَام والأيام تحط على كتفيّ وتطير وأنا جالس مكاني بلا حِرَاك في إنتظاركِ مثل تمثال من البرونز! دعي كل شيء حولي يحدث على راحته! دعي الظلام يحدث والصمت يحدث والعزلة تحدث والنسيان يحدث وكل شيء يخطر لكِ على بال دعيه كله يحدث! لا تفكري بغرس نبتة في النقطة التي أحدق فيها بلا توقف منذ سنوات! لا تفكري بحفرها بحثا عن شيء قد يكون مدفونا في الأعماق! فكل نقطة في الخارج نطيل التحديق فيها هي نقطة غائرة هنا، في الداخل. إنني أحدق فيكِ إنني أحدق بصمت في أكثر نقطة فارغة أمامي حتى أراكِ تنبتين شيئا فشيئا هنا، في قلبي، مثل شَتْلَة جميلة ووحيدة في العراء. اتركيني وشأني، إذاً، أحدق فيكِ بصمت! لا تقفي أمامي، هكذا، وأنت تلوحين بيديك وتصرخين في وجهي لكي توقظيني! فكل عاشق، مثله مثل أي تمثال، مصنوع من الإنتظار والصمت المطبق والسبات العميق ولا يمكن إيقاظه.